بـ«التاريخية» تصف وسائل الإعلام التركية الزيارة المرتقبة للرئيس رجب طيب أردوغان إلى واشنطن ولقاءه الأول مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب، وذلك انطلاقاً من أهمية الملفات المدرجة على جدول مباحثات الزعيمين التي من المتوقع أن تعطي نتائجها إجابات جوهرية وحاسمة لأبرز الملفات العالقة بين الجانبين.
أبرز هذه الملفات يتمحور حول الموقف الأمريكي النهائي من الإستراتيجية الجديدة في الحرب على الإرهاب وخاصة الخطط النهائية لمعركة الرقة المقبلة وما إن كان ترامب سيمنح تركيا أي دور رئيسي في المعركة على حساب الوحدات الكردية أم أن واشنطن سوف تواصل اعتمارها الرئيسي على وحدات حماية الشعب الكردية كما يبدو حتى الآن، بالإضافة إلى الإطلاع على موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من الطلب التركي بتسليم فتح الله غولن المتهم بتدبير وقيادة محاولة الانقلاب إلى تركيا.
وتعول تركيا بشكل كبير على هذه الزيارة التي ستجري منتصف الشهر الحالي بناءاً على اتصالين هاتفين جريا سابقاً بين أردوغان وترامب وصفا بـ«الإيجابيين» وأن أردوغان لمس في ترامب «إرادة مختلفة» وهو شعور تأمل تركيا بقوة وتضع جميع آمالها عليه لكي يفتح لها آفاق جديدة من التعاون مع واشنطن بعد سنوات طويلة من خيبات الأمل المتلاحقة التي تلقتها من قبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
عملية الرقة
على الرغم من أن جميع المعطيات على الأرض تؤشر على الموقف الأمريكي المتمثل في الإصرار على الاعتماد على الوحدات الكردية في الحرب على الإرهاب في شمالي سوريا، إلا أن أنقرة ما زالت تضع آمالاً كبيرة على إمكانية حصول تغير ولو جزئي في الموقف الأمريكي.
وحسب التصريحات المتتالية التي أطلقها أردوغان وكبار المسؤولين الأتراك مؤخراً، يتضح أن الوفد التركي سيعطي مساحة واسعة جداً من مباحثاته لمحاولة إقناع الإدارة الأمريكية الجديدة بأن قوات سوريا الديمقراطية تتكون في معظمها من وحدات حماية الشعب الكردية التي تقول أنقرة إنها تمثل الامتداد الطبيعي لتنظيم العمال الكردستاني الإرهابي وأنهما يشكلان سوياً تهديداً كبيراً على الأمن القومي التركي.
وقبيل أسابيع قدمت وزارة الدفاع ورئاسة أركان الجيش التركي خططاً ومقترحات للقيام بعملية الرقة بالاستعانة بقوات التحالف والجيش التركي ومقاتلي المعارضة السورية المعتدلة.
وقال أردوغان قبل أيام إن أمريكا وتركيا قادرتان على تحويل الرقة إلى مقبرة لتنظيم الدولة لو تعاونتا في هذا الإطار، لكن وطوال هذه الفترة واصل التحالف بدعم الوحدات الكردية التي اقتربت من حسم معركة الطبقة في طرقها لمهاجمة الرقة.
وفي إطار التحضيرات الواسعة للزيارة، بحث رئيس هيئة أركان الجيش التركي خلوصي أكار مع نظيره الأمريكي جوزيف دونفورد، مساء السبت، ملفات مكافحة الإرهاب والتطورات في سوريا والعراق، وذلك بحضور رئيس هيئة الاستخبارات التركية هاكان فيدان والمتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن، في واشنطن.
وفي ظل تراجع الأمل التركي في قبول واشنطن بخطط تتضمن استبعاد الوحدات الكردية من عملية الرقة بشكل كامل، تأمل أن تتوصل إلى تفاهمات تقلل من خسائرها في هذا الإطار ومنها محاولة اقناع إدارة ترامب بالاعتماد على القوات العربية المنضوية تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية إلى جانب الجيش السوري الحر، أو الحصول على ضمانات بانسحاب جميع الوحدات الكردية من المدينة عقب طرد تنظيم الدولة منها.
منبج والوحدات الكردية
لكن لأنقرة «ماضي مرير» مع الضمانات الأمريكية التي لم تلتزم بها واشنطن، ويبرز في هذا الإطار الضمانات التي قدمتها إدارة أوباما لتركيا بانسحاب الوحدات الكردية من مدينة منبج السورية عقب طرد تنظيم الدولة منها وهو ما لم يتم تطبيقه حتى اليوم، بل إن القوات الأمريكية التي انتشرت في المدينة شكلت مانعاً عسكرياً أمام الجيش التركي الذي كان عازماً على دخولها وطرد الوحدات الكردية منها إلى شرقي نهر الفرات.
وبينما تؤشر المعطيات العسكرية على الأرض إلى استحالة قيام الجيش التركي بعملية عسكرية في منبج نظراً لوجود قوات أمريكية وروسية على أطرافها، يأمل أردوغان خلال لقاءه مع ترامب الحصول على وعود أمريكية بالطلب من الوحدات الكردية الانسحاب من المدينة وتشكيل مجلس محلي لإدارتها دون دخول الجيش التركي إليها أو إبقاء العناصر العربية في قوات سوريا الديمقراطية فقط بالمدينة.
كما ستمتد المباحثات لتشمل الموقف الأمريكي من الارتباط بين الوحدات الكردية التركية والسورية واحتجاج أنقرة على وصول الأسلحة الأمريكية من سوريا إلى تنظيم العمال الكردستاني في العراق وتركيا، ومنع الاصطدام مع واشنطن من خلال إطلاعها على خطط الجيش التركي لتنفيذ عمليات جوية ضد المسلحين الأكراد في سنجار بالعراق وشمالي شرق سوريا كما حصل قبل أيام، بالإضافة إلى احتمال القيام بعملية برية في سنجار ومناطق كـ»تل أبيض» السورية على الحدود مع تركيا.
وأرسل الجيش الأمريكي، السبت، 250 جنديًا و48 آلية عسكرية من العراق إلى مناطق سيطرة الوحدات الكردية في سوريا حسب تغريدة نشرها حساب الجيش على «تويتر». فيما قالت وكالة الأناضول التركية الرسمية إن الولايات المتحدة الأمريكيّة أرسلت 22 شاحنة محملة بالأسلحة والذخائر والآليات العسكرية إلى «إرهابيي بي كي كي على خلفية القصف التركي على مواقع الأخيرة في شمال سوريا قبل أيام».
وفي زحمة الملفات السياسية والعسكرية المرتبطة بالأوضاع في سوريا والعراق، يحمل الرئيس التركي في جعبته مطلب جوهري يتمثل في الطلب مجدداً من إدارة ترامب تسليمها فتح الله غولن العدو اللدود لأردوغان والمتهم بالتخطيط وقيادة محاولة الانقلاب التي جرت منتصف العام الماضي في تركيا.
وطول الأشهر الماضية حاولت أنقرة مراراً مع إدارة أوباما تسلمها غولن وأرسلت الحكومة التركية وزرائها محملين بعشرات الملفات التي تقول إنها تثبت علاقة غولن بمحاولة الانقلاب لكن دون جدوى، وتتوقع أنقرة أن تحصل لأول مرة على موقف رسمي من إدارة ترامب حول هذا المطلب.
وفي هذا الإطار استبق وزير العدل التركي بكير بوزداغ، الأحد، أردوغان إلى واشنطن، حيث يلتقي اليوم الاثنين نظيره الأمريكي جيف سيشنز لبحث هذا الملف، وقالت مصادر تركية إن الوزير سيبحث في واشنطن 4 ملفات متعلقة بإعادة تسليم «غولن»، إلى جانب أدلة جديدة سيعرضها حول وقوف «غولن» وراء الانقلاب الفاشل. كما سيطلب الوزير التركي حبس «فتح الله غولن» مؤقتًا، حسب اتفاقية إعادة المجرمين الموقعة بين تركيا والولايات المتحدة، وسط غموض في موقف ترامب من هذا الملف وعدم تفاؤل تركي بحصول اختراق قد يؤدي فعلياً إلى إعادة تسليم «غولن».