القاهرة – يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره المصري عبدالفتاح السيسي الاثنين بواشنطن، وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض الجمعة إن ترامب سيسعى لإعادة بناء العلاقات الأميركية مع القاهرة في اجتماعه مع السيسي مع التركيز على القضايا الأمنية والمساعدات العسكرية.
وأوضح المسؤول للصحافيين “إن الرئيس ترامب يريد استغلال زيارة نظيره المصري لإعادة بناء العلاقات الثنائية وتعزيز الصلات القوية التي أقامها الرئيسان عندما اجتمعا أول مرة في نيويورك في سبتمبر الماضي”.
ويحمل توقيت الزيارة دلالات مهمة، حيث يأتي عقب انتهاء أعمال القمة العربية بالأردن، التي شددت على أهمية تسوية القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، والتصدي لإيران ومكافحة الإرهاب.
وتتصدر هذه المحاور أجندة الولايات المتحدة أيضا في المنطقة العربية، حيث سبق وأن أكدت إدارة ترامب على أنها تطمح إلى الدفع بقطار السلام مجددا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما أنها عازمة على تحجيم النفوذ الإيراني، فضلا عن مجابهة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش.
وتبدو القاهرة متجاوبة مع تطلعات الإدارة الأميركية الجديدة بخصوص البحث عن حل للقضية الفلسطينية، وتجد في حماس الرئيس ترامب فرصة لإخراج هذه القضية من الجمود الذي يعتريها، وسيحاول السيسي التأكيد على الالتزام بمبادرة السلام العربية في بيروت 2002، التي شدد عليها البيان الختامي للقمة العربية.
ويقول مراقبون إنه ورغم الاندفاعة الأميركية لتسوية القضية الفلسطينية، بيد أنها تقارب هذا الموضوع من زاوية مختلفة عن مصر لجهة إبداء عدم تمسكها بحل الدولتين، فضلا عن نيتها نقل السفارة الأميركية إلى القدس، الأمر الذي يعني إقرار ضمني بأنها عاصمة إسرائيل، وهذا يتناقض مع الشرعية الدولية.
وكان السيسي التقى ترامب على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، وبدا أن هناك تفاهما بينهما في عناوين البعض من الملفات، خاصة ملف مكافحة الإرهاب في المنطقة، وهو ما يفتح الطريق أمام إمكانية التلاقي حول قضايا أخرى، خاصة أن ترامب يُعوّل على القاهرة في القيام بأدوار حيوية في القضايا الإقليمية.
وإذا كان ملف القضية الفلسطينية يبدو واضحا في حسابات الرئيس المصري، غير أن ملف التصدي لإيران لا يزال غامضا، وربما يرفع لقاء السيسي وترامب جانبا من الالتباس الذي يعتريه.
وحاولت القمة العربية الأخيرة وضع عناوين يمكن اعتبارها قواعد حاكمة لضبط العلاقة المختلة مع طهران، لكن درجة التفاعل معها جاءت متباينة.
ويعتبر البعض من المراقبين أن موقف مصر نموذج واضح لمسألة الغموض مع إيران، والذي قد يكون مقصودا أحيانا في إدارة العلاقات الدولية.
محمد عباس ناجي: واشنطن لم تنته بعد من صياغة سياستها الخارجية في الكثير من الملفات
وقال أشرف سنجر خبير العلاقات الدولية والأكاديمي بجامعة كاليفورنيا لـ“العرب”، إن تعامل القاهرة يعكس تأنيا في حسم العلاقات مع طهران.
ورشحت معلومات عن أن ترامب يتجه إلى تكوين محور عربي لمواجهة إيران وتطويق نفوذها في المنطقة، بعد تمددها في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهو ما ينسجم مع الأهداف الخليجية في مواجهة طهران، بسبب تخوفات من الإنفاق العسكري الهائل لإيران وطموحاتها التوسعية.
وظهرت محاولة استمالة مصر إلى المحور الأميركي لمواجهة إيران، عبر البعض من الإشارات السياسية، التي تفيد أن وجود القاهرة ضمن هذا المحور، بصرف النظر عن اسمه، سوف يمثل دعما لنجاحه مستقبلا.
في هذا السياق، رجح متابعون أن يعرض ترامب على السيسي صفقة، عنوانها “القضية الفلسطينية مقابل إيران”، بمعنى أن واشنطن تمنح القاهرة هامشا مهما للحركة في القضية الفلسطينية، وملفات أخرى، إذا انحازت تماما إلى فكرة التصدي للطموحات الإيرانية.
وقالت البعض من المصادر الدبلوماسية لـ“العرب”، إن هذه الصفقة تضع القاهرة في موقف بالغ الحساسية، لأنها تجبرها على تحديد رؤيتها من طهران نهائيا، وتجاوز مرحلة الغموض الخلاق التي تتبعها.
ويرى البعض أن الحديث عن غموض في العلاقة بين إيران ومصر فيه نوع من المبالغة لجهة أنه لم يتم رصد أيّ مظهر من مظاهر التعاون المصري الإيراني خلال الفترة الماضية، والعلاقات السياسية بين الطرفين مجمدة منذ 1979، والتلميحات الصامتة من الجانبين لا تعني التقارب سياسيا.
ويضيف هؤلاء أن ما يشاع عن انفتاح القاهرة على طهران غير دقيق على أرض الواقع، وأن التقارب العام في المواقف الإيرانية المصرية حول الأزمة السورية لا يعني بالضرورة وجود قنوات اتصال بينهما، فضلا عن وجود نقاط خلافية في طريقة التسوية، فطهران تؤمن بالحسم العسكري، على خلاف مصر التي تتشبث بالحل السياسي. وبالتأكيد فإن القاهرة ليس من صالحها أن يكون لطهران نفوذ في سوريا.
ونفى محمد عباس ناجي رئيس تحرير مجلة “مختارات إيرانية” التي تصدر في مصر، وجود سياسة محاور بالشكل الدقيق، لأن الدول تختلف في ما بينها حول ملفات وتتفق في أخرى، ما يعني أن كل طرف يصيغ سياسته الخارجية وفقا لمصلحته.
وأشار لـ“العرب” إلى أن الإدارة الأميركية لم تنته بعد من صياغة سياستها الخارجية في الكثير من الملفات، وهو ما سيؤجل الحكم على فكرة ما يسمى بـ“الناتو العربي” التي يتردد أن واشنطن تريدها من العرب في مواجهة إيران.
وأكد أنه لا علاقات أصلا بين القاهرة وطهران حتى يمكن اعتبارها سببا في عرقلة العلاقة مع الولايات المتحدة أو السعودية، وأن السياسة المصرية والأميركية والسعودية لم تعد بعيدة بشأن التعامل مع سوريا، وهو ما يعطي فرصة للتفاهم السياسي بين واشنطن والقاهرة خلال الفترة المقبلة.
وشهدت العلاقة بين السعودية والقاهرة في الفترة الأخيرة تحسنا بعد فتور في الأشهر الماضية، ترجم في لقاء الرئيس السيسي بالملك سلمان بن عبدالعزيز على هامش قمة عمان.
ولقاء ترامب والسيسي سبقته تحركات من الجانبين، مهّدت الطريق أمام تذليل كثير من العقبات أمام العناوين الرئيسية، وهذا أحد أسرار تأجيله من بداية مارس الماضي إلى 3 أبريل الجاري، وهو ما يجعل فرص التفاهم حول الملفات الثلاثة كبيرة، لكن يبقى الشيطان كامنا في التفاصيل.
العرب اللندنية