عملية الإصلاح التي أجراها الرئيس حسن روحاني لقطاع الطيران الإيراني المتعثر تشكل نقطة مفصلية في حملته لإعادة انتخابه. ولكن، هل سيقف دونالد ترامب في الطريق؟
* * *
على ذيل طائرات الخطوط الجوية الإيرانية، يجثم الطائري الفارسي الأسطوري الذي يعرف باسم “هوما”. وتصف نسخ لأسطورته كيف أن الهوما يولد من جديد بشكل دوري، بعد أن يحترق في النار قبل نهوضه من جديد من الرماد. وبينما يتحرك قطاع الطيران الإيراني نحو عملية إصلاح وإعادة هيكلة ملحمية، يبدو هذا الرمز جالب الحظ مناسباً على نحو خاص.
منذ كانون الثاني (يناير) 2016، عندما دخل الاتفاق النووي التي تم التفاوض عليه مع الولايات المتحدة وشركائها الخمسة حيز التنفيذ، تحاول حكومة الرئيس حسن روحاني إخراج الاقتصاد الإيراني من قتامة فترة العقوبات. وفي الحملة التمهيدية للانتخابات، وفي أول مناظرتين رئاسيتين في الطريق إلى الاقتراع يوم 19 أيار (مايو) الحالي، ركز منافسو روحاني المحافظون هجماتهم على سجله حول هذا الموضوع بدلاً من التركيز على الصفقة نفسها. وقال عمدة طهران، محمود غاليباف، الذي يعد أبرز متحدي روحاني “يجب على الشعب الإيراني أن يقرر ما إذا كان يريد استمرار الوضع الراهن -الذي يعني البطالة والصعوبات الاجتماعية والركود- أو أنه يسعى إلى التغيير”.
يتطلب جزء رئيسي من استراتيجية روحاني -وكذلك مسعاه للفوز بدورة رئاسية ثانية- زيادة أعداد السياح الذين يفدون إلى إيران، وإعادة لاعبين رئيسيين أجانب إلى مجالات مثل النفط والتمويل. وتأمل الحكومة أن تستطيع هذه الخطوات توفير العوائد والاستثمارات اللازمة لخلق الوظائف وتحريك النمو. كما يتضمن هذا الجهد أيضاً العمل مع شركات دولية حول قطاع النقل الإيراني. وقد وقعت شركات صناعة سيارات مثل “رينو” و”بيجو” اتفاقيات مع إيران بقيمة مئات الملايين من الدولارات. وتقوم إيران حالياً بتطوير البنية التحتية لسككها الحديدية، بالتوقيع على صفقات لشراء عربات شحن من روسيا وقاطرات من ألمانيا.
لكن أياً من هذه المشاريع لا يتوافر على السرعة والرونق -وبالتأكيد ليس بطاقة السعر- التي تنطوي عليها اندفاعة الإدارة لتطوير مجال الطيران. وبينما يتجه البلد إلى الانتخابات في الأيام القليلة المقبلة، يعتمد روحاني على الوعد بالحصول على طائرات جديدة لمساعدته في تقديم القضية للإيرانيين بالتدليل على أن إنجازه الدبلوماسي يؤتي ثماره.
العجلات رُفعت
صادف أسطول الطيران المدني في إيران أوقاتاً عصيبة منذ الأيام المنتشية، عندما كان الشاه يختبر طائرة الكونكورد في الأجواء فوق طهران. ومرت أربعة عقود منذ أن كشفت إيران النقاب آخر مرة عن الحصول على طائرة بوينغ جديدة. وقبل كانون الثاني (يناير) الماضي، لم تتلق أي طائرة نفاثة جديدة منذ أكثر من 20 عاماً. وكما لاحظ أحد مراقبي الصناعة، فإنه منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في العام 1979، ساهم مزيج من العقوبات التي فرضت بعد الثورة على الطائرات وقطع الغيار، بالإضافة إلى المناكفات البيروقراطية الداخلية، في وجود الطائرات القديمة التي عفا عليها الزمن، بالإضافة إلى سجل الأمان المقلق لصناعة الطيران والأوضاع غير المستقرة للشركات العاملة فيها. ووفق إحصاء حديث، سجل في إيران أكثر من 90 حادث طيران منذ الثورة الإسلامية، والتي أسفرت عن مقتل 1700 شخص تقريباً.
تضمن نص خطة العمل المشتركة الشاملة، كما يعرف الاتفاق النووي رسمياً، التزاماً من واشنطن على وجه التحديد بـ”السماح ببيع طائرات الركاب التجارية وقطع الغيار والخدمات ذات صلة لإيران”. ويقول مسؤول إيراني أن المشتريات التي نجمت عن هذا البند هي “من بين الإنجازات الأهم” في الاتفاق برمته.
تحركت إيران بسرعة لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذا الانفتاح الاقتصادي. ويقول المسؤولون الإيرانيون أن مطارات البلد سوف تستقبل ما يصل إلى 500 طائرة جديدة في الأعوام العشرة المقبلة –وهو ثلاثة أضعاف ما لديها من الطائرات العاملة حالياً. وتعكف الحكومة الإيرانية حالياً على وضع اللمسات الأخيرة لإبرام بعض الصفقات الرئيسية: فخلال رحلة روحاني إلى باريس في العام الماضي، وقعت شركة “إيرباص” اتفاقية لبيع إيران 118 طائرة، والتي تقدر قيمتها بحوالي 27 مليار دولار (لكن الطلبية خفضت منذئذٍ إلى 100 طائرة). وفي كانون الأول (ديسمبر) الماضي، تابعت طهران المشتريات مع شركة بوينغ -بطلب 80 طائرة نفاثة أخرى للناقل الرسمي للدولة، “إيران إير”، بقيمة 16.6 مليار دولار. وفي الشهر الماضي، توصلت الخطوط الجوية “أسيمان” إلى صفقة مع شركة بوينغ بقيمة 3 مليارات دولار لشراء 30 طائرة بوينغ 737 ماكس على الأقل، مع احتمال مضاعفة الطلبية في حال تخفيض السعر. ولا تقول هذه الاتفاقيات مع قطبي صناعة الطائرات العالميين كل القصة عن موجة الشراء الإيرانية هذه: ففي الأسابيع القليلة الماضية، على سبيل المثال، طلبت إيران شراء طائرات ذات دفع توربيني بقيمة تصل إلى نصف مليار دولار من الشركة الأوروبية “إيه. تي. آر”، بالإضافة إلى تأكيد شراء دزينة على الأقل من طائرات سوبرجيت سوخوي 100 الروسية.
تتطلع إيران أيضاً إلى استثمار بقيمة 3 مليارات دولار لتحديث أكثر من نصف دزينة من المطارات في البلد. وقبل أيام قليلة وحسب، ذكر أن شركة الإنشاءات الفرنسية “فينسي. أس. إيه” وقعت عقداً بقيمة 400 مليون دولار لتحديث مرافق مطار مشهد الدولي في طهران. وفي مطار الإمام الخميني الدولي في طهران، ثمة طموحات لزيادة عدد المسافرين من 7.2 مليون في العام 2015 إلى ما يصل إلى 30 مليون مسافر في العام خلال نصف عقد.
من المؤكد أنه لم يكن الجميع في إيران معجبين بحجم الإنفاق الذي يرون فيه إسرافاً تستفيد منه النخب في إيران. ويقول البعض إن من الأجدر إنفاق هذه الموارد على التنمية المحلية في إيران بدلاً من تقديم التعزيز لشركات غربية. وقال مسؤول من الحرس الثوري الإيراني إن روحاني، بالشراء من بوينغ، يكون قد “صب 16 مليار دولار أخرى في أفواه (الأميركيين)” ومن ناحيته، أعرب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي عن مخاوف من المشروع وما إذا كان جديراً بتخصيص هذه الموارد. وقال في العام الماضي: “هذه مهَمة بالغة الأهمية وضرورية… ولكن، هل تشكل أولوية؟”.
في العام المضي، هاجم روحاني المنتقدين، وقال: “عندما تريد الحكومة شراء طائرة يقول بعض الناس إنه يجب عليك شراء حافلات بدلاً من الطائرات… ولكن، إذا لم تشتر الحكومة طائرات، فإنهم سيتساءلون عن نتائج خطة العمل المشترك التي تمخضت عن الاتفاق النووي. وإذا اشترينا طائرة يقولون: ’هذه طائرة فخمة وجديدة‘”.
على الرغم من الانتقادات، بدأت ثمار موجة الشراء الإيرانية في الظهور ببطء. فقد انضمت ثلاث طائرات جديدة من طراز “إيرباص” إلى أسطول شركة “إيران إير” منذ مطلع هذا العام. وتظهر صور ما قد تكون الدفعة الأولى من 20 طائرة من شركة “إيه. تي. آر”، المركونة في عنابر “إيران إير” في وسائل التواصل الاجتماعي. وغردت الخطوط الإيرانية مؤخراً على تويتر: “واحد… اثنان… ثلاثة… أربعة # إيران في انتظارك”.
الفوضى المقبلة؟
مع كون طلبيات “إيرباص” قيد التحرك مسبقاً، وحيث من المقرر أن تتبعها طائرات “إيه. تي. آر”، قد تبدو بقية طلبيات طهران صفقة مبرمة. لكن هناك بعض المواضيع التي ما تزال في حاجة إلى معالجتها قبل أن يستطيع قطاع الطيران في إيران الوصول إلى مرحلة الإقلاع والطيران.
أولاً، وقبل كل شيء، لدى المحللين تساؤلات جديّة حيال حيوية المشروع على المديين المتوسط والطويل. وتتفاوت مخوفهم بين ممارسات شركات خطوط إيران الجوية، وقطاع الطيران بشكل عام -كل مطار إيراني يخسر المال باستثناء مطار واحد- وبين ما إذا كان هناك إقبال من المسافرين يستدعي هذا الصعود الكبير في القدرة. ثانياً، من المشاكل المتكررة التي واجهتها الجمهورية الإسلامية منذ إبرام الاتفاق النووي مشكلة اجتذاب التمويل الدولي؛ وكما أشار أحد المسؤولين، فإن السيولة ليست خياراً لمثل هذه الأشياء الكبيرة مثل شراء الطائرات. وبذلك، تبدو طهران وأنها تعول الآن على صفقات التأجير بدلاً من عمليات الشراء المباشرة. وفي شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ذكرت وكالة رويترز للأنباء أنه تم التوصل إلى مثل هذا الترتيب ، ربما مع شركة إماراتية، لاستئجار 17 طائرة “إيرباص”. ومنذ ذلك الحين، يبدو أن بضعة عشرات إضافية من الطائرات أصبحت قيد الحسبان. لكن بعض التقرير ذكرت مؤخراً أن اتفاقية لتطوير “أيكيا” ألغيت بسبب مشاكل مالية، لتبرز بذلك التحدي الأوسع (أنحى الإيرانيون باللائمة منذئذٍ على المقاول الفرنسي، ويصرون على أن لديهم بدائل مصطفة في طابور).
وأخيراً، هناك واشنطن. ما يزال مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزينة الأميركية يصدر بثبات التراخيص الضرورية لشركات “بوينغ” و”إيرباص” و”إيه. تي. آر” للمضي قدماً في مبيعاتها لإيران -وتحتاج حتى شركة روسية مثل سوخوي إلى مباركة المكتب التابع لوزارة الخزينة الأميركية. وفي ضوء انتقاد الرئيس ترامب للاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في عهد سلفه، شددت شركة “بوينغ” على أن مبيعاتها لإيران “سوف تدعم عشرات الوظائف الأميركية”.
مع ذلك، يحاجج منتقدو مبيعات الطائرات في الكونغرس وعالم المؤسسات الفكرية بأن إيران تستخدم أسطولها لغايات شريرة، وخاصة لدعم الرئيس السوري بشار الأسد. ووجهت أصابع الاتهام إلى شركة “إيران إير” كمسهم محتمل في هذه الجهود. ومع ذلك، في الوقت الحالي، ما تزال صفقات مبيعات الطائرات، ووثيقة خطة العمل الشاملة المشتركة، ساريتين.
بالنسبة لإدارة روحاني، لن تأتي هذه الطائرات بالسرعة الكافية. وبالإضافة إلى قيمتها الوظيفية، يجري تصوير كل وصول لطائرة في مطار مهراباد في طهران تلفزيونياً، ويتم الاحتفال بالمناسبة بحضور شخصيات محلية، مما يؤكد إعادة تواصل إيران بعد خطة العمل المشترك مع بقية العالم على الصعيدين الاقتصادي والثقافي. وقد علقت صحيفة “فايننشال تربيون” الإيرانية على وصول أول طائرة “إيرباص” إلى طهران في كانون الثاني (يناير) بالقول: “إنه أكثر من مجرد طائرة”. وفيما ينتقد منافسوه في الحملة الانتخابية السجل الاقتصادي الكلي وإنجازات ما بعد الصفقة النووية، فإن الطائرات النفاثة التي تصل إيران حتى يوم الانتخابات، ستكون بمثابة ريش من الألمنيوم على قبعة قبعة روحاني.
نيسان رافاتي
صحيفة الغد