واشنطن – طغت لغة العموميات على الخطابين الرسميين العراقي والأميركي اللذين أعقبا أوّل لقاء جمع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وقال ترامب إنّ بلاده ملتزمة بشراكة شاملة مع العراق تقوم على الاحترام المتبادل في ضوء اتفاقية الإطار الاستراتيجي العراقية الأميركية، فيما أكّد العبادي تلقيه تعهّدا من القيادة الأميركية بمواصلة مساعدتها للعراق في حربه الدائرة ضدّ تنظيم داعش.
واعتبر مراقبون أنّ مثل هذا الخطاب أبعد ما يكون عن استعياب تعقيدات العلاقة بين إدارة أميركية يقودها رئيس ينتهج سياسة “هجومية” تجاه مختلف الدول، بما في ذلك الحلفاء التقليديون لبلاده من داخل حلف الناتو، ويدلي بمطالب مباشرة بعضها صعب التحقيق، وحكومة عراقية مقيّدة داخليا بتركيبتها الطائفية، وإقليميا بعلاقة مع إيران تتجاوز مجرّد التحالف إلى التبعية.
وحسب هؤلاء فإنّ الإشكال يكمن في أنّ رئيس الوزراء العراقي سيكون دون شكّ محاصرا بمطلب أميركي صريح بأنّ يحدّ من النفوذ الإيراني في بلاده، وهو ما لا يقدر على تلبيته في ظلّ وجود شركاء له في الحكم من قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية النافذين والذين يعتبرون حرّاسا أشدّاء لمصالح إيران في العراق.
وفي المقابل لا يستطيع العبادي الاستغناء عن العلاقة العضوية مع واشنطن التي تعتبر المؤسسة الفعلية للنظام القائم في العراق بعد أن أسقطت بقوّة السلاح نظام الرئيس العراقي السابق صدّام حسين.
وخلال المرحلة الحالية يحتاج العراق المزيد من الدعم الأميركي لاستكمال الحرب على تنظيم داعش والتي بلغت منعطف الحسم في معركة الموصل التي تشارك فيها الولايات المتّحدة بغطاء جوّي كبير للقوات العراقية وبخبراء على الأرض يشاركون في تخطيط المعارك وتوجيهها.
كما سيكون البلد بأمس الحاجة إلى الدعم المالي الأميركي لإعادة إعمار المناطق المدمّرة في الحرب ولتنشيط الاقتصاد المنهك بفعل تهاوي أسعار النفط وكثرة النفقات بما في ذلك النفقات العسكرية.
وبهذه الكيفية سيكون العبادي أمام معادلة صعبة في محاولته الحفاظ على التوازن في علاقة العراق مع كلّ من طهران وواشنطن والذي قبلت به إدارات أميركية سابقة على مضض، وليس مؤكّدا أن تقبل به إدارة ترامب الحالية التي لا تبدو ميالة للقبول بأنصاف الحلول.
وشبّه محلّل سياسي عراقي العبادي خلال زيارته الحالية لواشنطن بمن يحاول السير على حبل التوازن بين طهران والولايات المتحدة، قائلا إنّ الزيارة التي يروّج لها باعتبارها بداية وفاق كبير بين واشنطن وبغداد، ما هي إلاّ بداية محاولة من النظام القائم في العراق إدارة العلاقة الصعبة مع إدارة ترامب.
وتسلّح الطرفان الأميركي والعراقي بقدر كبير من الدبلوماسية في توصيفهما للعلاقات بين البلدين على نحو مبالغ في الإيجابية والتفاؤل.
وقال ترامب بعد الاجتماع الذي عقده مع العبادي في البيت الأبيض إن العملية العسكرية ضد تنظيم داعش في الموصل “تحقق تقدما”، مشددا على أن هدفه الرئيسي التخلص من التنظيم.
غير أنّ ترامب لم يستطع إخفاء الهدف من وراء الانخراط المتزايد لبلاده في قتال داعش والمتمثّل في تأمين عودة تدريجية مدروسة للجيش الأميركي إلى العراق حين أجاب على سؤال بشأن انسحاب القوات بعد الحرب بالقول “ما كان يجب أن نغادر مطلقا”.
وسيكون الحضور العسكري الأميركي في العراق من المواضيع الإشكالية التي سيتعّين على رئيس الوزراء حيدر العبادي معالجتها من شركائه الداخليين الرافضين لذلك الحضور الذي يرون فيه استهدافا مباشرا لإيران.
وفي إشارة صريحة إلى حضور الملف الإيراني على جدول مباحثات العبادي وترامب قال الأخير “إن إيران كانت إحدى القضايا التي بحثها فريقه والوفد العراقي”، دون الكثير من التفاصيل.
ولجأ العبادي إلى خطاب فضفاض لتوصيف نتائج مباحثاته مع ترامب قائلا إنه تلقى تعهّدا من الرئيس الأميركي وفريق إدارته بزيادة الدعم في الحملة على تنظيم داعش، قائلا “حصلنا على تأكيدات بأن الدعم الأميركي لن يتواصل فحسب، بل سيتسارع باطراد حتى ينجز العراق مهمته في دحر التنظيم المتطرف”.
ولم يتأخّر حلفاء إيران في العراق بالتشكيك في النوايا الأميركية وفي صدقية وعود واشنطن للعبادي، حيث قلّل رئيس كتلة بدر النيابية محمد ناجي، الثلاثاء، من أهمية الوعود الأميركية بدعم العراق في حربه ضد داعش وإعادة إعمار المناطق المدمّرة.
واعتبر القيادي بالكتلة التي يتزّعمها هادي العامري أحد صقور الموالاة لإيران بالعراق، في تصريح صحافي أنّ الولايات المتحدة طيلة السنوات الماضية لم تلتزم بوعودها واتفاقياتها التي أبرمتها مع العراق، قائلا “الإدارة الأميركية لو دعمت العراق بشكل حقيقي لقضينا على داعش منذ فترة طويلة”.
أمّا جاسم البياتي النائب عن ائتلاف دولة القانون الذي يقوده رئيس الوزراء السابق نوري المالكي فقد ذهب إلى اتهام دول إقليمية بمحاولة “تشويش أفكار إدارة ترامب بشأن العراق”، علما أنّ المالكي الذي ينتمي مع العبادي إلى حزب الدعوة الإسلامية من أكثر المتوجّسين من نجاح سلفه في ربط علاقات جيدة مع قوى إقليمية ودولية مخافة أن تكون سندا له في الحصول على ولاية جديدة على رأس الحكومة التي ما يزال المالكي يطمح لقيادتها مجدّدا.
العرب اللندنية