القاهرة – تحاول حركة حماس الفلسطينية الخروج من مأزق داخلي وخارجي مزدوج عبر إصدار ميثاق جديد يبقي غالبية رؤاها السياسية كما هي، ويطرح تعديلات في نقاط قليلة، بعضها جوهري وبعضها الآخر شكلي.
وأجلت الحركة عقد مؤتمرها لمدة ساعتين بعد موعد مثول الجريدة للطباعة.
وتقول مصادر إن الحركة ستتخلى عن “تدمير دولة إسرائيل”، الذي كان أحد أسس العقيدة الإسلامية التي قامت عليها الحركة منذ تأسيسها عام 1988، وأبقتها على مقربة دائما من تنظيم الإخوان المسلمين.
ويبدو أن الخطوة تهدف إلى تحسين علاقات حماس مع الدول العربية الخليجية فضلا عن مصر التي تصنف تنظيم الإخوان المسلمين منظمة إرهابية. لكن التنظيم لن يكون له مكان في الوثيقة الجديدة التي ستنص على فك ارتباط الحركة بالإخوان المسلمين.
وهذه من بين النقاط الشكلية التي تحاول حماس تصديرها للعالم الخارجي، خصوصا بعد صعود يحيى السنوار، أحد المؤسسين الأكثر تشددا لكتائب عزالدين القسام، ليتولى المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة.
لكن تولي دونالد ترامب الشعبوي المعادي لتيارات الإسلام السياسي، الرئاسة في الولايات المتحدة شكل ضغطا على داعمين أساسيين للحركة، وعلى رأسهم قطر وتركيا.
كما تواجه حماس أزمة اقتصادية مضاعفة في القطاع، إثر تأخير السلطة الفلسطينية دفع رواتب الموظفين وتوقفها عن تزويد القطاع بالوقود اللازم لتوليد الكهرباء.
واتهمت الحركة رئيس السلطة محمود عباس باسترضاء إسرائيل قبيل زيارة مقررة له لواشنطن غدا.
وتواصل الوثيقة السياسية المعدلة رفض حق إسرائيل في الوجود ودعم “الكفاح المسلح” ضدها.
وخاضت حماس ثلاث حروب مع إسرائيل منذ 2007 ونفذت المئات من الهجمات المسلحة في إسرائيل وفي أراض تحتلها إسرائيل منذ تأسيس الحركة قبل ثلاثة عقود.
وسارعت إسرائيل بالقول إن حركة حماس “تحاول أن تخدع العالم بإصدار” الوثيقة التي تخفف من سياسة الحركة تجاه إسرائيل.
وقال دافيد كيز المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “حماس تحاول خداع العالم لكنها لن تنجح”.
ويأتي التحفظ الإسرائيلي رغم التكهنات بقبول الوثيقة الجديدة بإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، إذ تحاول حماس طرح نفسها كأحد الأطراف الأساسية في مفاوضات جديدة من المتوقع أن تتبناها إدارة ترامب بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
نسختان من حماس
ميثاق 1988
◄تدمير دولة إسرائيل
◄دولة فلسطينية على حدود 48
◄التماهي مع الإخوان المسلمين
ــــــــــ
وثيقة 2017
◄عقد سلام مع إسرائيل
◄دولة فلسطينية على حدود 67
◄فك الارتباط بالإخوان المسلمين
ويشترط هذا الدور تخلي حماس، المصنفة كتنظيم إرهابي في الولايات المتحدة، عن إصرارها على استعادة الدولة الفلسطينية وفقا لحدود عام 1948.
وإقامة دولة فلسطينية تضم قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية على حدود 1967 هو هدف حركة فتح بقيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وأجرت السلطة الفلسطينية بقيادة عباس محادثات سلام مع إسرائيل على هذا الأساس رغم أن آخر جولة من هذه المحادثات بوساطة أميركية انهارت قبل ثلاثة أعوام.
وقالت مصادر دبلوماسية إن مسؤولين من قطر وتركيا مارسوا ضغوطا على قيادات حماس لإجراء تعديلات على الميثاق التأسيسي للحركة، وشملت الضغوط أيضا التفاوض مع حركة فتح سعيا لحفاظ الدولتين على علاقات كقاعدة نفوذ مع السلطة الفلسطينية.
وبعد استعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، لعبت تركيا دورا بارزا في تخفيف لهجة حماس تجاه تل أبيب في الوثيقة الجديدة.
وأضافت “وضع حماس تحت السيطرة يتيح لهاتين الدولتين التأثير على المفاوضات المحتملة مع فتح وكذلك إسرائيل”.
وقطر وتركيا في أشد الاحتياج لدورهما الجديد في “ترويض” حماس من أجل توظيفها ضمن علاقات صعبة مع إدارة أميركية تشعر بالريبة تجاه الإسلاميين، ولا تبدو مستعدة لدعم حلفائها مجانا.
وخلال زيارتين متعاقبتين للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لواشنطن، تم الاتفاق على أن يضفي الراعون التقليديون من العرب شرعية على جولة المفاوضات الجديدة.
والأردن أحد أهم الأطراف التي تملك علاقات متوازنة مع غالبية الفصائل الفلسطينية. لكن مصر التي تعثرت مفاوضات تقارب أطلقتها العام الماضي مع حماس، مازالت تنتظر تقديم الحركة للمزيد من التنازلات.
وقالت المصادر “المفاوضات المصرية مع حماس تعثرت بعدما ألقت قطر بثقلها لمنع حماس من الوصول إلى اتفاق مع القاهرة”.
وكان الاتفاق ينص على سماح السلطات المصرية بمرور المزيد من شحنات الوقود ومواد البناء والأدوية وبضائع أخرى، في مقابل تقديم الحركة معلومات استخباراتية عن متشددين إسلاميين ينشطون في شبه جزيرة سيناء، ويستخدمون الأنفاق على الحدود مع قطاع غزة في الفرار من حملات مكثفة للجيش المصري في المنطقة.
وقال دبلوماسي رفيع في القاهرة لـ”العرب” إن “مصر كانت تسعى إلى استدراج حماس إلى طاولة المفاوضات من أجل إضعاف نفوذ قطر وتركيا في القطاع، لكن حماس تملصت في اللحظات الأخيرة”.
وكان المصدر الدبلوماسي يشير إلى ضغوط مارستها قطر على حركة حماس لمنعها من أي تقارب مع مصر، خصمها اللدود في المنطقة.
لكن قطر تجد نفسها اليوم في مأزق علاقات متشعبة مع تنظيمات إسلامية متشددة، وصعود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حليف قطر الأساسي في المنطقة، في صورة دكتاتور يواجه عزلة دولية، قد تنعكس على قطر، ومن ثم حماس.
العرب اللندنية