صارت الانفجارات والهجمات الإرهابية رويدًا رويدًا شيئًا اعتياديًا، الأمر الذي جعلها تتراجع عن تصدر العناوين الرئيسية في التقارير الإخبارية سواء على المستوى المحلي أو الدولي ولبعض الوقت في العراق. حدوث مثل هذا النوع من العنف المتمثل في مهاجمة السنة للشيعة أو العكس هو أمر يصعب استيعابه، إننى أستقبل مثل هذه الأمور بشيء من الانزعاج والأسى.
على الرغم من الوضع السوري المتأزم واستمرار الحرب الأهلية الطاحنة، فالعراق ـ على أقل تقدير ـ يعاني الوضع نفسه، إن لم يكن أسوأ. لم تهدأ وتيرة العنف في العراق منذ غزو أمريكا لها عام 2003 وهو ما نتج عنه فقدان مئات الآلاف من العراقيين لحياتهم، وتشريد ما يقارب مليون ونصف المليون عراقي.
كان المبرر وراء الغزو مقترنًا بذلك الافتراض الزائف بأن العالم يواجه تهديدًا خطيرًا نتيجة امتلاك العراق مخزونًا كبيرًا من أسلحة الدمار الشامل، وهو الأمر الذي ثبُت زيفه وبطلانه فيما بعد. المدهش في الأمر هو اعتذار عدد لا بأس به من قادة العالم عن المعلومات الاستخباراتية الخاطئة، وقد عبّر توني بلير عن هذا الأمر من خلال بعض التصريحات التي أدلى بها أثناء المقابلة التي أجرتها معه قناة «سي إن إن» والتي قال فيها « أقدم اعتذاري لأن المعلومات الاستخباراتية التي تلقيناها كانت في واقع الأمر خاطئة، وأعتذر أيضًا بسبب بعض الأخطاء التي ارتكبناها أثناء التخطيط لتلك المسألة، وأعتذر بكل تأكيد عن عدم إدراكنا الصحيح لحقيقة ما قد يحدث في أعقاب التخلص من النظام الحاكم». ومع ذلك، فإن ما حدث قد حدث، وقد وقع الضرر بالفعل على بلد إسلامي آخر وهو الأمر الذي صاحبه تعرض شعب مسلم للمعاناة الشديدة. وخلال السنوات التي أعقبت الغزو، أصبحت الحوادث الناجمة عن تفخيخ السيارات، والانتحاريين، وتفجير الأسواق شيئًا روتينيًا. اتسعت الهوة بين السنة والشيعة، وقد شرع كلا الطرفين في ارتكاب المزيد من العنف – الذي لم ينته حتى يومنا هذا – ضد بعضهم البعض.
من ناحية أخرى، كان على المسلمين تحمل الضغط النفسي الشديد خلال سنوات الغزو. أذل المسؤولون ـ والمقصود هنا أفراد قوات الاحتلال ـ مسلمي العراق عن طريق معاملتهم بشكل سيئ، وذبحهم، وعدم احترامهم للعديد من السنوات.
تعاملت قوات الاحتلال مع مسلمي العراق بطريقة تسودها الوحشية والقسوة. وبالتالي، فقد الكثير من المسلمين المنطق والعقل وتحولوا إلى آلات قتل. وقد ساهم الفهم الخاطئ للإسلام ـ البعيد كل البعد عن تعاليم القرآن الكريم ـ في تفاقم الوضع.
لم تستطع البلاد التخلص حتى الآن من تلك الحالة الفوضوية والكارثية التي أعقبت الغزو. ما شاهدناه بعد ذلك هو مجرد رد فعل على ما تعرض له المسلمون من إهانة وإذلال.
عوُمل المسلمون بطريقة سيئة للغاية، وتعرضوا لكافة أنواع التعذيب القاسية، أغلب القراء سيتذكرون تلك اللقطة المروعة للجندية ليندي إنغلاند وهي تجر سجينًا عراقيًا من رقبته، للأسف الشديد، فإن ذلك المقطع هو دليل صغير على الكم الهائل لأعمال التعذيب الحقيقية التي حدثت هناك.
صرحت الكولونيل جانيس كاربينسكي ـ الرئيسة السابقة لسجن أبو غريب – بأن السجن كان يُدار بواسطة الاستخبارات العسكرية، وأن جميع الانتهاكات التي تعرض لها السجناء العراقيون حدثت بما يتوافق مع سياسة الإدارة الأمريكية، وأن عناصر من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية قد شاركوا في عمليات الاستجواب.
مثل هذا النوع من الأعمال القاسية والوحشية لا يؤثر فقط على الضحايا، وإنما يؤثر أيضًا على الذين يقومون بتنفيذها. وفي سياق متصل، ينبغي علينا أن نأخذ في عين الاعتبار التصريحات التي أدلى بها أحد المحققين ويُدعى إريك فير في عام 2004 والتي جاء فيها « أنا لست ذلك الشخص الذي قد تفخرون به، لقد كنت أحد المحققين في سجن أبو غريب، لقد عذبت الكثيرين».
مطاردًا بواسطة ذكرياته الأليمة، يذكر فير بعضًا من أساليب التعذيب التي استُخدمت في ذلك السجن سيئ السمعة قائلًا «تفاجأ الكثيرون بعد إصدار مجلس الشيوخ تقريره فيما يتعلق بمسألة التعذيب وذلك لما تضمنه من أساليب مروعة ومهينة كالاستخدام المفرط لتقنيات الإغراق الوهمي، والحرمان من النوم لمدة أسبوع متصل، بالطبع لم أكن متفاجئًا بهذا، أؤكد لكم أن هذا ليس كل شيء، فلا زال هناك الكثير من الخفايا والخبايا فيما يتعلق بهذا الأمر، لم يقرأ الكثير من الأمريكيين ذلك التقرير وأغلبيتهم لن تفعل، لكنه بمثابة التذكار الدائم الذي سيذكرنا بتلك الدولة التي كنا فيها يومًا ما».
واجهت الآلاف من الصور المُرتبطة بالتعذيب في أبو غريب عبر حسابات عديدة لشباب مسلمين على موقع فيسبوك، إما تعرض آبائهم أو أمهاتهم للتعذيب أو زوجاتهم أو أخواتهم إلى الاغتصاب. إن البؤس يكمن في كل مكان في العالم الإسلامي وهذا الألم جعل بعض الشباب المسلمين عدوانيًا بحيث أصبح الكثير منهم متطرفًا ولجأ البعض لتجنيد آخرين للانضمام لجماعات متطرفة للانتقام. وعلاوةً على ذلك، فإنه خلال ولاية نوري المالكي ارتفعت معدلات العنف الطائفي للذروة واعتقد الكثير من المحللين أن صعود تنظيم الدولة الإسلامية كان أحد تداعيات الغزو الأمريكي ونتيجة لذلك أصبح الشرق الأوسط على صفيح ساخن.
ومع ذلك، فإن المسؤولية تحتم على المسلمين عدم الوقوع في هذا الفخ وأن يكونوا متسامحين كما أمر الله، أن يمضوا قدمًا في تكوين ائتلاف سلمي لحماية العالم الإسلامي بأكمله، هذا الائتلاف سيكون رادعًا وبقية الدول حينها ستفكر مرتين حول إلحاق الأذى بمسلم واحد، كما أنه سيضع حدًا للتطرف ويمهد الطريق للسلام العالمي.
هارون يحيى
صحيفة القدس العربي