لندن/القاهرة – سحب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ملف تجديد الخطاب الديني من مؤسسة الأزهر، التي شهدت علاقتها بالنظام تأرجحا بعدما تأخرت كثيرا في مواجهة متشددين إسلاميين نقلوا معركة حامية مع الجيش والشرطة في شمال سيناء البعيدة، إلى عمق المدن المصرية المكتظة بالسكان.
ويبدو أن السيسي ضاق ذرعا بمحاولات حثيثة قادها في السابق من أجل إقناع الأزهر بأخذ زمام المبادرة في مواجهة فكرية غائبة مع تنظيم داعش، الذي يعتمد على الفضاء الإلكتروني والإعلام وفتاوى فقهية تكفر نظام الحكم ومؤسسات الدولة والأقليات، وتدعو إلى العصف باستقرار دول المنطقة.
وأعلن السيسي عن إنشاء مجلس أعلى لمكافحة التطرف والإرهاب في مصر، ضمن قرارات أصدرها بعد اجتماع مجلس الدفاع الوطني الذي أعقب هجومين على كنيستين في مدينتي طنطا والإسكندرية (شمال)، وأسفرا عن مقتل 45 شخصا، بينهم 7 من رجال الشرطة.
وقال السيسي أيضا، بينما كان يتحدث بلهجة حادة في القصر الرئاسي مساء الأحد، إن هناك “مجموعة إجراءات سيتم اتخاذها وعلى رأسها إعلان حالة الطوارئ من بعد استيفاء الإجراءات القانونية والدستورية لمدة 3 أشهر للدولة المصرية”. كما أعطى الأمر لوحدات من الجيش بمساعدة الشرطة لتأمين مؤسسات حيوية في الدولة.
ويتعيّن على السيسي إرسال قراره بإعلان حالة الطوارئ إلى مجلس النواب خلال سبعة أيام للحصول على موافقته، كما سيكون عليه التنسيق مع الائتلافات المؤيدة له في البرلمان لإصدار قانون “المجلس الأعلى لمكافحة التطرف والإرهاب”، الذي قال عنه إنه سيكون “على أعلى مستوى وسيصدر بقانون هدفه أن يعطي هذا المجلس صلاحيات تمكنه من تنفيذ المطلوب من توصيات لضبط الموقف كله؛ إعلامية كانت.. قضائية كانت.. قانونية كانت.. خطاب ديني، أي إجراءات”.
أحمد كريمة: لا فائدة من أي تجديد للخطاب مع انتشار الفكر السلفي
وبهذا الإجراء يكون السيسي قد أحال الأزهر على التقاعد من أحد مهامه الرئيسية المتمثلة في ملء الفراغ العقائدي والديني، وقيادة معركة فكرية حاسمة بصفته حامل لواء الإسلام السني في العالم.
وبدلا من التجهيز لمواجهة التطرف دخل الأزهر في معارك ثانوية مع منتقديه، كما عمل منذ إقرار الدستور المصري الجديد عام 2014 على تعزيز نفوذه في المجتمع، عبر إبداء رأيه في إنتاج المسلسلات والأفلام وإصدار الروايات والكتب الفكرية، وانشغل كثيرا بملاحقة باحثين حاولوا تعويض غيابه على خط المواجهة مع المتشددين.
وقال أحمد عامر، الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي، إن “قرار تشكيل مجلس لمواجهة التطرف والإرهاب يقلص من صلاحيات دور الأزهر في ملف تجديد الخطاب الديني”.
وأيقن السيسي مؤخرا أن الاعتماد على المؤسسات الدينية التقليدية لن يفضي إلى شيء في الحرب على الإرهاب. ويقول رجال دين ينتمون إلى الأزهر إن الوقت غير مناسب “لإحداث انقسامات بين المسلمين السنة”. وقالت مصادر قريبة من الأزهر إن “قيادات المؤسسة يعتبرون ما يجري في مصر ليس سوى صراع على السلطة”.
وكانت المصادر تشير إلى حملة تقودها الحكومة منذ الإطاحة بالرئيس المنتمي إلى الإخوان المسلمين محمد مرسي عام 2013، وشملت اعتقال المئات من أعضاء التنظيم.
وقالت مصادر مطلعة في القاهرة إن المجلس الجديد سيضم باحثين ومفكرين وأطباء نفسيين وصحافيين ورجال دين معتدلين ورجال أمن وعسكريين.
ويعني هذا تغيير طابع تجديد الخطاب من بعده الديني التقليدي، كي يتخذ طابعا مجتمعيا أوسع، يمنحه شرعية اتخاذ قرارات مصيرية قد لا تحظى بدعم المؤسسة الدينية التقليدية.
وستساعد حالة الطوارئ الحكم في مصر على كسب أرض جديدة في معركة هادئة تدور منذ أشهر على النفوذ مع الأزهر.
وقالت مصادر في القاهرة إنه لم تكن ثمة مؤشرات على اهتزاز النظام السياسي أو استقرار الدولة في أعقاب وقوع التفجيرين في الكنيستين، ورغم ذلك أصر السيسي على الدفع بوحدات من الجيش إلى الشارع.
والهدف من وراء نزول الجيش هو منع أي تمرد محتمل بين صفوف الأقباط الذين وصل الغضب بين صفوفهم إلى مستويات غير مسبوقة منذ الهجوم على المقر البابوي بحي العباسية في قلب القاهرة إبان حكم الإخوان.
لكن هدفا سياسيا كان وراء إعلان الطوارئ ونزول الجيش أيضا، إذ يريد السيسي ضمان إحكام السيطرة على المجال الحيوي في المجتمع، قبيل اتخاذ إجراءات “قاسية”.
ولن تحظى هذه الإجراءات بموافقة تيار سلفي واسع يستغل قربه من الحكومة من أجل تعويض نفوذ الإخوان بين صفوف الملايين من المؤيدين للإسلام السياسي.
وقال أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، لـ”العرب” إنه “لا فائدة مرجوة من أي تجديد للخطاب الديني مع وجود الفكر السلفي في مصر، لأن ما تبنيه الحكومة فكريّا في أعوام، ينسفه الفكر السلفي المتشدد بإمكانياته المالية الهائلة في لحظة”.
وأضاف “كل الأفكار التي يعتنقها أهل التطرف عبارة عن أفكار سلفية مثل عداوة الأقباط واحتقار شعائرهم، ومواجهة هذا التيار الديني المتشدد في حاجة إلى قرار سياسي شجاع”.
العرب اللندنية