في عدد «الحياة» في 27/4/2017، قرأت مقالاً للكاتب الأستاذ موسى برهومه في عنوان «جرائم داعش لا تتطلب إدانتها مختبرات فقهية»، وهو يطل في حضور فوقي غير لائق على مرجعية الأزهر الشريف، إذ يهادن «داعش» فترى بعض هؤلاء يقول: «لا تكفير لمؤمن مهما بلغت ذنوبه»، في حين يذهب آخرون إلى نعت «داعش» بـ «المبتدعة الجدد»، ويقتصر على وصف أفعالهم بأنها لا تتناسب مع أهل الإسلام. وثمة تصريح منسوب إلى العالم الأزهري ووكيل وزارة الأوقاف الأسبق الدكتور سالم عبدالجليل يؤكد فيه أنّ «الكفر حكم شرعي لا يتم إطلاقه سوى على شخص أنكر ركناً من أركان الدين، وهي 11 ركناً للإيمان والإسلام ومن يجاهر بإنكارها صراحة، تحق عليه لفظة (الكفر) شرعاً». وما دام «الداعشيون» لا ينكرون هذه الأركان الأحد عشر، فإنهم لا يزالون في حظيرة الإسلام، فالمقرر في أصول العقيدة الإسلامية، كما يقول بيان للأزهر: «إنه لا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحد ما أدخله فيه، وهو الشهادة بالوحدانية ونبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم».
إنني أقرأ في جريدة «الحياة» مقالات السيد برهومه بما يعرفني بسعة أساس مناقشاته للشؤون المختلفة، لكنني الآن أفاجأ بضعف تأهيله للبنى الأساسية لمصادر معرفته بالثقافة الإسلامية، فضلاً عن منطق التأصيل وصلته بالإجرام عموماً. فكل ما أورده السيد برهومه للدلالة على جمود الفكر الأزهري هو خروج عن الموضوع ولا صلة له بالجمود والانفتاح.
فالشيخ سالم عبدالجليل لا يعطينا في كلمته في التكفير فتوى شرعية، بل هو إقصاء لمسألة التكفير عن أي تأويل لأن الإيمان والكفر هما من خلق الله الأول للبشر يقول تعالى: «يُسَبِّحُ لله مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» [التغابن: 1- 2].
قال المفسرون: «منكم كافر ومنكم مؤمن» هذا تفصيل لبعض آثار قدرته، أي هو الذي خلقكم في هذا الشكل البديع الذي ترك للبشر خيار الإيمان والكفر في خلق الله لملكه السموات والأرض، فإرادة الإيمان والكفر هما أمران يرتبطان بالنظام الكوني حياةً وبعثاً في اليوم الآخر.
فهروب مثقفينا من «داعش» إلى فقر فهمنا لتراثنا هو قصور في حركتنا الفكرية والتعبوية في مواجهة الأخطار، وقد أدى ذلك إلى ضياع فلسطين في حرب يشنّها الاستعمار والصهيونية منذ بداية القرن العشرين وهي حرب لم تعد في خفاء عما يحصل من التحولات. هكذا، ضاعت فلسطين في ظل تبعية المشهد الدولي وغدا العراق وسورية في تقاسم لا قسمة لأحد فيه. ومن هنا، فالإرهاب كشعار أضحى شعاراً سياسياً في مواجهة العالم الإسلامي يقوم على التزوير في كل المعايير والمعاني الفكرية واللغوية.
والمفكر البارز عبدالوهاب المسيري، رحمه الله، أشار إلى هذا في كتابه «حوار حول الهوية والحركات الإسلامية» (ص 37) فكشف زيف ما يحصل اليوم في عالمنا.
هذه كلمة نسوقها لتكون في لجنة الحكماء في الأزهر الشريف وصية من حكيم إسلامي مفكر مرّ بنا سريعاً وخلف وصية للمعاني والأهداف المخفية في لعبة الأمم.
عمر المسقاوي
صحيفة الحياة اللندنية