أسدل الستار الأحد على سباق انتخابات الرئاسة الفرنسية. وتدشن باريس على إثره ما يعتبره الخبراء الجمهورية السادسة والتي يتنافس على ترأسها قياديان سياسيان يحملان مشروعين متناقضين، إيمانويل ماكورن الذي اختار أن يكون وسطيا يؤمن بمبادئ فرنسا الديغولية. وماري لوبان المحافظة المتشددة الداعية لانغلاق فرنسا على ذاتها واختيار نهج الانعزالية لمواجهة التحديات الأمنية والدولية.
وتوقعت أغلب استطلاعات الرأي فوز ماكرون (39 عاما) وهو وزير سابق للاقتصاد في الدورة الثانية بنسبة تتراوح ما بين 61.5 و63 بالمئة. فيما توقع أن تحصل لوبان (48 عاما) المعارضة للهجرة وللعولمة على نسبة بين 37 و 38.5 بالمئة.
وعلى الرغم من التقدم المريح الذي يحظى به ماكرون في نوايا التصويت إلا أن جل الملاحظين شددوا على التحذير من تكرار السيناريوهات المفاجأة على غرار ما حدث في التصويت المفاجئ للبريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي والفوز الذي لم يكن مرجحا لدونالد ترامب في الولايات المتحدة.
الطريق إلى الإيليزيه: معطيات وتفاصيل
باريس- أدلى ما يقرب من 47 مليون ناخب فرنسي بأصواتهم الأحد، لاختيار الرئيس الفرنسي الجديد من بين المرشحين الرئاسيين الوسطي إيمانويل ماكرون واليمينية المتطرفة مارين لوبان.
كيف ينتخب الرئيس في فرنسا؟
ينتخب الرئيس الفرنسي بالاقتراع العام المباشر بتصويت على دورتين يعتمد الغالبية المطلقة، وذلك لولاية من خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. ولا تعترف فرنسا بالبطاقات البيضاء التي يبدي الناخبون من خلالها رفضهم الاختيار بين المرشحين. وعملا بقانون صادر عام 2014، تفصل البطاقات البيضاء وتحتسب وحدها بمعزل عن اللاغية وترفق بمحضر كل من مراكز الاقتراع، غير أنه لا يتم الأخذ بها لدى احتساب الأصوات.
من هم المرشحون؟
يترتب على الناخبين الاختيار بين مرشحين تصدرا الدورة الأولى في 23 أبريل الماضي، بعد استحقاق أطاح بالأحزاب التقليدية الكبرى. وأحرز إيمانويل ماكرون البالغ 39 عاما في الدورة الأولى نسبة 24,1 بالمئة من الأصوات، وتجاوز مارين لوبان البالغة 48 عاما والتي تحصلت على نسبة 21,30 بالمئة من الأصوات.
كيف يجرى الاقتراع؟
تعد لوائح الناخبين 46,97 مليون شخص بينهم 1,3 مليون يقيمون خارج فرنسا. وتفتح مراكز الاقتراع الـ66546 في فرنسا أبوابها الساعة 8:00 بالتوقيت المحلي وتغلقها في الساعة 19:00 مساء. وستبقى مراكز الاقتراع مفتوحة في بعض المدن الكبرى حتى الساعة 20:00. وبدأ التصويت اعتبارا من السبت في الأنتيل الفرنسية في بحر الكاريبي وغويانا (أميركا الجنوبية) وسان بيار إيه ميكلون (أرخبيل في أميركا الشمالية) وبولينيزيا الفرنسية (جنوب المحيط الهادئ).
وهي أول انتخابات رئاسية تجري في ظل حال الطوارئ التي أعلنت إثر اعتداءات 13 نوفمبر عام 2015 التي تبناها تنظيم الدولة الإسلامية. وينتشر أكثر من خمسين ألف شرطي ودركي وجندي لضمان الأمن يوم الاستحقاق الانتخابي بينهم 12 ألفا في منطقة باريس.
متى تصدر النتائج؟
يحظر القانون الفرنسي نشر أي نتائج باستثناء تلك المتعلقة بنسب المشاركة، قبل انتهاء عمليات التصويت في تمام الساعة 20:00 لتفادي التأثير على الناخبين، لكن إغلاق بعض مكاتب الاقتراع في وقت لاحق يعقد عمل مؤسسات الاستطلاعات التي تنشر تقديراتها استنادا إلى النتائج الجزئية لفرز الأصوات. ويتم تحديث التقديرات الأولية بشكل منتظم خلال المساء مع فرز الأصوات تباعا حتى إعلان النتيجة النهائية. ولم ينتخب أي مرشح من الدورة الأولى منذ اعتماد فرنسا نظام الاقتراع العام المباشر عام 1962.
الرؤساء السابقون:
الرؤساء الذين انتخبوا منذ إعلان الجمهورية الخامسة في 1958:
* فرنسوا هولاند (اشتراكي) (2012-2017).
* نيكولا ساركوزي (يميني) (2007-2012).
* جاك شيراك (يميني) (1995-2007). امتدت ولايته الأولى 7 سنوات والثانية 55 سنوات.
* فرنسوا ميتران (اشتراكي) (1981-1995)، حكم ولايتين من سبع سنوات.
* فاليري جيسكار ديستان (يمين الوسط) (1974-19811)، ولاية واحدة من سبع سنوات.
* جورج بومبيدو (يميني) (1969-1974)، توفي قبل سنتين من انتهاء ولايته.
* شارل ديغول (يميني) (1959-1969) انتخبته هيئة ناخبة لولاية أولى من سبع سنوات، ثم أعيد انتخابه بالاقتراع العام المباشر في 1965. استقال بعدما هزم في استفتاء في العام التالي.
وأبدى عدد من الملاحظين قبل ساعات من انطلاق الاقتراع مخاوف من التأثيرات المحتملة لنسب المقاطعة والامتناع عن التصويت، وكذلك استخدام الورقات البيضاء خاصة مع تباين تحليلات استطلاعات الرأي في تقدير انعكاساتها على مسار التصويت وصعوبة تحديد نسبتها الإجمالية.
وتسيطر على المعسكر الداعم لماكرون هواجس من استفادة المرشحة مارين لوبان من نسبة مقاطعة مؤثرة خلال الدور الثاني، أو استعمال واسع لخيار الورقة البيضاء من طيف كبير من الناخبين ما قد يتسبب في خسارة ماكرون لنسبة هامة من الأصوات المحتملة على حساب منافسته اليمينية المتطرفة. ويرجّح المراقبون اختيار عدد كبير من الناخبين اعتماد الورقة البيضاء، وهو موقف سياسي يعبّر عن رفضهم للمرشحين.
وكان عدد من المترشحين خلال الدور الأول قد أحجموا عن إعلان دعمهم لماكرون أو الدعوة لعدم التصويت للوبان تاركين الخيار لأنصارهم وقواعدهم الشعبية على غرار المرشح اليساري جان لوك ميلانشون، وهو ما اعتبر دعوة ضمنية لاستعمال الورقة البيضاء بحسب خبراء في المشهد السياسي.
وتوقعت استطلاعات الرأي تسجيل نسبة مشاركة في حدود 68 بالمئة من نحو 47 مليون ناخب في حين تكتسي نسبة المشاركة أهمية بالنسبة إلى نتيجة الاقتراع. وكانت نسبة المشاركة في الدور الأول بلغت قرابة 69.4 بالمئة وهو معدل أقل بنقطة واحدة عن النسبة المسجلة سنة 2012 خلال نفس الدور.
تقاليد الإنتخابات الفرنسية
كشفت وزارة الداخلية الفرنسية أن نسبة المشاركة في التصويت بلغت إلى حدود منتصف نهار الأحد 28.23 بالمئة، وهي نسبة تقارب المعدل المسجل خلال الدور الأول أيضا خلال نفس التوقيت. فيما بلغت نسبة المشاركة قبل ثلاث ساعات من اغلاق مكاتب التصويت 65.30 بالمئة. ونقلت وسائل إعلام فرنسية عن استطلاعات آراء جزئية أن نسبة المقاطعة بلغت 26 بالمئة.
ولفت الخبراء أن تقاليد الانتخابات الفرنسية دائما ما تتميز بضعف الإقبال خلال الفترة الصباحية، فيما تشهد الساعات الأخيرة نسب مشاركة قياسية، مذكرين أن معدلات التصويت في الدور الثاني للانتخابات الفرنسية دائما ما تتراوح تاريخيا ما بين السبعين والثمانين بالمئة.
وأفادت وسائل إعلام فرنسية أن عمليات الاقتراع التي انطلقت السبت لفائدة الجاليات الفرنسية بالخارج وبالمقاطعات الفرنسية في ما وراء البحار شهدت إقبالا كثيفا وموسعا وسط ترجيحات بأن أغلب الأصوات ذهبت لفائدة المرشح الوسطي الشاب ماكرون.
وقال أحد الناخبين الفرنسيين الذين أدلوا بصوتهم في كندا للصحافة الفرنسية “نحن بين مشروعين، الأول يريد أن يعيد لفرنسا دورها الفاعل والريادي بالاتحاد الأوروبي ويحقق انتعاشة اقتصادية ويحد من الأزمات الاجتماعية والثاني ذو نزعة متطرفة وانعزالية لا تخلو من الفاشية”.
وتوقّع عدد من الملاحظين آن تلعب أصوات المسلمين والفرنسيين المنحدرين من جذور أصول عربية وأفريقية دورا محددا وحاسما في ترجيح الكفة لفائدة ماكرون. ويشارك بالتصويت حوالي خمسة ملايين مسلم فرنسي وقرابة مليونين من المنحدرين من أصول عربية ومثلهم من الفرنسيين الأفارقة.
وتتميز هذه الانتخابات بكونها المرة الأولى منذ قرابة ستين عاما التي يغيب فيها اليسار واليمين الأحزاب التقليدية الفرنسية، ممثلين بالحزب الاشتراكي والحزب الجمهوري عن الدورة الثانية.
ويؤكد كل من ماكرون ولوبان أنهما يمثلان مسارا للتجديد في المشهد السياسي الفرنسي من خلال أطروحات وبرامج متباينة، فبينما يدافع ماكرون عن حرية التجارة وتعميق الاندماج الأوروبي، تدين لوبان العولمة المتوحشة والهجرة وتدافع عن سياسة حمائية ذكية.
ودعت أغلب الأحزاب السياسية الكبرى من اليمين واليسار بعد الدورة الأولى للاصطفاف خلف ماكرون وسدّ الطريق على الجبهة الوطنية في غياب تعبئة شعبية وعدم وضوح موقف اليسار الراديكالي الذي يرفض بعض المنتمين إليه الاختيار “بين الطاعون والكوليرا”. وجدد الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته فرنسوا هولاند الدعوة إلى اختيار من اعتبره الأجدر لقيادة البلاد في المرحلة المقبلة ملمحا إلى ضرورة الاصطفاف وراء ماكرون.
وقال هولاند بعد الإدلاء بصوته في تصريح صحافي لقناة فرنسية “يجب أن يتسلم الراية شخصا قادرا على قيادة فرنسا في المرحلة القادمة خاصة في ظل التحديات التي تنتظرنا”.
وأضاف هولاند “يتوجب أن يكون الرئيس القادم قادرا على الحفاظ على الإنجازات التي حققناها والإضافة إليها خلال السنوات الماضية كانت هناك صعوبات على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي لكننا تمكننا من تحقيق عدة أشياء ايجابية”.
وأعلن ماكرون الجمعة الماضي اختياره لرئيس وزرائه الذي لم يكشف عن اسمه وأنه يعمل على تشكيل فريقه الحكومي. ويعكس تصريح المرشح بحسب المتابعين والذي سيكون أصغر رئيس فرنسي في حال انتخابه رسالة سياسية للمعسكر المنافس أن فوزه في الدور الثاني يعدّ امرأ شبه محسوم فضلا عن محاولة لرفع معنويات أنصاره وتحفيز الأصوات المساندة له.
وسيتعيّن على رئيس الوزراء الجديد الإشراف على حملة الانتخابات التشريعية المقررة في شهر يونيو القادم بهدف تأمين الأغلبية للرئيس الجديد.
قرصنة في اللحظة الأخيرة
شهد اختتام الحملة الانتخابية جدلا كبيرا بعد نشر مواقع التواصل الاجتماعي العشرات من آلاف الوثائق الداخلية لفريق ماكرون الانتخابي عبر رابط نشره موقع ويكيليكس وقام اليمين المتطرف بترويجه عبر تويتر.
وصرح ممثلون عن حملة ماكرون أن الوثائق التي تمت قرصنتها قانونية في مجملها ولا تحتوي أي إخلالات أو مضامين مخالفة على الرغم من إشارتهم إلى إمكانية “دس وثائق ومعطيات مزوّرة” ضمن المعلومات والوثائق المسرّبة بهدف التشويش على ماكرون قبل ساعات من التصويت.
وأكد البيان الصادر عن حزب “إلى الأمام” أن الوثائق التي تمت قرصنتها هي “رسائل إلكترونية” أو “وثائق مالية” وكلها “شرعية” لكن أضيفت إليها “وثائق مزوّرة لإثارة الشكوك والتضليل”.
وتداولت البعض من المصادر الصحافية معلومات عن فرضية وقوف جهات استخبارية روسية وراء عملية التسريب عن طريق اختراق منسق ومعد من جانب عدد من القراصنة الروس لحسابات حملة ماكرون وأنظمة البريد الإلكترونية للمسؤولين عنها بهدف إرباك حظوظ المرشح الوسطي.
وترجح البعض من المصادر القريبة من حملة ماكرون فرضية دور روسي في العملية على الرغم من غياب أيّ دليل يؤكد هذه الفرضية، إلا أن سيناريو العملية الذي يشبه ما تعرضت المرشحة للانتخابات الأميركية السابقة هيلاري كلينتون يجعل الاحتمال قائما.
ودعت اللجنة الانتخابية وسائل الإعلام إلى الامتناع عن إعادة نشر الوثائق التي قالت إنه “تم الحصول عليه بطريقة الاحتيال وأضيفت إليها معلومات كاذبة”. وصرح فلوريان فيليبو، نائب رئيسة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، عبر موقع تويتر إلى أن “التسريبات قد تتضمن معلومات حاولت وسائل الإعلام طمسها”.
وشهدت الدورة الثانية إجراءات أمنية مشددة مع نشر نحو 50 ألف شرطي وجندي في ظل حالة الطوارئ السارية منذ 2015 والاعتداءات الإرهابية التي أوقعت 239 قتيلا في فرنسا.
وأشار مراقبون إلى أن السلطات الأمنية نجحت في تجنيب البلاد اعتداء جديدا قبل بدء التصويت خلال الدور الثاني بعد الإعلان عن اعتقال متطرف بايع تنظيم الدولة الإسلامية قرب قاعدة عسكرية جوية في إيفرو (حوالي مئة كلم شمال غرب باريس) كان يخضع منذ 2014 للمراقبة بسبب تطرّفه.