احتفاء بعامه العاشر، وتزامنا مع معرض أبوظبي الدولي للكتاب نظم مشروع “كلمة” للترجمة حفل توقيع للترجمة العربية لكتاب “قراءات في الاقتصاد الصيني” للمؤلف الصيني لين يي فو، النائب السابق لرئيس البنك الدولي ورئيس مركز دراسات الاقتصاد الصيني.
رأى أحمد سعيد في مقدمته للكتاب أن أكثر ما يشغل العالم أجمع في قرنه الجديد، هو ما يدور حول التجربة الصينية وأسرارها. وقال “الصين تلك الدولة التي هي بحجم قارة مساحة وسكانا، تلك الدولة التي كانت ترمز في ستينات القرن الماضي وحتى تسعيناته إلى الفقر الشديد وسوء الأوضاع والمعيشة، صارت ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم وأكثر دول العالم حفاظا على ثبات تنميتها الاقتصادية، بل وصارت كما يطلق عليها: مصنع العالم، فلا يكاد يخلو بيت في هذا العالم من منتج صيني، لذلك صار من الأسئلة الملحة لدى المهتمين بالاقتصاد – وغير المهتمين أيضا – سؤال: كيف فعلتها الصين؟”.
وأضاف أنه بالتلخيص السريع لتاريخ الصين الحديث نجد أنها تعرضت لكوارث ليست هينة خلال العصر الحديث. فبعد تخلصها من الاحتلال الياباني في أواخر ثلاثينات القرن الماضي، وقعت ضحية لحرب أهلية مدمّرة بين الشيوعيين والكومنتانغ، انتهت بانتصار الحزب الشيوعي تأسيس دولة الصين الحديثة عام 1949.
ما كادت الصين، التي كانت تعاني تحت وطأة الفقر والجهل، تبدأ سريعا في بناء دولتها الجديدة، حتى قامت الثورة الثقافية الكبرى في أواخر ستينات القرن الماضي، والتي أخرتها أكثر من عشرين عاما وأتت على الأخضر واليابس وأوقعت ملايين الضحايا. إذا فالصين الحديثة القوية التي نتحدث عنها الآن هي نتاج ما تم بعد تطبيق السياسة الصينية الكبرى، وهي الخطة المسماة بـ”الإصلاح والانفتاح”، التي قادها مهندس بناء الصين الحديثة دنغ شياو بينغ، في أواخر سبعينات القرن الماضي، أي لم يمر عليها سوى أربعين عاما فقط.
يضم الكتاب الذي ترجمه كل من ريهام محمد دشيش وهند سلطان 12 بابا كبيرا، تحوي الكثير من الفصول والموضوعات، وتذييلا به ثلاثة ملاحق مهمة، يتحدث لين يي فو عن كل ما يهم الباحث والقارئ العادي في ما يتعلق بالاقتصاد الصيني، فيتطرق في بابه الأول إلى الفرص والتحديات التي واجهت وتواجه الاقتصاد الصيني منذ بدايات القرن الجديد، ومقارنتها باقتصاديات أخرى مثل ألمانيا واليابان. ثم ينتقل في الباب الثاني إلى موضوع أكثر إثارة، وهو الصين ونظريات الغرب وسبب عدم حدوث ثورة صناعية صينية تشبه ثورة الغرب ونتيجة اتباع الصين للغرب وتأثرها به لفترة ليست بالقصيرة.
ينتقل الكتاب في بابه الثالث إلى موضوع أكثر حساسية قل تداوله بالدراسة وهو الشعور بانكسار الدولة وضعفها لدى طبقتها المثقفة، حيث يصطبغ التاريخ الاجتماعي والسياسي الحديث للصين بذلك المزيج من الشعور بالإحباط والإحساس بالمسؤولية لدى مثقفي الصين. وفي الباب الرابع ينتقل الحديث إلى جانب التطبيق الواقعي للحاق بالركب العالمي، حيث تم الإسراع بتحويل الدولة من مجتمع زراعي متخلف إلى مجتمع صناعي، وبناء دولة قوية والاعتماد على الذات، حيث اختار قادة الصين إستراتيجية التنمية ذات الأولوية للصناعات الثقيلة كإستراتيجية للتنمية.
الصين الحديثة هي نتاج خطة الإصلاح والانفتاح التي قادها دنغ شياو بينغ في أواخر السبعينات
يقارن المؤلف في الباب الخامس بين تجربة ما نطلق عليه النمور الآسيوية في شرق آسيا والصين، ويطرح هذا السؤال: هل التجربة الناجحة لاقتصاديات دول شرقي آسيا توفر طريقا بديلا قابلا للتطبيق في البلدان النامية؟ ثم يجيب عن هذا السؤال من خلال تحليل الأسباب الكامنة وراء نجاح اقتصاديات شرق آسيا ومقارنتها بالصين والعالم النامي.
وننتقل مع الكتاب إلى الباب السادس، حيث يتطرق إلى موضوع أكثر تفصيلا، وهو تجربة التحوّل الزراعي الصناعي والسياسات الصينية في ثمانينات القرن الماضي التي تحوّلت بالصين إلى دولة منتجة كبرى.
ويعدّ هذا الباب من أكثر الأبواب إفادة لدولنا العربية التي تمتلك مقومات زراعية جيدة ولا تستفيد منها. وبالوصول إلى الباب السابع نتعمق أكثر في تجربة الاقتصاد الصيني، حيث مرحلة إدارة المشروعات الصغيرة، ثم دفع تخصيص الموارد ونظام تشكيل الأسعار وتحويل مسار نظام الأسعار والتخصيص الفردي إلى مسارين، وفي النهاية الاتجاه نحو المسار الأحادي لنظام السوق.
ونتعرف في الباب الثامن على تجربة الصين في موضوع إصلاح مؤسسات الدولة، وهي تجربة فريدة ومميزة في العالم يمكن أن نتعلم منها الكثير. وفي الباب التاسع نكمل التجربة مع تفاصيل إصلاح النظام المالي للصين. ثم نصل في الباب العاشر إلى الحكم على مدى حقيقة الإصلاح الاقتصادي الصيني، وما أظهره من مشكلات تتعلق بالتنمية في الريف والحضر وكيفية الموازنة بينهما.
وفي بابه الحادي عشر يأخذنا الكتاب إلى مشكلات ما بعد صعود وتقدم الاقتصاد، وهي: تحسين نظام السوق، وتعزيز وحدة العدالة والكفاءة، وتحقيق التنمية المتناسقة. ثم نصل إلى الباب الثاني عشر، حيث يختتم المؤلف الكتاب بموضوع انعكاسات واستنتاجات الاقتصاد الكلاسيكي القديم، ودور النظريات الاقتصادية بشكل عام في التعريف باقتصاد ما.
وبعد أن تنتهي أبواب الكتاب، يضيف المؤلف تذييلا يتكون من ثلاثة ملاحق مهمة جدا، هي بمثابة شرح لما دار بالكتاب وتحليل لبعض مسائله المهمة، وهي النمو الاقتصادي والتغيير المؤسسي، أي علاقة الدولة كنظام بالاقتصاد كواقع متغير باستمرار، وكيف يتوافق كلاهما مع الآخر من خلال سلسلة تحديثات لا تتوقف.
ويضيف في الملحق الثاني إجابة عن لغزين غامضين يشغلان المتابع للصين، وهما: لماذا استمر معدل دخل الفرد ثابتا لفترات طويلة؟ ولماذا كانت الصين على مر التاريخ دولة ذات نمو سكاني كبير؟
وفي الملحق الأخير يشرح الكتاب نقطة مهمة كان قد تعرّض لها العالم من قبل، وهي: الاختلالات الاقتصادية العالمية، احتياطي العُملات وإدارة الاقتصاد العالمي، وكيف تحافظ الدولة على نجاحها الاقتصادي والمالي وتواجه أي أزمات اقتصادية عالمية محتملة، وكيفية الاستفادة من التجارب الدولية السابقة.
محمد الحمامصي
صحيفة الغد