قمة التوافقات العربية والإجماع على إدانة إيران

قمة التوافقات العربية والإجماع على إدانة إيران

عمان – بدا اجتماع الزعماء العرب لافتا في مستواه العددي الذي يعتبر قياسيا بالمقارنة مع قمم سابقة وفي مستوى الانسجام النسبي الذي ساد أداء المجتمعين. وأجمع المراقبون على أن القمة الـ28 في البحر الميت في الأردن أسست لآليات تقارب بدا الجميع تواقا لإرسائها، وأن المشهد عكس حاجة لترميم النظام السياسي العربي الذي ينتقل من طور ما قبل مرحلة “الربيع العربي” إلى مرحلة أخرى لم يستقر تموضعها بعد.

ويعكس حرص القادة على إنجاح قمتهم تمسك العواصم العربية بالمؤسسة العربية الجامعة رغم الوهن الذي أصاب العمل العربي المشترك ورغم ركاكة الأداء الذي تسلكه جامعة الدول العربية في مقارباتها لملفات المنطقة.

وتجمع أوساط سياسية واكبت أعمال المؤتمر على أن الزعماء العرب نجحوا في الحفاظ على الحد المطلوب من التآلف المشهدي في ما بينهم، رغم وجود تباينات حقيقية بين الدول العربية حول بعض القضايا الرئيسية.

وإذا ما استثنينا خلو مقعد سوريا التي مازال النظام السياسي العربي يحمل نظامها مسؤولية الكارثة فيها، فإن موقف بغداد وبيروت بدا متوسلا لتوازن بين المزاج العربي وخصوصية علاقة العاصمتين بالنظام الإيراني.

ويرصد المتابعون لشؤون العلاقات العربية الإيرانية أن القمة العربية وجّهت رسالة واضحة لا لبس فيها ترفض تدخل إيران في شؤون البلدان العربية. ولاحظ هؤلاء أن الكلمات التي ألقاها الزعماء العرب كما نص مشروع البيان الختامي جسّدت موقفا جامعا يعبّر عن إجماع عربي حيال السياسة التي تنتهجها طهران في العالم العربي، بما يشكل رسالة عربية للعالم عموما، ولواشنطن وموسكو خصوصا، حول عناوين الموقف العربي حيال طهران.

أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح: الربيع العربي وهم أطاح بأمن واستقرار أشقاء لنا وعطل التنمية والبناء لديهم

ولا يغيب عن المراقب أن القمة أعادت انتشال القضية الفلسطينية نحو صدارة المشهد العربي كعنوان رئيسي من عناوين مقاربة مسائل المنطقة برمتها.

وتؤكد مراجع دبلوماسية فلسطينية أن المقاربة العربية في القمة سعت إلى إعادة تفعيل المبادرة العربية التي أقرتها قمة 2002 في بيروت بصفتها الرؤية العربية التي لم تتغير لمستقبل العلاقات العربية الإسرائيلية.

ويرى باحثون في شؤون الموقف العربي التاريخي من الشأن الفلسطيني أن الزعماء العرب عبروا عن توق لتأكيد ثوابت الموقف المتعلق بالشأن الفلسطيني المستند على حل الدولتين الذي بدا في تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرا أنه ليس الحل الوحيد، كما اتخذوا موقفا واضحا رافضا لبالونات الاختبار التي أطلقتها واشنطن أخيرا في شأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس.

ورغم اللبس الذي يشوب موقف الليبيين من مسألة شرعية حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، فإن المجموعة العربية عبّرت عن احترامها لمآلات اتفاق الصخيرات واعتماد مفاعيله من قبل المجتمع الدولي.

وانصب اهتمام المراقبين على ما يمكن أن تنتجه الاجتماعات الجانبية على هامش أعمال القمة من تطور في العلاقات السياسية البينية بين بعض العواصم العربية.

وفيما كان واضحا تعذّر إجراء مصالحة مصرية قطرية قيل إن العاهل الأردني يسعى إليها، فإن لقاء العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ومن ثم برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وفّر مناسبة لإزالة بعض الشوائب التي وسمت علاقات الرياض مع القاهرة وبغداد.

ورأى المراقبون أن المجتمع الدولي يراقب أداء النظام السياسي العربي لما لمواقف العواصم العربية من تأثير على المستقبل السياسي والأمني في المنطقة.

ويضيف هؤلاء أن أمن المنطقة العربية واستقرارها بات جزءا لصيقا بالأمن الدولي عامة وأمن أوروبا خاصة، وأن حضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ومنسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني يعكس اهتمام المحفلين الدوليين بالمقاربة العربية الرسمية للنظام الدولي العام.

الملك سلمان يصطحب رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري إلى الرياض

ويدرج المراقبون أعمال القمة والمواقف الصادرة عنها في إطار الإطلالة العربية على الإدارة الأميركية الجديدة في عهد الرئيس دونالد ترامب.

ويرون أن العرب يريدون مخاطبة واشنطن بشكل جماعي في مسائل تتعلق بالحل في الشرق الأوسط ومواجهة الإرهاب في المنطقة والتصدي للتدخلات الإيرانية في شؤون البلدان العربية، على النحو الذي يمكن أن يؤسس لتفاهمات عربية أميركية مشتركة.

ويضيف المراقبون أن قرارات القمة ستكون زادا مهما يحمله العاهل الأردني والرئيسان المصري والفلسطيني في زياراتهم المنفصلة بعد القمة لواشنطن ولقاءاتهم مع الرئيس ترامب، والتي تأتي مكملة للقاءات التي أجراها ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع الرئيس ترامب وأركان الإدارة الأميركية في واشنطن عشية هذه القمة.

وكانت قمة البحر الميّت التي استضافها الأردن قمّة المصالحات العربية التي توجت بلقاء بين الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس عبدالفتّاح السيسي وآخر بين العاهل السعودي ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي.

وافتتحت القمة بتسليم الرئيس الموريتاني الرئاسة إلى الملك عبدالله الثاني. وكانت المفاجأة الوحيدة غياب الملك محمّد السادس الذي كانت مصادر أردنية توقعت مشاركته بعد الزيارة التي قام بها الأسبوع الماضي العاهل الأردني للرباط.

واعتمد معظم المشاركين في القمّة خطابا هادئا. وقد سهّل ذلك الوصول إلى قرارات تحظى بشبه إجماع، إذ لم يعترض لبنان على التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية مكتفيا بالتحفظ عن وصف “حزب الله” بأنه “إرهابي” بناء على طلب دول الخليج.

وفسّرت أوساط الوفد اللبناني الذي ضمّ الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الموقف اللبناني بأنّ “حزب الله” ممثّل في مجلس النواب كما أن لديه وزيرين في الحكومة.

وقال مسؤول لبناني “نحن نطالب بموقف عربي من الحزب منذ اثني عشر عاما في ضوء اتهامه باغتيال رفيق الحريري” مضيفا “المطلوب منّا حاليا الإقدام على ما لا نستطيع القيام به”.

وكان ملفتا خطاب رئيس الوزراء العراقي الذي اكتفى بمهاجمة “داعش” وحيّا “الحشد الشعبي”… وطالب بمساعدات عربية لإعادة بناء المدن العراقية.

ولوحظ أن الرئيس المصري غادر القاعة عندما ألقى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد خطابه. ولم يعرف ما إذا كان تقصّد ذلك، أم أن المغادرة مرتبطة باللقاء مع الملك سلمان الذي كان ينتظره في قاعة صغيرة قريبة من تلك التي استضافت القمّة.

ومن الأحداث الملفتة الخطاب الناري الذي يدين “الإرهاب الإيراني” الذي ألقاه الرئيس اليمني المؤقت عبدربّه منصور هادي.

كذلك كان ملفتا أن العاهل السعودي لم يلتق الوفد اللبناني لمتابعة تطوّر سير العلاقات بين البلدين منذ الزيارة التي قام بها ميشال عون للرياض في يناير الماضي.

لكن المفاجأة الكبيرة تمثّلت في مغادرة سعد الحريري القمة برفقة الملك سلمان، وعادا سويا إلى الرياض. ولم يعرف ما إذا كان توجّه الحريري إلى الرياض في الطائرة الملكية مرتبطا بقضايا سياسية أم بأوضاع مرتبطة بقضايا مالية عالقة بين شركاته وبين الحكومة السعودية.

 

العرب اللندنية