بداية، إن الدولة الفلسطينية على كامل حدود عام 1967 ليست معروضة على شعبنا، و لن تُعرض مطلقاً من قبل هذا العدو الصهيوني الذي ما زال يحلم بمشروع دولته الكبرى. ثانياً، لماذا إذن أخرجت حماس وثيقتها الجديدة إن لم تتضمن تغييراً في استراتيجيتها؟ كما يحاول بعض قيادييها ومؤيديها الترويج، فمبجرد القول إن الوثيقة عدّلت من أطروحات حماس الأولى، فمعنى ذلك: «افهم أيها العالم، أننا أصبحنا نوافق على تسوية سياسية، ما دامت الهدنة (التهدئة) قائمة بين العدو وسلطتنا في القطاع».
في تحليل مضامين أية خطوة، علينا أخذها في السياق الزمني والظروف التي جاءت فيها. المقصود القول، إننا نعيش تنكراً صهيونياً لإقامة دولة فلسطينية حتى على 60% من أراضي الضفة الغربية، وهي أيضاً قابلة للتآكل بفعل الاستيطان الصهيوني الذي تضاعف عشرات المرات بعد توقيع اتفاقيات أوسلو الكارثية.
كذلك، فإن الطرف الرسمي الفلسطيني أعلن استعداده لتعديل حدود عام 1967. وإن الأحزاب الصهيونية مجتمعة اتفقت على اللاءات الخمس التي أصبحت ستاً (وهي قابلة للزيادة): لا انسحاب من القدس، لا لعودة اللاجئين، لا للانسحاب من كامل حدود 67، لا دولة فلسطينية كاملة السيادة، ومن حق قوات الاحتلال التواجد على أراضي هذه الدولة حمايةً للأمن «الإسرائيلي»، لا انسحاب من التجمعات الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية.أما الشرط الجديد فهو ضرورة اعتراف الفلسطينيين ب «يهودية «إسرائيل»».
إن القبول بدولة فلسطينية على حدود 1967هو الجزء من بيان حماس الموجه للمجتمع الدولي والكيان، أما الجزء الموجه للمواطن الفلسطيني والعربي فيقول: لا تنازل عن أي جزء من أرض فلسطين مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط. ليس غريباً أن تقبل حماس بدولة فلسطينية على حدود 1967، فقد قبلت بدولة على حدود قطاع غزة، وعقدت مع الكيان هدنة مفتوحة سمتها تهدئة. ترى ماذا تقول حماس إذا أعلنت فتح قبولها بدولة فلسطينية في الضفة الغربية فقط، وهل يصبح هذا هو المقصود بحل الدولتين، الدولة في الضفة الغربية والأخرى في قطاع غزة؟. وبرغم تشديدها على فك ارتباطها ب «الإخوان المسلمين» فإن خطوة عملية أو سياسية واحدة لم تقم بها حماس لتأكيد هذا الادّعاء.
نعم، لقد بات خطر تصفية القضية الفلسطينية ماثلاً أمام الجميع، ليس فقط بوصول ترامب إلى البيت الأبيض وإعلانه الاستعداد لعقد «صفقة القرن» بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» على قاعدة «إسرائيل دولة يهودية» وأن زمن معاقبتها والتنكيل بها وتهديدها سياسياً ودبلوماسياً قد ولّى، وإنما أيضاً في اعتبار أن الفلسطينيين يخوضون ضدها «إرهاباً منظمّاً» يجب أن يتوقف إذا ما أرادوا أن يجِدوا لأنفسهم مقعداً على طاولة المفاوضات.
أما ما جاء في الوثيقة حول «رفض حماس لجميع الاتفاقيات والمبادرات ومشاريع التسوية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية» فهي مجرد عبارات إنشائية، إذا ما أدركنا أن قيام الدولة الفلسطينية (غير الوارد حالياً) على خطوط العام 1967 هو جزء من اتفاقيات أوسلو التي ترفضها حماس.
إن تصفية المواثيق السابقة ستقود حتماً إلى التنازلات المجانية من دون ثمن مقابل! وإن التعامل مع شعار «إنقاذ ما يُمكن إنقاذه» لم يحم الأرض الفلسطينية من الاستيطان! فلا شيء عملياً من الأرض الفلسطينية بقي لنا سواء لإقامة دولة عليه أو لمنع سنّ مشروع قرار جديد سيحسمه الكنيست الصهيوني إيجاباً بحكم تركيبته، بضم ما تبقّى من أراض فلسطينية معزولة، سواء في مناطق ( A) و(B) وتلك المصنفة (C) وهي تشكل 60% من أراضي الضفة الغربية.
لقد ذكرت حماس في ميثاقها القديم أن معركتنا مع اليهود كبيرة وخطيرة، وتحتاج إلى جميع الجهود المخلصة، وأيضا «أن قضية فلسطين هي قضية دينية»، وأكدت على «حتمية هزيمة اليهود، تماماً كما كانت هزيمة الصليبيين». أما الوثيقة الجديدة فتؤكد على العداء للصهيونية وليس اليهود! ومع أني لست ضد هذا التجديد في الفهم تحديداً، لكن كم من اليهود في الكيان ضد إقامة دولتهم؟ إنهم أفراد قلائل! كذلك فإن كافة التجمعات التقدمية اليهودية ضد إلغاء دولة الكيان، وهي مع حل الدولتين غير القابل للتطبيق وهو ما يخالف استراتيجية حماس السابقة.
نعم، هل تغيّرت العناوين والمضامين فعلياً؟ أم أن الظروف الراهنة تستدعي التلاعب المتواصل بالمُفردات والمُصطلحات والأوصاف من قبل إخوتنا في الحركة؟. المطلوب فلسطينياً، إعادة الصراع إلى المنطلقات الأولى للفصائل في تحرير كامل التراب الفلسطيني.
د.فايز رشيد
صحيفة الخليج