الموصل (العراق) – يترافق التقدّم البطيء للقوات العراقية في حملة استعادة القسم الغربي من مدينة الموصل مركز محافظة نينوى بشمال العراق مع تقارير مفزعة عن وضع مئات الآلاف من المدنيين المحاصرين في ذلك القسم، والمعرّضين للموت إمّا بنيران داعش أو القوات الحكومية أو بقصف طيران التحالف الدولي، أو جرّاء الجوع والأوبئة.
وأعلن، الثلاثاء، عن سقوط ما لا يقل عن أربعين مدنيا من سكان الموصل جراء انفجار منازل بمنطقة الكور القديمة كان تنظيم داعش قد فخخّها لإعاقة تقدّم القوات العراقية نحو مناطق سيطرته بالقسم الغربي من المدينة. كما أعلن عن مقتل ثلاثة أفراد من عائلة واحدة في قصف لطائرات التحالف الدولي ة على منطقة السكك غربي المدينة.
وحذر غزوان حامد الداؤودي رئيس لجنة حقوق الإنسان في حكومة نينوى المحلية من انتشار الأوبئة بين السكان المحاصرين في الشطر الغربي من الموصل، لافتا إلى أن الكثير منهم باتوا يقتاتون على أوراق الأشجار من حدائقهم بعد نفاد مخزونهم الغذائي.
وقال إن “تقارير مقلقة تردنا حول الوضع الصحي والإنساني لسكان الأحياء الغربية التي مازالت في قبضة تنظيم داعش”.
وأضاف “الغالبية العظمى من الأهالي يشربون مياه الآبار السطحية غير الصالحة للاستهلاك البشري، بينما الآخرون يقومون بغلي مياه الأمطار بوسائل بدائية قبل استخدامها للشرب أو للطبخ”.
ولا يزال مئات الآلاف من المدنيين العزّل يعيشون في أحياء يسيطر عليها تنظيم داعش في الشطر الغربي لمدينة الموصل تحت طائلة الخوف والجوع والموت الذي تنبعث رائحته من كل الأنحاء.
ويكون الخروج من المنازل أشبه بالانتحار في المناطق الواقعة على خط النار بين القوات العراقية ومسلحي التنظيم بينما يكابد المدنيون للبقاء على قيد الحياة نتيجة شح كبير في الغذاء ومياه الشرب والأدوية وغيرها من المتطلبات اليومية الأساسية.
ولا يتسنى للمدنيين المحاصرين في الموصل الاتصال بالعالم الخارجي نتيجة رداءة شبكات الاتصالات وعدم توفر الكهرباء لشحن الهواتف المحمولة فضلا عن حظر تنظيم داعش لحيازة الهواتف.
ونقلت وكالة الأناضول شهادة أحد سكان شارع الفاروق المجاور لجامع النوري الكبير الذي أعلن من على منبره زعيم داعش أبوبكر البغدادي إقامة ما يسمى “دولة الخلافة”.
وقال الرجل الذي عرّف نفسه بـ”أبو محمّد” إنّ الحياة متوقفة في الحي وإنّ النهار كالليل وكلاهما أشبه بالجحيم، موضحا أن طعام السكان يقتصر على التمر الذي قاموا بتخزينه قبل بدء الحرب، ومع مرور ستة أشهر قارب المخزون من هذه المادة على النفاد.
وأوضح أن الآبار التي حفروها في المنطقة للتزود بالماء جفت، وأنهم يشربون المياه الآسنة ومياه الأمطار بعد تصفيتها بطرق بدائية.
وتابع أن بكاء الأطفال لا يتوقف وأصبحت وجوه النساء والرجال شاحبة وأجسادهم نحيلة جدا من الجوع وانتشار الأمراض.
وأشار إلى أن الخروج إلى باحة المنزل يعد انتحارا بسبب القصف الصاروخي والجوي العشوائي والإطلاقات النارية المستمرة من كلا طرفي النزاع، تنظيم داعش والقوات العراقية المدعومة بطيران التحالف الدولي.
ولفت إلى أن الطائرات تقصف الأحياء السكنية وكأنها تقصف الصحراء، في إشارة إلى عدم المبالاة للخسائر البشرية والمادية التي تحدث عند قصف المناطق في الجانب الغربي للموصل.
أبو محمد، أوضح أنه تحدى الموت وجال في بعض أزقة وشوارع المناطق الخاضعة لداعش بحثا عن الماء فوجد أن الشوارع خالية من المارة، وأن أعداد المسلحين المتواجدين في المنطقة القديمة تقدر بالعشرات فقط.
وقال إن “القوات العراقية قادرة على القضاء عليهم إذا ما أرادت ذلك، لأنها تملك ترسانة عسكرية هائلة، بدلا من اعتمادها على القصف الصاروخي الذي يكبد المدنيين العزل خسائر في الأرواح والممتلكات ولا يكبد التنظيم أي خسائر تذكر”.
وعند إعلان القوات العراقية بدء الهجوم لاستعادة الجانب الغربي من الموصل في التاسع عشر من فبراير الماضي، قدرت الأمم المتحدة عدد المدنيين في ذلك الجانب بـ800 ألف، فر منهم ما يقارب 250 ألفا، حيث تزايدت حركة النزوح على نحو متصاعد وخاصة في أعقاب مقتل العشرات في الأحياء الواقعة ضمن المدينة القديمة ذات الأزقة الضيقة المكتظة بالمدنيين.
ومن بقي من المدنيين في الأحياء الواقعة على خط النار أو التي لا تزال تحت سيطرة داعش يكابدون للبقاء على قيد الحياة وسط ظروف بالغة الصعوبة.
وقالت امرأة مسنة تعرّف نفسها بأم مروان، إن عائلتها وجميع العائلات الموصلية التي لا تزال محاصرة تعتمد في غذائها على الحشائش لعدم توفر المال لشراء المواد الغذائية إن وجدت أصلا. وأضافت أن ابنها البالغ من العمر 40 عاما يضطر إلى الخروج مع ساعات الفجر الأولى مع عربة مصنوعة من الخشب، يسير بها مسافة كيلومترين حتى يصل إلى نهر دجلة ليجلب المياه.
وأشارت إلى أن هذه الرحلة اليومية محفوفة بالمخاطر بسبب تمركز القناصة التابعين للقوات العراقية في ضفة النهر من جهة الشطر الشرقي للمدينة، والذين يطلقون النار صوب أي شخص يتحرّك مخافة أن يكون من مسلحي داعش، أو قناصة التنظيم الذين يتمركزون في الضفة الغربية للنهر ويطلقون النار على أي حركة أيضا ظنا منهم أنها محاولة للهرب.
وقالت أيضا إن عملية الوصول إلى مجرى النهر لا تنجح في الكثير من الأحيان بسبب اشتداد المعارك وسقوط القذائف في كل مكان والتي تعيق مهمة التنقل، لذا ففي أغلب الأيام تعاني العائلة من نقص المياه، الأمر الذي يدفعها إلى الاعتماد على المياه الآسنة والأمطار لمواصلة العيش.
العرب اللندنية