لتوتر حول الموضوع الايراني في ذروته. ومن بين اسباب ذلك – اتفاق الاطار بين الولايات المتحدة وايران الآخذ في الاكتمال كما يبدو، خطاب رئيس حكومة اسرائيل في الكونغرس في بداية الاسبوع القادم حيث سيخطب ضد الاتفاق خلافا لرغبة الرئيس الامريكي.
لماذا الموضوع الايراني هام بهذا القدر؟ لماذا رئيس حكومة اسرائيل الذي يعرف جيدا علاقات اسرائيل بالولايات المتحدة مستعد للدخول في مواجهة مباشرة مع الرئيس الامريكي، بالذات حول الموضوع الايراني، لماذا يقف التهديد الايراني على رأس اهتمامات دولة اسرائيل. الاجابة على هذه الاسئلة مركبة.
السؤال الاول الذي يجب أن يُسأل هو هل النظام الايراني نوى أو ينوي الحصول على السلاح النووي؟ هذا السؤال طرح منذ فترة وله اجابة قاطعة لدى كل من اشتغل ويشتغل في هذا الموضوع وكان مطلعا على المعلومات التي جمعتها اجهزة الاستخبارات في العالم. تقريبا كل اجهزة الاستخبارات في العالم تفسر الجهود غير المنقطعة للايرانيين بنفس الطريقة: ينوون الحصول في نهاية المطاف على السلاح النووي. اضافة الى ذلك فقد قاموا بخطوات عملية في هذا الاتجاه. قبل 12 سنة توقفوا عن العمليات التي تدينهم، عندما شعروا بتهديد فوري من الولايات المتحدة القريب منهم بعد احتلال العراق.
جهودهم لبناء مفاعل للبلوتونيوم وتخصيب اليورانيوم بالكميات وبالمستويات التي يقومون بها، تشير فقط الى اتجاه واحد – السلاح النووي. ليس هناك سبيل آخر لتفسير الجهود التي استثمروها طوال هذه السنوات.
اذا بقي هناك خلافات في الرأي فهي تتعلق بالتوقيت. هناك من يزعمون أنه ازاء الضغوط الدولية والثمن الذي تدفعه ايران فان الايرانيين مستعدون لتأجيل جهودهم وهم حذرون من الاشتغال حاليا في مجال التسلح. لهذا هناك زمن أكبر مما كان متوقعا – الى أن يصبح لديهم سلاح كهذا.
هناك اوساط تثق بالنوايا الايرانية وتزعم أن الايرانيين سيعودون في المستقبل غير المعروف الى الطريق الذي ساروا فيه في الماضي من اجل الحصول على القدرة النووية العسكرية، أي القنبلة التي تركب على وسيلة اطلاق.
15 سنة كطرفة عين
يقول المعارضون لهذا الزعم القائل إن وجهة الايرانيين نحو السلاح النووي، ولا سيما في اوساط الكُتاب والمتحدثين في وسائل الاعلام في البلاد وفي العالم، إنه في الماضي قبل 15 – 20 سنة قلتم إنه سيكون لديهم سلاح خلال عشر سنوات، وها قد مرت عشرون سنة والسلاح غير موجود. ربما كما اخطأتم حينها تخطئون ايضا اليوم؟ من يسألون يتجاهلون الجهود الدولية للتشويش على تقدم الايرانيين. منذ اللحظة التي فهم فيها العالم أن ايران جدية في نواياها للحصول على السلاح النووي، فقد انتظم مع التدخل الاسرائيلي لمنع ايران من سيرها الحثيث نحو القنبلة، وكانت هناك نجاحات ليست قليلة. هذه الجهود فقط هي التي عملت على تأجيل الجدول الزمني الايراني حتى الآن، رغم الرغبة الايرانية، وليس بسبب غيابها.
لكن الداعمين للاتفاق يقولون إن ايران كانت دولة على حافة الذرة. الاتفاق فقط يُبعدها عن هذه الحافة ولا يعمل على تغيير وضعها الى الافضل. ما السيء في ذلك؟ مع الاحترام لمن يسألون، فان الحديث عن سذاجة. هناك فرق كبير بين دولة على حافة الذرة موجودة في مواجهة مع كل العالم الذي يحاول منعها من أن تكون كذلك، وبين دولة كهذه مع شرعية كاملة لمكانتها في العالم، حيث أن هذه الشرعية تمنع استخدام كل طرق النضال التي تم اتباعها ضدها حتى الآن.
اضافة الى ذلك، الايرانيون يحصلون من الدول العظمى على المصادقة على كل الخروقات التي قاموا بها بعد حدوثها – بناء جهاز تخصيب ضخم، المصادقة على الاحتفاظ بجزء كبير جدا مما بنوه في طريقهم الى القنبلة والموافقة المسبقة على العودة الى استخدام هذه القدرة بدون قيود، مع انتهاء فترة سريان الاتفاق.
ومع ذلك، يزعم اولئك الذين ينتقدون معارضة اسرائيل للاتفاق أن الاتفاق سيحقق تأجيل آخر في تقدم ايران نحو الذرة. هذا زعم صحيح تقريبا. ففي أحسن الاحوال اذا لم تجد ايران الفرصة المناسبة للخرق، واذا حافظ الايرانيون على شروط الاتفاق طوال الوقت، فسيؤجل المشروع النووي العسكري الايراني. لكن وفقا لاسلوبهم وللاتفاق، ففي أحسن الاحوال الحديث يدور عن تأجيل محدود جدا سينتهي مع انهاء الاتفاق بعد 15 سنة. خلال هذه السنوات فان هذه الصفقة ستمنح الشرعية للايرانيين للاستمرار في كل الاستعدادات في المجالات الغير مذكورة في الاتفاق (انتاج صواريخ بعيدة المدى وأكثر دقة)، وهكذا سيصلون وهم مستعدون بصورة افضل لتطوير البرنامج النووي العسكري بعد الاتفاق. بالنسبة للقادة فان 15 سنة هي فترة طويلة، لكن في حياة الشعوب هذه فترة تمر كطرفة عين. محظور الموافقة على أنه من اجل الكسب الهامشي للوقت أن تحصل ايران على الشرعية لاستعدادها للوصول الى السلاح النووي، والخروقات التي قامت بها. هذا ثمن باهظ جدا.
يجب التأكيد على أنه ليس هناك احتمال أن يعود الضغط على ايران – الذي يشمل العقوبات الاقتصادية – اذا عادت الى ما كانت عليه بعد الاتفاق. لهذا فان احتمالات ايران للقيام بذلك كبيرة.
السؤال الثاني هو: على فرض أن اولئك الذين يعتقدون أن ايران تسعى الى الذرة، على حق، فما الخطر في ذلك. الايرانيون يعرفون أنهم اذا استخدموا الذرة – فان اسرائيل ستدمرهم، حيث أن الجميع “متأكدون” أن لدى اسرائيل القدرة على تدمير ايران، وأن زعماءها عقلانيون ولن يعرضوا وجودها للخطر. لقد كان في الحرب الباردة عند الطرفين سلاحا نوويا ولم يقوما باستخدامه. الردع المتبادل قام بدوره بين موسكو وواشنطن. اذا لماذا لا يقوم بدوره بين طهران والقدس؟.
جدير بالذكر أن زعماء ايران يصرحون بأنه يتوجب تدمير اسرائيل. منهم من قال ذلك بصورة فظة وواضحة، ومنهم من يستخدمون العبارات الملتوية التي يمكن تفسيرها أمام العالم. يقولون ذلك ليس بطريقة علنية بل في الغرف المغلقة. هناك من يدعون أن هذه اقوال من طرف اللسان وموجهة للخارج. يبدو ان هذا تقدير متفائل جدا ولا يستند الى أي أساس، ويتجاهل التاريخ واعمال الايرانيين. كان هناك في الماضي من قالوا إن في نيتهم تدمير اليهود – وقد نفذوا ذلك رغم الاعتقاد السائد بأن هذه مجرد اقوال، لكن باستثناء ذلك واضح أن الايرانيين أنفسهم يعملون وفقا لمخطط منظم.
مثلا في بداية طريقهم، عندما عرضت عليهم الصواريخ الاولى طلبوا أن تكون في مدى 1300 كم. أما الصواريخ بمدى 1000 كم فلا تكفيهم. إن فحصا سريعا يظهر أن تلك الـ 300 كم اعطتهم شيئا واحدا – تغطية كاملة لدولة اسرائيل. وهنا يكمن الاختلاف الاساسي بين الحرب الباردة وبين الوضع الذي سينشأ من اللحظة التي يكون فيها لدى الايرانيين السلاح النووي.
زعيم ايراني أحسن التعبير عن ذلك بقوله: “اسرائيل دولة ذات قنبلة واحدة”. نظرا لأن اسرائيل صغيرة جدا وسكانها مركزون جدا، من الواضح الى ماذا استند ادعاءه. في المقابل ايران هي دولة كبيرة وسكانها منتشرون. لن يكون من المبالغ فيه القول إنه سيكون خطأ اساسيا تعليق وجود اسرائيل بحكمة رجال الدين الشيعة الذين يعيشون في تلك الدولة الضخمة، الذين يعتقدون أنه بثمن معين يمكن التخلص من اسرائيل الصغيرة. ليس هناك شخص عاقل في اسرائيل لا يمكنه الاعتماد على الاقوال المهدئة التي تستند الى افتراض ان متخذي القرارات في ايران “منطقيين”. حيث انه اكثر من مرة لم نفهم منطقهم واخطأنا فيما يتعلق بهم. إن سحب عبر الحرب الباردة على العلاقة بين اسرائيل وايران أمر اشكالي جدا.
لكن الحقيقة هي انه حتى بدون استخدام السلاح النووي ضد اسرائيل، فان ايران النووية ستحول الشرق الاوسط الى مكان اكثر خطرا على صعيدين على الاقل. الاول هو اهمية “المظلة النووية” لايران على تصرف المنظمات الارهابية والدول المعادية. لن تستطيع الرد أو منعها من العمل ايضا عندما تشعر بالخطر. دائما ستمثل لدى متخذي القرارات مسألة التدخل الايراني، واحتمال الوصول الى مواجهة مع دولة نووية. تحت هذه “المظلة” تستطيع تلك التنظيمات ان تتقوى في المجال التقليدي بصورة اكثر خطرا بكثير، وان تعمل ضد اسرائيل من حول حدودها وفي ارجاء العالم. لقد نفذ الايرانيون وحلفائهم عشرات اعمال الارهاب العالمية في السنوات الاخيرة، وهذه المظلة ستمكنهم من ان يعملوا بصورة اكثر جرأة لانه من سيجرؤ على المس بممثلي دولة عظمى نووية أو على حلفائها؟.
الصعيد الثاني الاكثر اتساعا، من الواضح ان ايران ستتحول الى الدولة العظمى الاقليمية القائدة. وسواء صدقت الاشاعات ان التوجه الامريكي هو نحو بناء العلاقات مع ايران الى درجة اقامة حلف اقليمي معها، أو لم تصدق، فان ايران ستكون ذات تاثير حاسم في المنطقة. مكانتها ستتعزز جدا بعد ان نجحت في جعل الولايات المتحدة توافق على ان تكون دولة حافة نووية، وسيكون لهذا التاثير اهمية كبيرة في مستقبل الشرق الاوسط، نظرا لان ايران هي الدولة الاولى من دول المنطقة التي تُحكم من قبل رجال الدين، وستعمل كل ما في وسعها من اجل تعميم رؤيتها.
كلما تقوت ايران، فان كل من يحلم بتقدم الشرق الاوسط باتجاه رؤيا شمولية اقل وديمقراطية اكثر – يستطيع ان ينسى ذلك. لكن ابعد من ذلك، فان الدول السنية المهمة في الشرق الاوسط ستدافع عن نفسها. هذه ستفقد الثقة بالولايات المتحدة التي استسلمت لبريق المفاوضات مع ايران، وستعمل من اجل الحصول على السلاح النووي لنفسها. هذه الدول مثل السعودية ومصر وتركيا وربما دول اخرى لن توافق على ان تكون عديمة القوة النووية، مثل تلك الموجودة في أيدي الدولة الشيعية القائدة.
ان شرق اوسط يكون فيه لاربع دول اسلامية سلاح نووي سيكون منطقة من الصعب جدا تهدئة الرياح فيها لمنع الكارثة. كما ان الخطر من تسرب سلاح كهذا الى ايدي اوساط ارهابية، سيزيد جدا وكذلك برؤية عالمية يجب ان ناخذ في الاعتبار ان شرق اوسط نووي من شأنه ان يضع كل حكم “ان.بي.تي” محل تساؤل، الذي اعتبر من قبل العالم كاتفاق منع انتشار السلاح النووي.
اتفاق جيد – من جهة ايران
بعد الاجابة على الاسئلة الاساسية بقي سؤالان آخران، الاول هو كيف وصلنا الى هذه الحالة؟ فالعقوبات الاقتصادية بقيادة الولايات المتحدة جلبت ايران الى المفاوضات وهي راكعة على ركبتها تقريبا؟.
يبدو ان مصدر فشل المفاوضات الذي يُذكر بالفشل الامريكي في المفاوضات مع كوريا الشمالية، يكمن في مفهومين ايرانيين تبلورا خلال المفاوضات وبعمل امريكي. الاول مفهوم انه رغم ان الرئيس الامريكي قال ان كل الخيارات موضوعة على الطاولة ورغم انه بنى خيارا عسكريا موثوقا، ليس للولايات المتحدة رغبة في استخدام هذا الخيار تقريبا بكل ثمن. في غياب العصا في غرفة المفاوضات فقد سقط عن الايرانيين ضغط كبير جدا. المفهوم الثاني مصدره في تصريح احد متحدثي البيت الذي قال ان الاتفاق مع ايران سيشكل النجاح الاكبر للرئيس في فترة ولايته، هذا التصريح وموافقة الدول العظمى على قبول الامور الاساسية في المطلب الايراني بخصوص استمرار وجود القدرة التخصيبية لها ادت الى ادراك ايران بأن الولايات المتحدة ترغب في الاتفاق اكثر من ايران نفسها. ان فهم الحاجة الامريكية (الاتفاق بكل ثمن) ساهم ايضا في صمود ايران بدون تنازلات. العمل الامريكي الذي ساعد جدا الايرانيين في المفاوضات كان وقف زيادة العقوبات التي صعبت بالتدريج حتى ذلك الوقت على ايران. ان وقفها في مكانها خفف الضغط الداخلي الكثير جدا في ايران، النتيجة هي اتفاق جيد بالنسبة لايران.
الاجابة على السؤال ماالذي يمكن عمله، صعبة جدا. في البداية يجب ان نوضح في كل محفل ممكن، رغم ان جزءا فقط من تفاصيل الاتفاق تم نشره، بصورة واضحة ان هذا اتفاق سيء حقا، الايرانيون لم يتنازلوا فيه عن أي قدرة لديهم، هم فقط يؤجلون اهدافهم في تجسيد تلك القدرات. على حكومة اسرائيل ان تعرض نقاط الضعف بكاملها من خلال شرح المخاطر النابعة منها على اسرائيل والشرق الاوسط والعالم، بروح من التعاون المقبول مع الامريكيين. يجب عدم تسريب أي شيء من المحادثات المغلقة معهم ولكن يجب عدم الخجل من مهاجمة الاتفاق على اساس المادة المعلنة التي تنشر صباح مساء وعلى اساس ما تعرفه اسرائيل من مصادرها.
في النهاية، على اسرائيل ان توضح ان الاتفاق وقع بدونها وانها غير ملزمة به وانها في المستقبل ستدير سياستها على ما هو متفق عليه أن “اتفاق سيء اسوأ من وضع بدون اتفاق”، كل الخيارات موضوعة على الطاولة، على اسرائيل ان تدافع عن نفسها بقوتها الذاتية.
بقلم: يعقوب عميدرور
راي اليوم