مر، في 15 من مايو/ أيار الحالي 69 عاماً على ذلك اليوم الذي أعلن فيه بن غوريون قيام دولة العدو الإسرائيلي على أرض فلسطين، واندلعت حرب فلسطين الأولى، عقب ذلك الإعلان. وانتهت، كما هو معروف، بهزيمة الأطراف العربية المشاركة فيها، وتكريس وجود الدولة العبرية في إطار خطوط الهدنة التي تحدّدت عبر مفاوضاتٍ منفردة بين دولة العدو الإسرائيلي وكل من الدول المشاركة في الحرب والمحيطة بها، مصر والأردن وسورية ولبنان.. مع غياب تام لأي تمثيل فلسطيني، أو ذكر لقيام دولة عربية فلسطينية. وللأسف، فشلت كل الجهود التي تم بذلها في ذلك الإطار، وآخرها كان إعلان تشكيل حكومة عموم فلسطين في غزة، وقد ترأسها أحمد حلمي باشا. ولكن تم إحباط ذلك المشروع، عبر مؤتمر أريحا الذي ضم أعيان الضفة الغربية، وانتهى بطلب إلى ملك الأردن عبد الله الاندماج في دولة شرق الأردن، وهو ما تم بالفعل، وتم إعلان ضم الضفة الغربية إلى الأردن في إطار المملكة الأردنية الهاشمية، بينما بقي قطاع غزة تحت الإدارة المصرية، وتقرّر تعيين أحمد حلمي باشا ممثلا “لعرب فلسطين” في جامعة الدول العربية، وهي الصفة التي كان يُعرف بها المندوب الفلسطيني.
وهكذا تم إسدال الستار على المشهد المعروف بمشهد “النكبة”، والذي تلته مشاهد عديدة خلال ما عُرفت بجولات الصراع العربي – الإسرائيلي للنكسة والوكسة، حتى وصلت القضية إلى ما هي عليه الآن، وهو الحال الذي نقصده بالوكسة. يحتل العدو الإسرائيلي كامل الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس، ويفرض حصاراً محكماً على قطاع غزة، أو ما يمكن تسميته “الاحتلال من الخارج”. والوضع الفلسطينى منقسم بشكل مأساوي، سلطة حكم ذاتي مؤقت في الضفة الغربية، على أساس اتفاقيات أوسلو التي أعطت لدولة العدو الإسرائيلي اعترافاً فلسطينيا من منظمة التحرير الفلسطينية، في مقابل قيام المنظمة بدور الحارس من الباطن باعتبارها مجرد مجلس إدارة للأراضي والسكان، ورئيسها رئيساً للمجلس (chairman)، يعمل في تنسيق تام مع حكومة دولة الاحتلال، أي مجرد حكم ذاتي مقيد ومؤقت إلى حين النظر في الموضوع، ولم ترد أي إشارة إلى دولة فلسطينية، أو حقوق للشعب الفلسطيني، على أي الأحوال.
ليس المقام هنا استعراض مسيرة القضية الفلسطينية، ولكنها مقدمة ضرورية للحديث عن حركة حماس، ووثيقتها السياسية الجديدة التي أعلنها رئيس المكتب السياسي السابق للحركة، خالد
مشعل. وهي التي تأسست باسم حركة المقاومة الإسلامية، من رحم تنظيم الإخوان المسلمين في فلسطين، بزعامة الشيخ أحمد ياسين الذي اغتاله العدو الإسرائيلي في العام 2004. وجاء إعلان تأسيس الحركة في عام 1987 مع انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى. ولم تنضو “حماس” تحت عباءة منظمة التحرير الفلسطينية، وعارضت مسار أوسلو واتفاقياته، وأعلنت المقاومة نهجاً لتحرير فلسطين، كل فلسطين، واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني كاملة. وشكلت الحركة جناحاً عسكريا تحت اسم كتائب عز الدين القسام، وخاضت الحركة، منذ تأسيسها، معارك وحروباً عديدة مع العدو الإسرائيلي، ولم تتوقف عن النضال السياسي في الداخل الفلسطيني وفي الخارج، حتى اكتسبت مكانةً كبيرة في وجدان الشعب الفلسطيني، بل في وجدان الشعوب العربية، بوصفها رمزاً للمقاومة، والتمسّك بالثوابت الوطنية، والقومية، وأيضاً الدينية، المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ولكن المهم أن الموقف الفلسطينى انتهى إلى ما هو عليه الآن من انقسام حاد بين السلطة الفلسطينية في رام الله وحركة حماس في قطاع غزة المحاصر.
في ظل تلك الظروف، وفي أجواء المتغيرات الإقليمية، والدولية الحادّة التي تعاني منها المنطقة، وفي مقدمها الاستراتيجية الأميركية الجديدة التي يتبناها ترامب وإدارته بالنسبة للشرق الأوسط، وما تم الإعلان عنه من “صفقة القرن”، لوضع نهايةٍ للقضية الفلسطينية، بصرف النظر عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وبناء تحالفٍ جديد في المنطقة، برعاية
أميركية، تكون دولة العدو الإسرائيلي طرفا أساسيا فيه، ولعل هذا يتضح من استقبالات ترامب بعض القادة العرب المعنيين بالقضية، ثم زيارته المزمعة للمملكة العربية السعودية وعقد قمة أميركية – عربية، وأخرى إسلامية في الرياض، ثم زيارته، بعد ذلك، دولة العدو الإسرائيلي.
علينا أن نقرأ الوثيقة السياسية لحركة حماس في إطار كل تلك الظروف، وعلينا أن نطرح على أنفسنا سؤالاً: ما هو الجديد في الوثيقة؟ أعاد البند الأول تعريف الحركة بأنها حركة مقاومة وطنية، فلسطينية، إسلامية، هدفها تحرير فلسطين، ومواجهة المشروع الصهيوني. والمهم هنا التأكيد على استقلالية الحركة التامة. وأكد البند الثاني أن أرض فلسطين المعنية بهدف التحرير هي الإقليم الممتد من نهر الأردن شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً، ومن رأس الناقورة شمالاً إلى أم الرشراش جنوباً. البند العشرون، وهو الأمر الجديد وبالغ الأهمية، حيث تضمن القبول بإقامة دولة فلسطينية على خطوط الرابع من يونيو/ حزيران 1967، شريطة أن تكون دولة مستقلة، كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين، والنازحين، باعتبارها صيغة توافقية وطنية مشتركة.
تلك هي الوثيقة الجديدة التي ستلتزم بها القيادة الجديدة لحركة حماس، وهي، في حقيقة الأمر، رسالة بالغة الأهمية لمن يخططون لطرح “صفقة القرن” حول تسوية القضية الفلسطينية، أو تصفيتها، وفحوى الرسالة: لا تسقطوا المقاومة من حساباتكم، وإذا كان لنا جناحنا العسكري المقاوم، فلنا أيضاً جناحنا السياسي الذي يتعامل مع السياسة على أنها فن الممكن، كأي رجال دولة، فإذا كان الحل المرتقب هو حل الدولتين فليكن. ولكن، على أسس عادلة، وهي دولة فلسطينية كاملة السيادة، عاصمتها القدس، مع حق العودة، ولسنا مُجبرين على الاعتراف بدولة العدو الإسرائيلي، فهل وصلت الرسالة؟
عادل سليمان
صحيفة العربي الجديد