* سوف يكون الجهد الذي يبذل لاستعادة غرب الموصل من “داعش” معركة استنزاف.
* ليس للمدنيين العالقين في القتال طريق سهل للفرار.
ثمة نمط مألوف يظهر بينما تبدأ القوات العراقية المرحلة النهائية من هجومها المعاكس لتطهير غرب الموصل من مقاتلي “داعش”.
إنها تتقدم باتجاه حدود المدينة، وتستخدم المدفعية والضربات الجوية لإضعاف دفاعات المجموعة الإرهابية. ويرد “داعش” بشن هجمات انتحارية، ويستغل شبكات الأنفاق التي حفرها، ويقوم بتنشيط الخلايا النائمة في الأماكن الأخرى في المدينة.
ثمة حرب استنزاف طويلة مقبلة؛ حيث يوجد نحو 750.000 مدني عالقين في المنتصف. وبالنسبة للجيش العراقي والحكومة، ستكون الجائزة الكبرى هي تطهير “داعش” من آخر مدينة يسيطر عليها في العراق.
كيف تبدو المعركة؟
من المرجح أن تكون المعركة من أجل غرب الموصل أصعب من تلك التي جرت لتطهير شرق المدينة، والتي استمرت لأكثر من شهرين. وتشير صور الأقمار الاصطناعية وتقارير شهود العيان إلى أن دفاعات “داعش” هنا أكثر سماكة، وإلى أن طبيعة الأزقة في المدينة القديمة عصية على نفاذ العربات المدرعة من خلالها.
في الجانب الأول، كسبت القوات العراقية الخبرة بشق الأنفس في الشرق. وقال رقيب في قوة مكافحة الإرهاب لشبكة “سي. أن. أن” في الشهر الماضي، إن وحدته توقفت عن استخدام العربات بين الفينة والأخرى، وتقدمت ليلاً سيراً على الأقدام حتى تفاجئ مقاتلي “داعش”.
في المرحلة المبدئية من هذا الهجوم المضاد الأحدث، بدأت قوات الشرطة العراقية الفدرالية والفرقة المدرعة التاسعة بقصف المناطق المحيطة بمطار الموصل الذي يقع إلى الجنوب من المدينة قبل التقدم البري. وكان “داعش” قد عزز بقوة هذه المنطقة بقواطع طرق وحواف ضيقة، وعطل مدرج المطار وجعله غير قابل للعمل منذ وقت طويل بحفر الخنادق فيه. وقال مسؤولون عسكريون عراقيون مؤخراً، إنه تم الاستيلاء على أول هدف، تلة تقع إلى الجنوب وتطل على المطار.
ومن أجل الدعم، استهدفت الضربات الجوية الأميركية عمليات “داعش” داخل المدينة، وبشكل خاص قصف مقرات القيادة التابعة له في بناية “باب سنجار” المكونة من خمسة طوابق يوم 17 شباط (فبراير). وذكر الائتلاف أنه نفذ ضربات جوية موجعة يوم الاثنين من الأسبوع الماضي ضد مراكز قيادة “داعش” وعلى أكثر من دزينة من وحدات الهاون.
ثمة فارق رئيسي واحد في هذه المرحلة من المعركة. فعندما كانوا في شرق الموصل، كان لدى مقاتلي “داعش” خيار العودة إلى غربي الموصل. لكنهم الآن أصبحوا مضغوطين في جيب صغير من الأرض؛ حيث طرق الهروب عبر الصحراء وباتجاه سورية تعج بالقوات شبه العسكرية العراقية. ويترتب على الغالبية العظمى منهم الاختيار بين الموت وبين الاستسلام -مما يجعل المعركة أشد ضراوة.
ماذا عن المدنيين؟
هناك أيضاً خيارات أقل بالنسبة للمدنيين. فقد تم تدمير كل الجسور التي تصل بين شرق وغرب الموصل. وسيكون الهرب إلى الجنوب وسط القتال محفوفاً بالمخاطر، لكن إمدادات الغذاء الأساسية تتناقص. ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن “إمدادات الغذاء والوقود المتوفرة تستمر في التلاشي، ويلجأ المواطنون إلى حرق الأثاث والقمامة للحصول على التدفئة”.
وقال المكتب الأسبوع الماضي إن “إمدادات الغذاء والوقود تتضاءل، وقد أغلقت الأسواق والحوانيت أبوابها وأصبحت المياه الجارية نادرة والكهرباء في العديد من الضواحي إما متقطعة أو مقطوعة”.
كان حجم الهروب من شرقي الموصل كبيراً (حوالي 180.000 في الأوج)، لكنه كان قابلاً للإدارة؛ حيث كانت هناك مخيمات مؤسسة جيداً عند حدود المدينة. ومن شأن قتال مطول في الغرب أن يفضي إلى تداعيات أسوأ. ويقول المكتب إنه يوجد في الوقت الراهن مكان معد لإيواء 60.000 مشرد.
هل لدى العراقيين قوات كافية؟
من أجل اجتثاث “داعش” من غربي الموصل، ترتب على الجيش العراقي نشر العديد من وحداته النخبوية التي كانت قد استعادت الضواحي الشرقية من المدينة. ويكمن الخطر في أن “القوات المحافظة” التي تركت في الخلف للاحتفاظ بالمكان هي أقل خبرة وتنظيماً، وفقاً لبعض المراقبين الغربيين. ووجد فريق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية في شرق الموصل في الشهر الماضي مزاجاً منفعلاً عند السكان المدنيين الذين بدأوا بالعودة إلى الديار، لكنهم كانوا متوجسين من الحالة الأمنية الهشة.
وقد وقعت أصلاً موجة من التفجيرات الانتحارية في شرقي الموصل منذ طرد مقاتلي “داعش” عبر جسر دجلة. وكان 11 شخصاً قد قتلوا في هجوم واحد على مطعم يوم 10 شباط (فبراير). وتظل المنطقة شاسعة بحيث تصعب تغطيها شرطياً؛ حيث قال ضباط عراقيون للمحطة (سي. أن. أن) في الشهر الماضي إن وجود الخلايا النائمة لـ”داعش” يشكل مصدر قلق ثابتا ومستمرا. وسيتجسد أسوأ سيناريو عندما تثور الاشتباكات مرة أخرى في الشرق، مما يجبر القوات العراقية على القتال على جبهتين في آن واحد.
ما الذي يأتي تالياً؟
الصورة الكبرى، بمجرد أن يتم كسب هذه المعركة، ستتركز على إعادة الإعمار والمصالحة. وثمة مساحات ضخمة من شرقي الموصل دمرت. وتملأ العربات المحروقة الشوارع، بينما تحولت آلاف المنازل إلى ركام ودمرت الكثير من مكونات البنية التحتية. وتمس الحاجة إلى إعادة الخدمات والأمن إذا ما أريد للناس الاقتناع بالمكوث -لكن من المرجح أن يكون الثمن بالمليارات. وذلك قبل احتساب كلفة المعركة من أجل استعادة غربي الموصل.
كما أنه لا يوجد هناك أي اتفاق بعد حول كيفية حكم الموصل، وهي خط تماس عرقي وطائفي حيث تعيش مجموعات سنية وكردية وشاباكية ومسيحية وتركمانية -غالباً منقسمة هي نفسها- والتي ستتنافس على الاستئثار بالنفوذ في الفراغ الذي يخلفه طرد “داعش”. وكانت قوات البشمرغة الكردية قد بنت أصلاً جداراً ضخماً في محاولة أحادية الجانب لرسم حدود جديدة لمنطقتها.
ويدرك المسؤولون الأكراد أنه متى ما سقطت الموصل، فستذهب المصلحة الأميركية في المنطقة، ولو أن شخصيات رفيعة في الإدارة الجديدة (الأميركية) تعهدت باستدامة “العلاقة الأميركية-العراقية الاستراتيجية”.
طوال العام 2016، كان الزخم الدبلوماسي الأميركي حاسماً في بناء الائتلاف المفكك للحكومتين الإقليمية الكردية والعراقية المركزية والحفاظ عليه، بالإضافة إلى الميليشيات المختلفة التي تريد أن تكون لها كلمة في كيفية حكم هذا الجزء من محافظة نينوى.
ويقول المحلل، مايكل نايتس، صاحب الخبرة الطويلة في العمل مع الجيش العراقي، “إن الانخراط الأميركي المستمر يعد حاسماً، ويجب على القوات الأميركية الالتزام بثلاث سنوات أخرى على الأقل من التعاون الأمني الاستثنائي لتمتين المكاسب التي تحققت بشق الأنفس في الموصل وغيرها”.
هل ستكون هذه نهاية “داعش” في العراق؟
قد يعرض تحرير الموصل إطاراً لتقاسم السلطة والموارد في العراق. لكن تجربة الأعوام الأربعة عشر الماضية ليست مشجعة. فالطائفية والفساد -والأحدث، هبوط أسعار النفط- كلها عوامل أعاقت الجهود الرامية إلى إيقاف العراق على قدميه. وحتى لو تم سحق “داعش” بشكل حاسم في الموصل، فلن يعني ذلك استئصال جذوره العميقة في العراق. وسوف يحاول العودة إلى ما كان عليه –حركة تمرد تعيش بين المواطنين السنة في شمال العراق، مختبئة في المناطق الجبلية وقليلة أو نادرة السكان.
لماذا الموصل تهُم؟
منذ استيلاء مقاتلي داعش على الموصل في حزيران (يونيو) من العام 2014، بقيت الموصل معقلاً حاسماً للتنظيم.
تشكل الموصل أضخم مدينة يسيطر عليها “داعش” في العراق وسورية. وكانت المدينة التي أعلنت منها المجموعة أول الأمر تأسيس ما تدعى “الخلافة”.
منذ ذلك الحين، فقد “داعش” تدريجياً بقية مدنه العراقية -الرمادي وتكريت والفلوجة- لصالح القوات الحكومية. ويقدر أن ثمة ما يصل إلى 750.000 شخص ظلوا في الموصل، التي كانت ذات مرة مركزاً تجارياً دولياً ومأوى لأكثر من مليوني نسمة.
في مناطق مثل محافظة ديالا وحول بلدة تكريت، يظهر “داعش” مُسبقاً إمارات على حياة متجددة. وفي وقت سابق من هذا الشهر، ناشد محافظ صلاح الدين بغداد تقديم المساعدة بعد سلسلة هجمات شنها “داعش” في المحافظة. ويقول معهد دراسة الحرب الذي يرصد الحالة الأمنية في عموم العراق، إن “داعش” أخذ “يعود إلى التكتيكات التقليدية الإرهابية بعيداً عن جهوده لحكم المدن والتمسك بها”.
وقال ضابط استخبارات كردي، لاهور طالباني، لوكالة رويترز الإخبارية في الأسبوع الماضي، إنه حتى لو تبخر “داعش”، فسوف “تظهر مجموعة أخرى تحت اسم مختلف وبمقياس مختلف”. وقال طالباني: “سوف تكون السنوات القليلة المقبلة صعبة جداً علينا من الناحية السياسية”. وليس هناك مكان يصدق عليه هذا القول أكثر من الموصل، ثانية أضخم المدن العراقية.
تقول رشا العقيدي، وهي واحدة من عديد العراقيين الذين يعيشون في المنفى، إنه سيكون خطأ مأساوياً أن يظن الناس أن هناك “نوعاً واحداً من السكان في الموصل، نوعاً واحداً من الإسلام أو نوعاً واحداً من أي شيء آخر”. وأضافت: “المكان ليس بمثل هذه البساطة، وسوف يؤدي تفويت التفاصيل إلى الدموع في عيون الجميع”.
تيم ليستر
صحيفة الغد