في 25 من الشهر الحالي نفّذ سلاح الجو التركي ضربات جوية على أهداف عسكرية تابعة لحزب العمال الكردستاني في جبال سنجار في العراق وفي شمال شرق سوريا. وكان أمراً مفاجئاً لأطراف عديدة، إقليمية وعالمية، أن تشن الطائرات الحربية التركية عشرات الغارات الجوية المتزامنة على مواقع لتنظيم العمال الكردستاني في مدينة سنجار العراقية وأخرى على مواقع «وحدات الحماية الكردية» (وهي أحد الأسماء العديدة التي تشكّل واجهة يقودها فعليّاً حزب العمال الكردستاني) في شمال شرق سوريا.
وبعد عملية القصف، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن تركيا لن تسمح بتحول منطقة سنجار بشمالي العراق إلى قاعدة لمقاتلي حزب العمال الكردستاني وإنها ستواصل عملياتها العسكرية هناك وفي شمال سوريا «حتى القضاء على آخر إرهابي».
وقال إردوغان في مقابلة بالقصر الرئاسي في أنقرة «نحن ملتزمون باتخاذ إجراءات وينبغي علينا اتخاذ خطوات ولقد أبلغنا الولايات المتحدة وروسيا بذلك والعراق أيضا». وتابع يقول «إنها عملية أبلغنا بها (رئيس إقليم كردستان العراقي مسعود) البرزاني».
هذا الإبلاغ لم يمنع الدول المعنية من التعبير عن رفضها لتلك الضربات، فقد دانت الحكومة العراقية الضربات الجوية التركية وقال المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء سعد الحديثي، القصف التركي على سنجار، مؤكدا أنه «انتهاك صارخ» للسيادة العراقية، على حد تعبيره. من جهتها اعتبرت قوات «البيشمركه» الكردية، أن قصف المقاتلات التركية لمواقعها في شمال العراق «غير مقبول»، ورأت أن سبب المشاكل هو «تواجد» حزب العمال الكردستاني الذي رفض الانسحاب من جبل سنجار رغم أن جميع الأطراف طالبته بالمغادرة. كذلك، أعلنت وزارة الخارجية الاميركية في ذلك التاريخ أن الولايات المتحدة «تشعر بقلق عميق» إزاء الضربات الجوية التركية التي استهدفت قوات كردية في العراق وسوريا. وقال المتحدث باسمها مارك تونر «نشعر بقلق عميق حيال شن تركيا ضربات جوية في شمال سوريا وشمال العراق من دون تنسيق مناسب سواء مع الولايات المتحدة او التحالف الدولي الاوسع لهزيمة داعش». وأضاف «لقد عبرنا عن هذا القلق للحكومة التركية مباشرة».
ومن جانبها أعربت وزارة الخارجية الروسية عن قلقها من استهدف القوات المسلحة التركية معاقل حزب العمال الكردستاني في منطقة سنجار العراقية، ومقر القيادة العامة لوحدات حماية الشعب في جبل قرجوخ (كراتشوك) بالقرب من مدينة ديرك السورية. وعبرت الخارجية في بيان نشرته على موقعها الرسمي، في 26 نيسان/إبريل الحالي، عن رفضها للقصف الذي قامت به المقاتلات التركية. ووصف الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، قصف القوات المسلحة التركية لمعاقل حزب العمال الكردستاني ” في مدينة سنجار العراقية، بأنه “انتهاك لسيادة الأراضي العراقية”.وذكر قاسمي، أن قصف المقاتلات التركية لمدينة سنجار العراقية، يعتبر مخالفا للقانون الدولي. وأضاف الناطق باسم الخارجية الإيرانية، أن قصف المقاتلات التركية يساهم في زيادة عدم الاستقرار، واستمراريته بالمنطقة.ولفت قاسمي، إلى أن الحكومة الإيرانية تدعم وتقف إلى جانب الحكومة العراقية في عملية انتهاك سيادة أراضيها. وأضافت الخارجية، أن عملية القصف تزيد من التوتر في المنطقة، ولا تخدم التعاون المشترك في محاربة الإرهاب. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق لماذا أقدمت المقاتلات التركية على قصف منطقة سنجار في محافظة نينوى؟
يستند ذلك القصف إلى تلك التطورات الجارية في محافظة نينوي شمالي العراق وما لها من انعكاسات حيوية مباشرة على الدولة التركية، فلم يعُد حزب العمال الكردستاني يتمركز فقط في جبال قنديل شمالي العراق، وإنما أيضًا في منطقة سنجار تقع في غرب محافظة نينوى. فسنجار من الناحية الناحية الجغرافية هي الأقرب للحدود التركية من جبال قنديل الوعرة. كما أن لها أهمية عسكرية لتركيا. وبحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية مفادها أن هذه الضربات ليست أولى لسلاح الجو التركي في قصف معاقل حزب العمال الكردستاني في سنجار، فهذا القصف شبه يومي ضده من قبل المقاتلات التركية “IF16″ و”IF15” بالإضافة إلى الطائرات المسيرة. وتعود بنا الذاكرة إلى القصف التركي الذي بدأ في جبال قنديل الحصن الآمن لحزب العمال الكردستاني منذ 20 عاما وفي عهد النظام العراقي السابق. فقد انتشر الحزب في 64 قريى ومن هذه قرى قرية “سنكسر”. ومن نتائج ذلك القصف السقوط العديد من المقاتلين من كوادر الحزب ، بالإضافة إلى المدنيين وخسائر فادحة في القطاع الزراعي الذي يمثل شريان الاقتصاد الكردي في جبال قنديل
هذا القصف جاء ليؤكد على الإدراك المسبق للقيادة الكردية العراقية في إقليم كردستان العراق بأن حزب العمال الكردستاني أصبح قوة لا يستهان بها في الإقليم من خلال مقراته المنتشرة في بعض مناطق كردستان بالإضافة إلى تجنيده أبناء الإقليم للقتال إلى جانبه، مما يشكل خطرًا على الإقليم، هذا الأمر استدعى إن طلبت تلك القيادة من حزب مغادرة الإقليم لكنه كان يرفض باستمرار تلبية ذلك الطلب. وبحسب معلومات حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية فإن اللقاء الأخير الذي جمع بين حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي ومسعود برزاني رئبس إقليم كردستان العراق فقد اتفقا على تشكيل فوجان في سنجار أحدهما تابع للحكومة الاتحادية والآخر تابع لقوات البيشمركة الكردية، ويتم تجهيز الفوج الكردي من قبل الحكومة الاتحادية، ولكن نظرًا لانشغال الحكومة العراقية بمعارك تطهير العراق من تنظيم داعش في الموصل، وتفاقم أزمتها المالية لم ينفذ ما تم الاتفاق عليه من قبل رئيس الوزراء ورئيس إقليم كردستان.
هذا الحزب أي حزب العمال الكردستاني ما كان أن يصبح في تلك القوة في إقليم كردستان العراق لولا الدعم الإيراني له، فبحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، فقد كان هناك تعاون وثيق بين إيران والفرع العلوي في حزب العمال الكردستاني، فبأوامر من إيران قدمت الحكومات العراقية السابقة الدعم المالي والعسكري بالإضافة إلى صرف مخصصات مالية لبعض عناصره مقابل أن تتوقف كل الأعمال العسكرية لحزب بيجاك “حزب الحياة الحرة الكردستاني” فرع حزب العمال الكردستاني في إيران. وهذا ما تم حقّا، والدليل على ذلك أن حزب بيجاك لم يقم في العامين الماضيين بأي عمل عسكري ضد حرس الباسداران “الحرس الثوري الإيراني”.
ولأن المتغير هو الثابت في سياسات الدول فبحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط، ففي أحد اجتماعات الرئاسة في بغداد تم مناقشة تقديم الحكومات السابقة الدعم المالي والعسكري لحزب العمال الكردستاني واتفقت تلك الرئاسات على توقيف ذلك الدعم، وفي هذا السياق وبحسب المعلومات الخاصة لمركز الروابط، ففي الزيارة الأخيرة التي قام بها قاسم سليماني إلى إقليم كردستان العراق، كان قد بلّغ قيادة الحزبين الرئيسان في إقليم كردستان بأن حزب العمال الكردستاني يشكل خطراً كبيرا على الإقليم، وأن إيران لن تغامر بعلاقاتها مع تركيا من أجله. ومما لا شك فيه أن رسالة سليماني يعني التخلي الكامل عن حزب العمال الكردستاني وقد يرد هذا الحزب على إيران بإعادة نشاط حزب بيجاك في الداخل الإيراني والسؤال الذي يطرح في هذا السياق هل هذا الحزب له القدرة في مواجهة دولتين إقليميتين تركيا وإيران؟ وهل هذه المواجهة ستشكل بداية النهاية له؟
في الختام، أعاد استهداف المقاتلات الحربية التركية حزب العمال الكردستاني في منطقة “سنجار” شمالي العراق، قضية الحزب والحرب التي تخوضها أنقرة ضده إلى الواجهة من جديد، فالسؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل سنجار هي “درع دجلة” التركي في العراق؟
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية