تحفظت المستشارة أنجيلا ميركل وحزبها المسيحي الديمقراطي على دعوة أطلقها وزير الخارجية الألماني زاغمار غابرييل لتأسيس صندوق استثمار مشترك بين بلاده وفرنسا لمساعدة الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون على الفوز بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية المقررة في يونيو/حزيران المقبل.
وأعلن غابرييل -الذي يشغل أيضا منصب نائب المستشارة أنجيلا ميركل برئاسة الحكومة الألمانية- خلال توقيع كتابه الجديد “مقاسات جديدة” في برلين بحضور رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، أنه سيقدم تفاصيل الصندوق المقترح خلال أيام، واعتبر أن برلين والاتحاد الأوروبي مطالبان بفعل كل شيء لإنجاح ماكرون “لأن فشله سيعزز فرص زعيمة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية القادمة”.
ورأى وزير الخارجية الألماني أن بلاده مطالبة الآن بتقديم مقابل لتمهيد فرنسا الطريق لها في الماضي لتصبح الأولى عالميا في الصادرات، وقال إن ألمانيا مطالبة بالتخلي عن تشددها “الأرثوذكسي” بشأن معايير الاستقرار المالي وإجراءات التقشف المطلوبة من دول منطقة اليورو المأزومة ومن فرنسا.
وأوضح أنه أبلغ أنجيلا ميركل أن السماح لفرنسا بزيادة مستوى العجز في ميزانيتها بنسبة 0.5% يعتبر خسارة أقل فداحة لألمانيا من وصول لوبان لسدة الرئاسة الفرنسية.
ميركل و”يوروبوند”
من جانب آخر، دعا غابرييل ألمانيا للتوقف عن “ترديد القصص الخاطئة بالادعاء أنها تتحمل الأعباء الرئيسية للاتحاد الأوروبي في حين أنها تحقق مكاسب خالصة من وجوده”.
ولاقت دعوة غابرييل لتأسيس صندوق ألماني فرنسي للاستثمار انتقادا من وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله وشتيفان زايبرت المتحدث باسم المستشارة أنجيلا ميركل.
وقال شويبله -وهو من قيادات الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم- عبر المتحدثة باسمه للصحفيين إن الصندوق المقترح فكرة تخص زميله وزير الخارجية وحده.
وانتقد الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري -الشريك الثالث بحكومة ميركل- مقترح غابرييل، معتبرا أنه “يمثل وصفة ثبت فشلها في السابق، ويتمحور على ضخ استثمارات ضخمة أساسها القروض بفرنسا”.
وكرر شتيفان زايبرت خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي للحكومة الألمانية كلام شويبله، معتبرا أن الصندوق مبادرة من غابرييل ولم يتم التوافق عليها داخل الحكومة الألمانية.
ولم يتحدث زايبرت عن تقييم ميركل لفكرة هذا الصندوق، لكنه شدد على استمرار رفض المستشارة الألمانية للدعوة لإصدار سندات ديون خاصة بمنطقة العملة الأوروبية الموحدة.
وكانت ميركل قد أكدت عام 2012 أنها لن تسمح بإصدار سندات ديون خاصة بمنطقة اليورو ما دامت حيّة، ومن شأن إصدار هذه السندات المعروفة بـ”يوروبوند” أن يتيح لدول منطقة اليورو الحصول على قروض طويلة من الأسواق المالية وسدادها وتحمل تبعاتها بشكل جماعي.
ومثلت الدعوة لإصدار هذه السندات أحد محاور البرنامج الاقتصادي الانتخابي للرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون.
فوائض مالية
وإضافة لتعهده بهذا البرنامج بإجراء خفض كبير في النفقات الحكومية وإطلاق برنامج استثمار بالمليارات، دعا الرئيس الفرنسي الجديد لإنشاء ميزانية موحدة وتعيين وزير مالية واحد بمنطقة اليورو، وإقامة صندوق نقد أوروبي مماثل لصندوق النقد الدولي.
من جانبه، انتقد رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر -خلال مشاركته في توقيع صدور كتاب وزير الخارجية الألماني- إنفاق الفرنسيين ما بين 53% و57% من ناتجهم القومي السنوي لخدمة ميزانيتهم العامة وأعباء ديونها وعجزها، واعتبر أن تعيين وزير مالية واحد لمنطقة اليورو فكرة لا يمكن اتفاق دول المنطقة عليها.
وقال يونكر إن دعوة الرئيس الفرنسي الجديد لألمانيا خفض صادراتها وفوائضها المالية لا تهدف للإضرار بقدرة ألمانيا التنافسية أو تحطيم نموذجها الاقتصادي، ولفت إلى أن مصلحة الاستقرار المالي بالاتحاد الأوروبي تتطلب تخفيض ألمانيا ما تجنيه من فوائض مالية سنوية.
وفي السياق، انتقد وزير الخارجية الألماني استمرار بلاده بتراكم فوائضها المالية المرتفعة، وأشار إلى أنالاتحاد الأوروبي يعتبر أن تحقيق أي دولة من أعضائه فوائض مالية سنوية تزيد عن 66% من إجمالي ناتجها القومي يمثل مشكلة لاستقراره المالي.
ولفت غابرييل إلى أن ألمانيا حققت العام الماضي فوائض مالية بنسبة 8.3% من إجمالي ناتجها السنوي، وفي عام 2015 بلغت النسبة 6.8%، وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد انتقد بدوره الفوائض المالية الكبيرة التي تحققها ألمانيا سنويا.
خالد شمت
الجزيرة