لندن – يجمع الخبراء والدراسات على أن الأتمتة سيكون لها تأثير كبيرة على سوق العمل، لكن التشكيك في المبالغات الكابوسية لتأثير الروبوتات على وظائف البشر بدأت تتسع رغم تسارع غزو الأتمتة للنشاطات الاقتصادية.
ولا تزال الفجوة كبيرة بين التوقعات بشأن كيفية وسرعة وخطورة التأثير المستقبلي لها. وقد صدرت مؤخرا دراسات جديدة تؤكد أنّ خطر الأتمتة قد تحدث ببطء أكثر مما توقعته الدراسات السابقة.
وكان القلق قد تصاعد في ديسمبر الماضي حين أعلنت شركة فوكسكون، المتخصصة في صناعات الالكترونيات ومقرها تايوان، أنها تخطط لاستبدال جميع الوظائف البشرية في بعض مصانعها بالروبوتات، خاصة أنه جاء بعد دراسات تؤكد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقدّم خدمات تضاهي خدمات البشر.
ووصل التشاؤم في بعض استطلاعات الرأي إلى أن الأميركيين يعتقدون أن الروبوتات سوف تأخذ غالبية الأعمال التي يقوم بها البشر حاليا.
لكن دراسة حديثة عن “التشغيل الآلي والعمالة والإنتـاجية” نشرها قسم الأبحاث في شركـة ماكينـزي أنـد كومباني الاستشارية، قالت إن وتيرة تأثير الأتمتة على القـوى العـاملة قـد تكون أقـل شراسة مما كان متوقعا.
وأشارت الدراسة إلى أن النشاط الاقتصادي سيواصل ابتكار الكثير من الفرص للبشر للعمل جنبا إلى جنب مع الروبوتات في المستقبل المنظور.
وأكد الخبراء الذين أعدّوا الدراسة ضرورة تقسيم العمل إلى أنشطة محدّدة بدلا من أدوار وظيفية، لأنّ هناك الكثير من الأدوار الوظيفة التي لا يمكن أتمتتها بشكل كامل.
جيمس مانيكا: الأتمتة الكاملة لن تسرق سوى 5 بالمئة من الوظائف حتى عام 2055
وأوضحوا أن ذلك يؤكد أنّ الروبوتات ستأخذ جزءا من المهام التي يقوم بها العامل، ولن تأخذ كامل عمله، مما يتطلب بقاء جزء من العاملين على رأس عملهم للقيام بدور ما جنبا إلى جنب مع خطوط الإنتاج المؤتمتة.
وأظهرت النتائج أن ما يصل إلى نصف أنشطة العمل اليومي ممكن أن يكون آليّا بحلول عام 2055. واللافت أنّ تلك النتائج تشير على الروبوتات قد تستحوذ فقط على 30 بالمئة من نحو 60 بالمئة من إجمالي الوظائف، وأن 5 بالمئة فقط سوف تصبح مؤتمتة بالكامل.
وبعبارة أخرى، تعتقد الدراسة أنه في السنوات الأربعين المقبلة سيحدث تغيّر على الوظائف، وفي أسوأ الحالات ستتقلص فرص العمل، وذلك بعكس ما يتوقعه الكثير من أن فرص العمل ستلتهمها الروبوتات.
وتبدو نتائج الدراسة على النقيض من التنبؤات الأخرى التي أدلي بها حول مستقبل العمل. ومن بين الدراسات الأكثر تشاؤما هي دراسة صادرة عن جامعة أكسفورد. ويتوقع فيها مايكل أوزبورن، أحد معدّي الدراسة أن ما يصل إلى 47 بالمئة من الوظائف في الولايات المتحدة معرضة لخطر الأتمتة على مدى السنوات العشرين المقبلة.
ونسبت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إلى جيمس مانيكا، معدّ تقرير ماكينزي، لماذا يعتقد أن الاستيلاء على وظائف البشر من الـروبوتات ستكون أبطأ من التوقعات الأخرى.
وقال مانيكا إن “تأثير الأتمتة على فرص العمل لن يكون ببساطة عن طريق ماهو ممكن من الناحية الفنية، وما يمكن للتكنولوجيا أن تقدّمه بل باعتبارات تتطلب التدرج في الانتقال من العمالة البشرية المطلقة الى الأتمتة المطلقة، أي لا بد من مرحلة انتقالية تجمع العمالة البشرية مع الاتمتة معا في البداية”.
وأضاف “دراستنا أوضحت أنّ هناك مبالغات في نسبة هيمنة الروبوتات على فرص عمل البشر، كما أنّ المدة ستكون أطول بكثير مما يتوقعه البعض بعشرات السنين، والأتمتة الكاملة لن تسرق أكثر من 5 بالمئة من فرص العمل حتى عام 2055″.
وتدعو دارسة مؤسسة ماكينزي إلى المحافظة على وظائف البشر جنبا إلى جنب مع الروبوتات لبعض الوقت من أجل جني الفوائد الاقتصادية من التشغيل الآلي.
وتشير الدراسة إلى أن كفاءة الروبوتات قد تعزّز الإنتاجية العالمية بنسبة تصل إلى نحو 0.8 بالمئة، ولكن فقط إذا استمر البشر في العمل بجانب الروبوتات.
ويعتقد الباحث في الشؤون التكنولوجية والأتمتة جيمي كوندليف أن هذه الدراسة تتحدث عن الانتقال التدريجي للروبوتات حتى تحلّ مكان البشر، ولكنها لا تقدّم أيّ فكرة عن كيف سيجد البشر فرص عمل جديدة للقيام بها عندما يأتي الوقت ويطلب منهم ترك وظائفهم الحالية”.
وخلص الخبير إلى أنه في نهاية المطاف هناك مشكلة حقيقة في إيجاد فرص عمل لهؤلاء، ولكن الفرق أن هذه الدراسة تقول إن هناك المزيد من الوقت حتى بلوغ تلك المرحلة.
وقال “دعونا لا نقلق الآن، ولكن علينا أن نتذكر أننا في نهاية المطاف سنواجه مشكلة تتطلب البحث عن حل لها”.
ولا يعتبر التحوّل من الإنسان إلى الآلة مجرد خطوة تجارية تقوم بها الشركات بشكل فردي، بل يراه خبراء تحوّلا أساسيا في طريقة العمل في المستقبل.
العرب اللندنية