باريس – على الرغم من ارتفاع حظوظ مرشح الوسط إيمانويل ماكرون في استطلاعات الرأي، لا سيما عقب المناظرة التلفزيونية التي جمعت مساء الاثنين أبرز المرشحين للرئاسة الفرنسية، فإن مرشحة اليمين المتطرّف زعيمة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبن مازالت في صدارة هذه الاستطلاعات، على نحو يجعل من مآلات هذه الانتخابات ضبابية لا تبتعد عن مفاجآت البريكست البريطاني وانتخاب دونالد ترامب في الولايات المتحدة.
ويعتبر الدارسون لليمين المتطرف الفرنسي أن لوبن استطاعت تحديث النسخة التي يعمل بها حزبها عن تلك التقليدية المتطرفة التي وسمت صورة الحزب في عهد والدها المؤسس جان ماري لوبن. ففيما التصق خطاب لوبن الوالد بعقائد اليمين المتطرف غير البعيد عن النازية والفاشية، فإن لوبن الابنة تخلّصت من والدها داخل صفوف الحزب كما من إرثه العقائدي، وعملت على إبعاد شبهة التطرف عن الحزب وتطعيم قياداته بشخصيات يأتي بعضها من صفوف اليسار.
ويلاحظ الباحثون أن جمهور حزب الجبهة الوطنية الحالي يختلف عن جمهور الحزب سابقا، من حيث أن الشرائح الداعمة لمارين لوبن هي شبابية تنتمي إلى مختلف الشرائح الاجتماعية، فيما يأتي بعضها من الكتل العمالية التي كانت في السابق حكرا على اليسار ونقاباته.
ويرى هؤلاء أن قلق الأحزاب السياسية الفرنسية يأتي من كون لوبن هي الوحيدة القادرة على اختراق الكتل الناخبة المنافسة مستفيدة من كون حزبها هو الوحيد من بين الأحزاب الوازنة والذي لم يشارك في السلطة، ومستفيدة كذلك من التقلبات الدولية اللافتة التي أنتجت مفاجأتي البريكست وترامب.
وحسب استطلاع للرأي أجراه مؤخرا عهد “إيفوب” فإن حزب لوبن هو الأكثر شعبية في فرنسا لدى الأشخاص الذين ينتمون إلى الفئة العمرية 18 – 24 عاما، حيث تحتل هذه الفئة نسبة 39 بالمئة من الأصوات مقارنة بـ21 في المئة لمرشح الوسط إيمانويل ماكرون و9 في المئة للمنافس من يمين الوسط، فرنسوا فيون.
ويجمع الاقتصاديون على أن تفاقم نسب البطالة في فرنسا رفعت من مستوى القلق لدى الشباب الذين يعتبرون أن النظام السياسي الحالي عاجز عن اجتراح الحلول التقليدية وأن الأمر يحتاج إلى معالجة جذرية تدعي لوبن بأنها الأفضل للقيام بذلك.
ففي ظل حكومة فرنسوا هولاند الاشتراكية بقي معدل البطالة مرتفعا، ضعف المستوى في المملكة المتحدة وألمانيا. بطالة الشباب تبلغ 25 في المئة، مقارنة بـ18 في المئة عام 2008.
ويتفق المتابعون لمسار الانتخابات الرئاسية المقبلة “23 أبريل و7 مايو” أن من كان يصوت في الماضي لصالح حزب الجبهة الوطنية كان يفعل ذلك بشكل سري ويخجل من الإقرار به، إلا أن الأمر اختلف هذه الأيام وأصبح ناشطو الحزب كما الناخبون يجاهرون بتأييدهم ويتحركون علنا في الشوارع لتنشيط حملة لوبن الانتخابية مستخدمين أحدث وسائل الترويج والتواصل والدعاية المتوفرة.
وترى أوساط سياسية فرنسية مراقبة أن لوبن، شأنها في ذلك شأن اليمين المتطرف الأوروبي، تتسق في حججها مع تلك التي أدت إلى التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وإلى انتخاب ترامب في الولايات المتحدة لجهة التركيز على استقلال فرنسا وخروجها من “أوروبا” ووضع حد لسياسات الهجرة والتركيز على مقولة “فرنسا أولا”.
وتعتبر لوبن أنها البديل المنطقي للنظام السياسي الذي حكم “الجمهورية الخامسة” منذ عام 1958 والذي فشل، برأيها، في حل مسائل الهوية والاقتصاد والهجرة.
ويسلّم الباحثون بأن خطاب لوبن ضد الهجرة الإسلامية لم يعد حكرا على حزب الجبهة الوطنية وأن ترديد كافة المرشحين لهاجس القلق من الإسلام المتطرّف المتناسل أحيانا من أشكال معتدلة جعل من خطاب لوبن شرعيا لا بل سابقا على الآخرين الذين التحقوا حديثا بحجج كان حزب لوبن يثيرها قبل عقود.
العرب اللندنية