قال خبراء إن دول مجلس التعاون الخليجي باتت مرشحة بقوة لتصبح إحدى الوجهات الاستثمارية المستهدفة لبريطانيا خلال فترة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وباشرت بريطانيا الأسبوع الماضي رسميا، بعد تسعة أشهر على التصويت لصالح الخروج، عملية الانفصال التاريخية عن الاتحاد الذي انضمت إليه بتحفظ قبل 44 عاما، وتشمل عامين من المفاوضات الصعبة قبل الانفصال التام في ربيع 2019.
وقال طه عبدالغني الخبير والمحلل الاقتصادي إن “دول الخليج حليف تجاري واستراتيجي مهم لبريطانيا، ما يجعل من خطوة البريسكت فرصة جيدة لتعزيز الشراكة الاقتصادية بين الطرفين، خاصة في ظل رغبة بريطانية جادة نحو تقوية تلك الشراكة”.
وأوضح أنه في ضوء تأثر حركة الاستثمار عموما نتيجة لانسحاب العديد من الشركات الأوروبية المتوقع، ستسعى حكومة بريطانيا لتعويض ذلك باللجوء إلى مناطق أخرى من العالم لتعويض ذلك، وهنا تبرز منطقة الخليج.
وتوفر دول الخليج فرصا استثمارية مهمة بالنسبة إلى بريطانيا في عدة مجالات منها الطاقة والتعليم والبنية التحتية والرعاية الصحية.
وقامت لندن مؤخرا بتحديد فرص استثمارية في 15 قطاعا خليجيا تقدر بنحو 30 مليار جنيه إسترليني خلال السنوات الخمس المقبلة تشمل جميع دول المنطقة.
وفي المقابل سيكون هناك سعي نحو ضمـان استقبال الاستثمارات ورؤوس الأموال الخليجية إلى بريطانيا. ويتـوقع عبـدالغني أن يكـون حجم التدفقـات من الخليج أكبـر من حجم الاستثمارات الوافدة إليها. وقـام وزير المـالية البريطـاني فيليـب هامـوند في ينـاير الماضي بجولة خليجية بهدف تعـزيز العلاقـات الاقتصـادية مع الخليج بدأها من الكويت، ومن ثم انتقل إلى الإمارات وختمها بزيارة قطر.
وجاءت زيارة هاموند بعد مشاركة رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي في القمة الخليجية الـ37 الشهر الماضي.
وأكدت ماي خلال لقاءاتها مع قادة دول الخليج على العلاقات الإستراتيجية وناقشت فرصا تجارية جديدة وكذلك اتفاقية للتجارة الحرة بين الطرفين.
وكشف مسؤولون خليجيون الشهر الماضي أن دول الخليج تضغط لإبرام اتفاق تجارة حرة مبكر مع بريطانيا من أجل نيل ترتيبات تفضيلية بعد خروجها من الاتحاد وأن مسودة اتفاق قد تصبح جاهزة خلال أشهر، وفق رويترز.
ويرى جمال عجاج الخبير الاقتصادي ومدير مركز الشرهان للوساطة المالية أن الشركات البريطانية تبحث حاليا عن فرص عالمية لتوسيع عملياتها وتكملة أنشطتها التجارية في أسواق جديدة لتعويض تأثيرات البريكست.
وقال إن “هناك عاملين رئيسيين وراء توجه بريطانيا لمنطقة الخليج، الأول يتعلق بالمقومات الاستثمارية التي توفرها المنطقة في ظل المشاريع التنموية الكبرى التي يتم تنفيذها في قطاعات السياحة والإنشاءات والنقل والصناعة وغيرها”.
وأشار عجاج إلى أن العامل الثاني يتلخص في ضمان سوق استهلاكية للمنتجات البريطانية في جميع المجالات لدى دول الخليج الغنية بالنفط، التي تعتبر أيضا واحدة من أكبر الأسواق الرئيسية الاستهلاكية ذات الدخل المرتفع للمقيمين فيها.
وقدرت دراسة حديثة لشركة الاستشارات ديلويت قيمة المشاريع العملاقة المتوقع إنجازها في الخليج حتى عام 2030 بنحو تريليوني دولار مع استضافة فعاليات دولية ضخمة مثل معرض إكسبو الدولي 2020 في دبي وبطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر.
وتعد دول الخليج أكبر مستثمر في بريطانيا، ويتراوح إجمالي استثمارات الأفراد والصناديق السيادية الخليجية بين 200 و250 مليار دولار، وتحتل نسبة الاستثمارات العقارية أكثر من 23 بالمئة منها، بحسب بيانات حديثة.
ويؤكد عجاج أن بريطانيا صارت وجهة مهمة لجذب المستثمرين الخليجيين خلال الأشهر الماضية خصوصا من السعودية وقطر والإمارات والكويت.
ولفت إلى انخفاض تكاليف الاستثمار مع ضعف الجنيه الإسترليني أمام الدولار تزامنا مع إعلان البريكست، ما يشجع المستثمرين الخليجيين على ضخ المزيد من الاستثمارات هناك.
وتبلغ التجارة بين بريطانيا ودول الخليج الست نحو 30 مليار جنيه إسترليني (37.5 مليار دولار) سنويا، وتعد دول الخليج ثاني أكبر شريك تجاري خارج أوروبا.
وتصدر دول المنطقة بالأساس النفط والغاز والمنتجات ذات الصلة إلى بريطانيا، بينما تستورد تشكيلة واسعة من السلع والخدمات.
وقال مروان شراب مدير قسم الوساطة المالية لشركة الرمز كابيتال في دبي إن “من الصعب تحديد الأثر الكامل للبريكست قبل مرور عامين لكن قد يحمل فرصا إيجابية أمام المستثمرين والصناديق السيادية الخليجية، وفي الوقت ذاته يفرض تحديات سلبية”.
ورجح أن تكون هناك مكاسب لدول الخليج تتمثل بتحسين شروط الاستثمار والقوة التفاوضية لا سيما في ما يتعلق باتفاقيات التجارة الحرة.
ومن بين السلبيات حجم الخسائر التي قد تتكبدها الاستثمارات الخليجية على المدى المتوسط والطويل سيتوقف عند مقدار التراجع في قيمة العقارات البريطانية، لا سيما وأن نسبة مهمة من الاستثمارات الخليجية تتركز في القطاع العقاري.