عقدة إيران: خيارات دول مجلس التعاون الخليجي تجاه الأزمة اليمنية

عقدة إيران: خيارات دول مجلس التعاون الخليجي تجاه الأزمة اليمنية

أثارت سيطرة الحوثيين على السلطة في اليمن، حفيظة دول مجلس التعاون الخليجي؛ وذلك نتيجةً لفشل جهود التسوية السياسية للأزمة على يد المبعوث الأممي جمال بنعمر، في الوقت الذي لا تزال فيه دول المجلس تبحث عن بلورة موقف موحد تجاه الأزمة اليمنية، لا سيما في ظل هشاشة الوضع الأمني، وتداخل أطراف إقليمية ودولية في الأزمة.

دفع غموض موقف المجتمع الدولي تجاه ما يحدث في صنعاء، إلى مناداة الدول الخليجية باتخاذ قرار دولي تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يجيز استخدام القوة العسكرية ضد من يعرقل عملية الانتقال السلمي للسلطة في اليمن، كما رفضت تلك الدول الإعلان الدستوري لجماعة الحوثي، وتمسكت بمخرجات الحوار الوطني. وقد يكمن وراء عدد من الأسباب والدوافع، سواء المعلنة وغير المعلنة، كنتيجة منطقية لتداعيات الأزمة اليمنية على أمن دول الخليج.

تداعيات الأزمة على الأمن الخليجي

هناك عدد من التداعيات الواضحة للأزمة اليمنية الحالية؛ ليس على اليمن ودول الخليج فقط، بل على النظام الإقليمي العربي برمته. من هذه التداعيات ما يلي:

أولاً- تنامي النفوذ الإيراني في جنوب الجزيرة العربية: فإيران كانت ولا تزال تقدم الدعم المالي والسياسي والإعلامي للحوثيين؛ حيث إن مجرد حضورها في اليمن يعتبر تطويقًا للعدو التقليدي: السعودية، من خلال محاصرتها من كل النواحي؛ فهناك العراق، والآن تعمل طهران على السيطرة على جنوب الجزيرة العربية؛ لما له من أهمية استراتيجية كبرى. ولهذا أصدر وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي بيانًا يعتبرون فيه ما يجري في اليمن انقلابًا على السلطة الشرعية، كما حاولت دول مجلس التعاون السيطرة على مجريات الأمور في صنعاء، لكنها وقفت عاجزة أمام قوة الحوثيين المتنامية بحكم الدعم الإيراني.

ومن الواضح في هذا الصدد أن طهران تسعى إلى التأثير في توازنات القوى الإقليمية، حتى تظهر بوجه القوة الإقليمية القوية في المنطقة والمحركة لمجرياتها، لكن ليس من خلال قوة السلاح، بل من خلال اللعب على الوتر الطائفي لتحريك القوى الشيعية في المنطقة؛ الأمر الذي من الممكن أن يؤدي إلى تصاعد التوتر الطائفي والمذهبي في المنطقة العربية بين المعسكرين: السني والشيعي.

ثانيًا- التأثير في العمق الاستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي، بالعمل على السيطرة على مضيق باب المندب، ومن ثم تهديد حرية الملاحة في تلك البقعة الاستراتيجية المهمة؛ حيث تكمن الخطورة الحقيقية في سيطرة الحوثيين على مضيق باب المندب؛ لما له من أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي. وتكمن تلك الأهمية في كون المضيق من أهم الممرات المائية في العالم؛ حيث يربط بين البحر الأحمر وخليج عدن الذي تمر منه كل عام 25 ألف سفينة تمثل 7% من الملاحة العالمية. وتزيد أهميته بسبب ارتباطه بقناة السويس وممر مضيق هرمز، بالإضافة إلى أنه الطريق البحري الرئيسي لحركة النفط من منطقة الخليج.

يعد سعي الحوثيين إلى السيطرة على المضيق إحدى الأولويات الأساسية والاستراتيجية لديهم. ويظهر ذلك من تحركاتهم العسكرية الأخيرة على الشريط الساحلي للبحر الأحمر، وانتشارهم في مدينة المخاء، التي تبعد 60 كيلومترًا شرق المضيق.

ثالثًا- تفاقم شوكة الإرهاب في المنطقة: وهذا الأمر يتضح من احتدام الصراع بين القاعدة في اليمن وجماعة الحوثيين؛ فلقد أدت سيطرة الحوثيين على صنعاء إلى تصاعد خطر ونشاط تنظيم القاعدة، كما أنه أكسب الصراع وعملياته الإرهابية بُعدًا عقائديًّا؛ ما أحاطه ببعض التعاطف من قبل اليمنيين، من خلال الظهور بمظهر المدافع عن أهل السنة ضد الحوثيين الشيعة. ومن هنا فقد أضحى التنظيم يقاتل على جبهتين في اليمن: جبهة ضد الحوثيين، والأخرى ضد الحكومة اليمنية. ولا شك أن هذا الوضع الخطير في اليمن سيؤدي بالضرورة إلى تعميق مشكلة ومخاطر الإرهاب التي لا تنضب في المنطقة منذ اندلاع الثورات العربية؛ وذلك بزيادة أماكن التوتر والصراع من ناحية، وجذب الجهاديين من ناحية أخرى.

imagesCAST45YC

دوافع التحرك الخليجي

هناك عدد من الدوافع الواضحة، تجعل دول مجلس التعاون الخليجي متشددة في موقفها تجاه الأزمة اليمنية، وعلى الأخص في ضوء سيطرة الحوثيين على اليمن، تتمثل في:

أولاً- الخروج على بنود المبادرة الخليجية: حيث إن سيطرة الحوثيين على السلطة في اليمن بقوة السلاح يُعتبَر خروجًا على بنود المبادرة الخليجية التي طرحتها دول مجلس التعاون الخليجي في نوفمبر 2011، عقب اندلاع الثورة اليمنية، وقد وقع عليها الرئيس السابق علي عبد الله صالح لنقل السلطة إلى نائبه آنذاك عبد ربه منصور هادي. وقد لاقت تلك المبادرة ترحيبًا دوليًّا واسعًا في حينها؛ فقد دعمتها الولايات المتحدة الأمريكية، واصفةً إياها بالخطوة التاريخية؛ لذلك نجد أنه عقب تمكن الرئيس عبد ربه هادي من كسر حالة الحصار المفروضة عليه ووصوله إلى عدن جنوب اليمن، أبدى تمسكه بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وبمخرجات الحوار الوطني مرجعيةً وإطارًا لأي توافق سياسي يُخرج اليمن من الأزمة الراهنة.

وفي هذا الإطار، تنبغي الإشارة إلى أن خروج الحوثيين عن الطريق الذي رسمته المبادرة الخليجية يعتبر تهديدًا حقيقيًّا ومباشرًا للنفوذ الخليجي في اليمن لصالح طهران، التي أصبحت تتحكم بنسبة كبيرة بأوراق اللعبة السياسية في صنعاء.

ثانيًا- حماية المصالح الخليجية في اليمن: بالإضافة إلى أن الدافع الحقيقي للتدخل الخليجي في الأزمة اليمنية هو حماية مضيق باب المندب من سيطرة الحوثيين؛ لكونه الطريق الرئيسي لحركة النفط، هناك مصالح أخرى اقتصادية تسعى دول المجلس إلى الحفاظ عليها، في ضوء الوضع الأمني الحرج في اليمن. ومن هذه المصالح، المشروعات الاستثمارية الخليجية في صنعاء، التي تُقدَّر قيمتها بنحو 70% من حجم الاستثمارات الأجنبية، والتي تأثرت سلبًا في ضوء الأزمة الحالية؛ حيث توقف أكثر من 100 مشروع استثماري خليجي نتيجة الاضطرابات الأمنية والسياسية، حسب نائب رئيس غرفة التجارة في صنعاء محمد صلاح، فضلاً عن وجود عدد من المستثمرين الخليجيين لا يقدرون على سحب استثماراتهم من اليمن، في الوقت الذي تتعرض فيه مشروعاتهم للنهب والسرقة؛ لغياب معايير الأمان في البلاد؛ الأمر الذي يهدد بمزيد من التدهور الاقتصادي، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة؛ ما سيلقي عبئًا آخر على دول الخليج، يتمثل في التهديدات الاجتماعية (الهجرة غير الشرعية) لهذه الدول نتيجة لسوء الوضع الاقتصادي في صنعاء. كما أنه في تطور لاحق، هدد زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، دول الخليج باستهداف مصالحها في اليمن إذا واصلت رفضها تطورات الأحداث السياسية الأخيرة والإعلان الدستوري.

خيارات التعامل

هناك عدد من الآليات والخيارات المتاحة أمام دول مجلس التعاون الخليجي للتعامل مع الأزمة اليمنية الراهنة في ضوء ما تطرحه من تحديات حقيقية وخطيرة على الأمن الخليجي وهي:

أولاً- العودة إلى المبادرة الخليجية مرة أخرى: ويتمثل ذلك في ضغط دول مجلس التعاون الخليجي على الأطراف السياسية في صنعاء للعودة مرة أخرى إلى المبادرة الخليجية، التي تتضمن انتقالاً سلميًّا للسلطة، من خلال تكوين حكومة وحدة وطنية، ووجود الرئيس هادي على رأس السلطة في اليمن، ومن ثم رفض الدعوات المتكررة بتشكيل مجلس رئاسي يقود البلاد في المرحلة القادمة، التي تم تضمنيها في الإعلان الدستوري الذي أصدرته جماعة الحوثيين في المادة الثامنة منه، التي تنص على تشكيل مجلس رئاسي يقود البلاد مكون من خمسة أعضاء.

وما يزيد قوة هذا الخيار أو التوجه، تبني المجتمع الدولي له؛ حيث أكده القرار رقم 2201 الصادر من مجلس الأمن بشأن الأزمة اليمنية في 16 فبراير 2015، من خلال تشديده على ضرورة اتباع المبادرة الخليجية، وآليتها التنفيذية، واتفاق السلم والشراكة، أساسًا لأي مفاوضات سياسية، كما كانت المبادرة الخليجية هي الحاضر القوي والأساسي في مفاوضات المبعوث الأممي جمال بنعمر مع القوى السياسية المختلفة في اليمن.

ثانيًا- الضغوط الاقتصادية: وهي أحد الخيارات المتاحة للتحرك أمام دول مجلس التعاون الخليجي، خاصةً في ظل وجود غطاء دولي لفرض العقوبات الاقتصادية على بعض الشخصيات اليمنية في ضوء الأزمة الحالية؛ حيث فرض مجلس الأمن عقوبات اقتصادية على الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وبعض قيادات الحوثيين؛ وذلك بمنعهم من السفر وتجميد أصولهم المالية.

وفي هذا السياق، صدرت تصريحات تشير إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تدرس إمكانية فرض عقوبات اقتصادية وسحب المستثمرين الخليجيين من اليمن، ووقف المشاريع المستقبلية، كما أنها قامت في وقت سابق بوقف المساعدات الخليجية لليمن. ولا شك أن تضييق الخناق المالي على صنعاء، قد يشكل عامل ضغط على الحوثيين، لكنه في الوقت نفسه -من وجهة نظر بعض المحللين- قد يمنح طهران الفرصة للسيطرة على الاقتصاد اليمني. وقد يكون هذا مستبعدًا في الوقت الحالي نتيجة للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إيران بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها وتراجع أسعار النفط عالميًّا.

ثالثًا- التحرك الدبلوماسي النشط للضغط على المجتمع الدولي من أجل تبني حل سريع وفعال للأزمة اليمنية:ومن ثم الحاجة إلى التحرك كتلةً واحدةً ضاغطةً ومؤثرةً، خاصةً في ظل رفض مجلس الأمن استصدار قرار بموجب الفصل السابع من الميثاق الذي يجيز استخدام القوة العسكرية أو فرض العقوبات الاقتصادية بسبب الفيتو الروسي، واكتفى بمطالبة الحوثيين بالانسحاب من مؤسسات الدولة، والإفراج عن الرئيس هادي ورئيس الحكومة وأعضائها، والتنازل عن السلطة والعودة إلى المفاوضات. وقد رفض الحوثيون هذا القرار برمته؛ ما يعطي الدافع لدول مجلس التعاون الخليجي للجوء إلى مجلس الأمن مرةً ثانية لاتخاذ قرار تحت الفصل السابع من الميثاق نتيجة للتعنت الحوثي، وعدم الاكتراث لقرارات الجماعة الدولية.

رابعًا- التدخل العسكري: ويعتبر هذا الخيار الأصعب والأخطر لمواجهة التمدد الحوثي في اليمن؛ وذلك من خلال تكرار التجربة الخليجية السابقة في البحرين، التي استخدمت فيها دول مجلس التعاون قوات درع الجزيرة للحفاظ على النظام السياسي البحريني. وقد كانت تلك التجربة ناجحة في وقف المد الشيعي الإيراني في البحرين. وقد يكون هذا التدخل خليجيًّا فقط، أو من خلال التنسيق مع الدولة المصرية إذا سيطر الحوثيون على مضيق باب المندب؛ حيث أعلنت مصر أكثر من مرة أنها جاهزة ومستعدة للتدخل جوًّا وقصف مناطق المتطرفين أو الجهات التي تغلق المضيق وبالصواريخ بعيدة المدى إن اقتضت الحاجة؛ لأن القاهرة ستدافع عن مصالحها مهما كلفها الأمر، كما أكد رئيس هيئة قناة السويس مهاب مميش، أن مصر لن تقبل بإغلاق المضيق بأية حال من الأحوال، وستتدخل عسكريًّا إذا استدعت الضرورة. ومما يدعم هذا التوجه أن بعض المحللين أشاروا إلى وجود تنسيق مصري سعودي مشترك للتعامل مع أي احتمالات في اليمن.

 المركز الاقليمي