اختلفت القرارات السياسية إزاء ما يسمونه اليوم «النزاع في سوريا»، ولكن ما يجري هناك اليوم هو أسوأ من النزاع والحرب، بل هو أكبر كارثة يعيشها المواطن السوري منذ قيام الجمهورية السورية. وأيضاً العالم يعيش اليوم إرهاباً مظلماً جراء هذه الكارثة.
أصبحت الأراضي السورية، للأسف، مصدراً من مصادر هذا الإرهاب، بسبب المنظمات الإرهابية التي تنتشر فيها، وتتغذى على الدماء والأشلاء، وتصدر الإرهاب إلى بلدان العالم، خاصة إلى الاتحاد الأوروبي.
واشنطن وروسيا اليوم لا تتفقان في مجلس الأمن، بل كل منهما يتهم الآخر «بالمزعج»، روسيا وبسبب تحالفها مع النظام السوري لمصالحها الإقليمية والدولية تؤجج الحرب في سوريا، وواشنطن تسعى للضغط على روسيا بمساعدة من مجلس الأمن.
الحلول ليست مبتكرة في سوريا، بل الحلول موجودة وفي متناول الجميع، وهي في كلمتين مختصرتين وهما «الالتزام»، و«الجدية»، أي أن تلتزم جميع الأطراف المشاركة في الحرب في سوريا بالقرارات الدولية والاتفاقيات، وأن تكون جادة فعلاً في دفع عجلة السلام والتسوية، ولا تكون كما قال الشاعر: «يعطيك من طرف اللسان حلاوة.. ويروغ منك كما يروغ الثعلب». وتبقى عيون العالم اليوم متجهة نحو واشنطن، وروسيا، ومجلس الأمن، لحل الأزمة السورية، ولكن إذا لم يجد الالتزام مكاناً في قراراتهم فإن الأزمة سوف تستمر.
الحرب في سوريا اليوم، وبعد دخول عامها السابع، خلفت كوارث بشرية مخزية، وقسمت دول العالم ما بين مؤيد للنظام السوري، وما بين معارض له، وأيضاً ما بين مؤيد ومعارض أي أن تؤيد اليوم وبعد فترة تعارض. فالتوازنات العالمية تختلف من حين إلى آخر في الدول باختلاف الضغوط الداخلية، أو الخارجية.
واشنطن في مرات عدة كانت تؤيد النظام السوري، واليوم هي من معارضيه بشدة، وتلعب أحياناً لعبة شد الحبل وإرخائه، الروس لم يتغير تأييدهم للنظام السوري، والسبب هو سياساتهم مع الدول المعارضة، ومحاولتهم لاسترجاع مصالح نفوذهم في منطقة الشرق الأوسط.
السماء اليوم ملبدة بغيوم حرب باردة بين أمريكا وروسيا. تسعى روسيا لاستعادة مكانتها الدولية، وهيبتها، وتشكيل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وإنهاء سياسة القطب الواحد التي تشكلت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، والتحول إلى قطب معادل للولايات المتحدة، وذلك بطبيعة الحال يلقى ممانعة شديدة من الولايات المتحدة، التي تعتبر التمدد الروسي تهديداً مباشراً على أمنها القومي، ولذلك تسعى إلى تقليم أظفار حلفاء روسيا في المنطقة، وأصبحت سوريا مسرحاً لهذا الصراع المحموم، والشعب السوري يدفع ثمنه من دمائه التي تنزف كل يوم.
الصراع بين هذه الدول اليوم يشكل خطراً كبيراً على مصلحة الشعب السوري الذي يعاني بمرارة وقهر من هذه الأزمة، فمن كان عمره أربع سنوات اليوم عمره إحدى عشرة سنة، يعيش في ظل ظروف قاسية حرمته من أبسط حقوقه، ومنها التعليم، إذ أصبحت الأمية شبحاً يهدد أطفال سوريا، ويدمر مستقبلهم، كما أن أكثر من 15 مليون سوري أصبحوا ضحايا العنف الدموي، بين قتلى ومفقودين، وجرحى ومعتقلين، ولاجئين ونازحين، بسبب الحرب والنزاع. الحرب التي لم تشهد غير إبادة الشعب السوري، والنزاع الذي لم يعرف غير صراع على السلطة.
أصبح مجلس الأمن مشلولاً تجاه الأزمة السورية، عاجزاً عن اتخاذ أي إجراء، لا يملك من أمره شيئاً سوى إدانة المجازر، من دون أي قدرة على تحرك فعلي لإيقاف شلال الدم، ووضع حد لأعمال العنف، والحرب، والإرهاب، وأصبح الوصول إلى موقف موحد تجاه الأزمة السورية ضرباً من الأحلام المستحيلة، بسبب الخلافات العميقة بين الدول الكبرى وتقاطع مصالحها وتنافسها.
تشكو منظمات الأمم المتحدة اليوم وبسبب هذا الصراع بين الدول الكبرى وبين المشاركين في الحرب في سوريا، حالة ضيق كبير وخانقة تعرقل وصول المواد الإغاثية والغذائية والدوائية للمناطق المحاصرة في سوريا. الشعب السوري الذي كان يصدر الغذاء إلى العالم اليوم يموت من الجوع بسبب الحصار الداخلي، والفقر الشديد والانقطاع في المياه والتيار الكهربائي والحرب التي لا ترحم.
على العالم توحيد جهوده وبجدية في تقديم الحلول السياسية لحل الأزمة في سوريا، لأن الخطر قد تحول إلى سرطان مميت، وبوابة لتصدير الإرهاب والبؤس والشقاء إلى الشرق الأوسط والعالم، وعلى الدول الكبرى أن تتحمل مسؤولياتها بشأن ما يجري في سوريا، وأن تدعم عملية السلام والاستقرار، وتدفع عجلة الحل السياسي لحلحلة الأزمة، قبل أن تزداد تعقيداً.
سلطان حميد الجسمي
صحيفة الخليج