واشنطن – لم ينجح الانفتاح الذي أبدته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه السعودية، وتلويحها بإحياء التحالف مع الرياض لمواجهة التمدد الإيراني، في إسكات مواقف دوائر ضغط معادية للملكة بادرت إلى استثمار قانون جاستا لعرقلة تطبيع العلاقات السعودية الأميركية وتجاوزها لمرحلة التوتر في فترة الرئيس السابق باراك أوباما.
ويأتي هذا فيما اعتبرت مراجع خليجية أن غياب مبادرة من إدارة ترامب لتعديل القانون أو منع العمل به، يهددان بعودة العلاقات بين واشنطن والرياض إلى حالة البرود التي كانت في عهد أوباما، وأنهما قد يدفعان المملكة إلى الاستمرار في خيار تنويع الحلفاء وسحب وعودها باستثمار أكثر من 200 مليار دولار في الولايات المتحدة.
وأقام المئات من أقارب أشخاص قُتلوا في هجمات 11 سبتمبر 2001 دعوى قضائية في المحاكم الأميركية في محاولة للاستفادة من قانون جاستا الذي أقره الكونغرس في سبتمبر 2016 لمقاضاة دول مثل السعودية.
وتعد الدعوى القضائية التي أقيمت الاثنين أمام المحكمة الاتحادية في مانهاتن أحدث محاولة لتحميل السعودية مسؤولية تلك الهجمات التي شنتها القاعدة وأسفرت عن سقوط نحو ثلاثة آلاف قتيل في نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا.
وسبق أن رفضت محاكم أميركية دعاوى قضائية ضد السعودية في الموضوع نفسه في أعوام 2006 و2008 و2015. وجاء في حيثيات الرفض أنه لا وجود لأيّ أدلة موضوعية على الاتهامات الموجَّهة ضدّ السعودية.
وفي 2015 رفض قاضي المحكمة الجزائية الأميركية جورج دانييلز دعاوى ضد السعودية من عائلات ضحايا 11 سبتمبر، قائلا إنه ليست له سلطة قضائية على دولة ذات سيادة.
وقالت مراجع خليجية إن تعمد تحريك هذه القضايا في هذا الوقت هدفه التشويش على نتائج الزيارة التي قام بها ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن ولقائه الرئيس ترامب، ووزير الدفاع جيمس ماتيس، وشخصيات أميركية أخرى بارزة.
السعودية تحتاج إلى تطوير استراتيجية اتصالية للتعاطي مع واقع أميركي يربط بينها وبين الفكر المتشدد
وأضافت المراجع أن دوائر ضغط سياسية وإعلامية لديها ارتباطات خارجية قد تكون وراء هذا التحرك المفاجئ باتجاه القضاء لمنع تنفيذ النتائج التي أفضت لها زيارة المسؤول السعودي البارز إلى واشنطن، وبينها استثمارات كبرى قد تجعل من السعودية رقما مستقبليا مهمّا يقرأ لها الحساب في وضع السياسات الأميركية.
وأعلن البيت الأبيض عقب الزيارة أن ترامب توصل في لقائه مع الأمير محمد بن سلمان إلى تطوير برنامج أميركي سعودي جديد يركز على الطاقة والصناعة والبنية التحتية والتكنولوجيا وينطوي على استثمارات قد تتجاوز قيمتها 200 مليار دولار في السنوات الأربع المقبلة.
ولا يستبعد مراقبون أن تكون وراء تحريك هذا الملف دوائر ضغط مقرّبة من إيران كانت استفادت من تقارب أوباما مع طهران لتقترب من مواقع النفوذ، وأن هدفها من ذلك إرباك ترامب بقضايا قانونية وإجرائية بدل الاستمرار في تقوية التحالف مع الرياض لوضع حد لمساع إيرانية لإرباك الأمن الإقليمي.
وأشارت المراجع الخليجية إلى أن السعوديين يراهنون على أن تتحرك إدارة ترامب لحماية تحالفها مع الرياض من باب الحفاظ على المصالح الأميركية أولا، وضمان ألا تستمر السعودية في الخيار الذي ردت به على التقارب السابق للإدارة مع إيران، وهو خيار تنويع الحلفاء وعدم اقتصار الاستثمارات السعودية الكبرى على الولايات المتحدة.
ولم يخف ولي ولي العهد السعودي رغبته في أن تتحرك إدارة ترامب لإبطال مفعول “جاستا” حين قال إن لديه ثقة في قدرة المسؤولين والمشرعين الأميركيين على التوصل إلى حل عقلاني حول هذا القانون.
ويعتقد المراقبون أن إدارة ترامب تتابع بدقة الزيارة المطوّلة للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى دول شرق آسيا، وخاصة إلى الصين واليابان، وما تحمل من إشارات قوية عن أن المملكة لم يعد في واردها أن تضع بيضها في سلة واحدة.
وترى المراجع أن الرياض، التي بدأت ببناء علاقة متوازنة مع واشنطن، تحتاج إلى تطوير استراتيجية اتصالية للتعاطي مع واقع أميركي يقيم علاقة بينها وبين التنظيمات الإرهابية، لافتة إلى أن الأمر لا يتوقف عند التبرؤ من العلاقة بالمتشددين، وأنه يحتاج إلى مقاربة طويلة المدى لتبديد الغموض حول مواقفها وثقافتها الدينية.
وكان الأمير محمد بن سلمان سعى إلى التأكيد على أن مواجهة المملكة للإرهاب هي الأطول والأعنف منذ تأسيسها، معبرا عن دهشته من “سوء الفهم العميق” لدى الأميركيين تجاه الربط بين “الوهابية” والإرهاب.
وجاء ذلك في مقابلة أجراها ولي ولي العهد السعودي مع صحيفة “فورين آفيرز” الأميركية، حيث قال “إن التشدد لا علاقة له بالوهابية، فإذا كانت الوهابية نشأت منذ ثلاثة قرون فلماذا لم يظهر الإرهاب إلا مؤخرا؟”.
ولا يتوقع المراقبون أن تنتهي لعبة ابتزاز السعودية عبر بوابة “جاستا” أو غيره ما لم تضع المملكة استراتيجية خاصة لمواجهة فوبيا معادية لها تقطع فيها مع الأسلوب التقليدي الذي يترفّع عن الرد والتوضيح ويترك الساحة خالية للخصوم.
العرب اللندنية