كولومبو – اختارت سريلانكا اعتماد مقاربة رادعة لتوفير العمالة في قطاع البناء الذي يشهد نقصا فادحا، حيث تخطط لزيادة الحد الأدنى للأجور المطلوب للسماح بمغادرة العمال إلى الخارج.
وفرضت الحكومة على كل سريلانكي ينوي السفر للعمل في الخارج إظهار وثائق تثبت أنه سيتقاضى راتبا شهريا لا يقل عن 400 دولار حتى تسمح له بالمغادرة.
وتواجه شركات التطوير العقاري بالبلاد صعوبة شديدة في العثور على يد عاملة محلية تلبي حاجياتها بعد أن ساهم عمال البلد الأسيوي منذ عقود في طفرة عمرانية في الدول الخليجية.
ويشهد البلد الأسيوي الذي عانى حربا أهلية لنحو أربعة عقود ورشة إعمار كبرى خصوصا في شماله المدمر.
ويتوقع ازدياد الاستثمارات في بناء المساكن الجديدة والطرقات والمرافئ والتي تقدّر تكلفتها بنحو 3.9 مليار دولار سنويا، بواقع ثلاثة أضعاف خلال العام 2017 لتصل إلى ما يقرب من 11.7 مليار دولار بحلول 2020.
وللحفاظ على هذه الوتيرة، تحتاج البلاد 400 ألف عامل إضافي. ويقول نيسانكاو يجيراتني رئيس غرفة صناعة الإنشاءات في سريلانكا “لا يمكننا إيجاد مثل هذا العدد بهذه السرعة وسنضطر إلى استقدام عمال… نحن نواجه نقصا فادحا في اليد العاملة”.
ولمحاولة الحد من هجرة العمال إلى بلدان الخليج، يذهب مقاولون إلى حد تقديم دراجات نارية أو سيارات كعلاوات للعمال الذين يوافقون على العمل في ورش الإنشاءات في سريلانكا.
وقال وزير المالية رافي كاروناناياكي لوكالة الصحافة الفرنسية “نريد ثني الأشخاص الذين يغادرون للخارج للعمل برواتب وضيعة. بعض هؤلاء العمال يمكنهم جني أموال أكثر إذا ما بقوا في سريلانكا”.
11.7 مليار دولار قيمة الاستثمارات التي تستهدفها حكومة سريلانكا في قطاع البناء والتشييد بحلول 2020
وكان المتحدث باسم الحكومة، راجيث اسيناراتني، قد قال في يونيو الماضي، إن بلاده “ستتوقف تدريجياعن إرسال خادمات إلى الخارج لا سيما إلى الشرق الأوسط بسبب انتهاكات الحقوق والتكلفة الاجتماعية”.
ويرى اقتصاديون إن هذه المجازفة الإستراتيجية تنطوي على مخاطر إذ أن نحو 10 بالمئة من السريلانكيين يعملون في الخارج وتمثل الأموال التي يحولونها مصدرا رئيسيا للعملات الأجنبية في هذا البلد الذي يعد 21 مليون نسمة.
وبلغت قيمة الأموال التي حوّلها العمال السريلانكيون في الخارج إلى عائلاتهم في العام الماضي، 7.3 مليارات دولار، وفق بعض التقديرات. ويقدّر عدد العمالة السريلانكية في دول الخليج قرابة 3 ملايين شخص.
وتسبب انخفاض أسعار النفط في الإضرار الشديد بقطاع البناء والتشييد في دول خليجية وبدأت دول شرق آسيا التي كانت مصدرا مهما للعمالة هناك في مساعدات رعاياها الذين تعرّضوا لتلك الأزمة.
ويرجع النقص في العمال أيضا للوصمة الاجتماعية المرافقة لهذه الفئة حيث يفضّل الكثير من السريلانكيين ممارسة وظائف مكتبية بمردود مالي ضعيف بدل التوجه إلى العمل في ورش البناء والنجارة والسباكة.
ويشير ويجيراتني إلى أن ثمة نظرة اجتماعية إزاء قطاع البناء على وجه الخصوص ولهذا يفضّل الشباب الوظائف العامة حتى لو كانت إيراداتها أدنى.
وتوجه الشركات الأكثر يأسا من الوضع في سريلانكا اهتمامها إلى الخارج أيضا، ليس من أجل إبرام عقود بل لإيجاد يد عاملة. وتظهر إحصائيات رسمية أن 200 ألف أجنبي يعملون في قطاع البناء من دون تصريح.
وقال وزير التنمية شامبيكاراناواكا في وقت سابق إن “أجانب يعملون بطريقة غير قانونية بسبب النقص المسجّل لدينا في اليد العاملة”. وقامت شركات صينية بفعل عجزها عن الاستعانة بعمال محليين، بتوظيف جحافل من العمال في سريلانكا لتسيير عجلة ورشها الضخمة.
وعلى طول إحدى الواجهات البحرية الرئيسية في كولومبو، ينتظر مئات العمال الصينيين في كل يوم حافلتهم للعودة بعد إنهائهم نوبة العمل في فندق جديد من شبكة شانغري-لا.
وعلى الجانب الآخر من الطريق، يجهد مواطنوهم في موقع ورشة بناء ضخمة تقرب قيمتها من مليار ونصف مليار دولار.
ويؤثر النقص في اليد العاملة على قطاع البناء. وتقر شركة سريلانكية كبرى بأنها ترفض إبرام عقود بناء جديدة لمبان مع العلم بأنها لن تستطيع الاستفادة من عدد كاف من العمال لإنجازها.
وتتخطى المشكلة بدرجة كبيرة هذا القطاع إذ أن النقص في اليد العاملة يمس قطاع الفنادق وأعمال الصرف الصحي، وبالتالي يتجه القائمون على هذه القطاعات إلى الهند المجاورة للاستعانة بعمال.
العرب اللندنية