بغداد – قلّل عراقيون من أهمية الاعتراف الأميركي بقتل أكثر من مئة مدني في غارة جوية على مدينة الموصل مركز محافظة نينوى بشمال العراق تمّ تنفيذها قبل أكثر من شهرين، كون ذلك الاعتراف لا يقلّل من المخاطر المحدقة بالأهالي جرّاء الحرب التي لا تزال دائرة ضدّ التنظيم في المدينة، ولا ينصف جميع الضحايا الذين يرجع عددهم الكبير إلى اتّباع تكتيكات في الحملة ضدّ التنظيم تقوم على استخدام مفرط للقوّة النارية والقصف العشوائي على الأحياء المأهولة بالسكّان بما في ذلك القصف بالمدفعية والطيران.
وبحسب مراقبين فإنّ ما خلص إليه “تحقيق” عسكري أميركي من أن أكثر من مئة مدني قتلوا في الغارة على المبنى السكني في الموصل خلال شهر مارس الماضي لم يحمل أي جديد إذ أن عدد الضحايا معلوم للجميع، وذلك مسؤولية القوات الأميركية عن الحادثة.
ويذهب البعض حدّ التشكيك في أنّ التحقيق قد تمّ أصلا، إذ لم تكن هناك حاجة إليه، خصوصا وأنّه لا يتضمّن تحميل المسؤولية لطرف بعينه مسؤول عن “الخطأ”.
والاعتراف بشكل متأخر بمثل هذه المجازر أسلوب أميركي معروف هادف إلى التقليل من المسؤولية وامتصاص غضب أهالي الضحايا، وقد خبره العراقيون كثيرا، حيث أنّ العشرات من المجازر ارتكبتها القوات الأميركية بحقّ مدنيين، من مجزرة ملجأ العامرية في تسعينات القرن الماضي إلى مجزرة حديثة سنة 2005 أحيلت على رفوف النسيان بعد تحقيقات مماثلة أفضت إلى اعترافات شكلية.
ويلفت مراقب عراقي علّق على التقرير، إلى أنّ مجزرة الموصل غير ناتجة عن مجرّد قصف خاطئ، بل عن أسلوب في حرب داعش خاطئ من الأساس، ولا يراعي عامل حماية المدنيين والحفاظ على حياتهم، قائلا إذا كانت قوات التحالف قد اعترفت بأنها قامت بقتل أكثر من 500 مدني حتى الآن في حربها من أجل استعادة الموصل، فإن العدد الحقيقي للضحايا يفوق ذلك الرقم بأضعاف. ذلك لأن تلك الحرب كانت تفتقر إلى قواعد الاشتباك الملائمة للحفاظ على سلامة المدنيين في صراع مسلح يجري في مناطق سكنية مكتظة، وبالأخص في ما يتعلق بوسط المدينة القديمة في الموصل الذي اتخذ منه التنظيم المتشدّد ساحة أخيرة للحرب.
وتكمن المشكلة، بحسب المراقب ذاته، في أن الطرف الآخر المشارك في الحرب على داعش وهو الطرف العراقي لا يرى قيمة تذكر في الإعلان بشفافية عما يتعرض له المدنيون المحاصرون في أماكن القتال من عمليات إبادة جماعية وهو ما يدفع إلى التشكيك بأخبار بعض عمليات الخطف والإعدام التي ينفّذها مقاتلو داعش انتقاما من المعارضين لوجوده ومنها ذلك الخبر الذي يؤكد قيام التنظيم بخطف ثلاثة آلاف من أهالي الموصل واقتيادهم إلى جهة مجهولة.
واعتبر أنّ ما تم تبنيه من قبل الجهات الرسمية جرى من غير أن تقدم تلك الجهات دليلا واحدا على صحته. حيث تمت التعمية على المجازر التي ارتكبت في حق المدنيين جراء قصف قوات التحالف والقوات العراقية من خلال تصويب الأنظار نحو ما قام به التنظيم الإرهابي من جرائم.
ويرى عراقيون الاعتراف الأميركي بوقوع الجريمة مناسبة لفضح الكثير من ملابسات تلك الحرب التي انطوت على الكثير من الأخطاء التي ستضع الحكومة العراقية في موقع لا يمكنها من التعامل مع سكان المدينة من منطلق الحرص والمسؤولية.
وورد في التحقيق الذي أجراه التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” بقيادة الولايات المتحدة، أنّ 105 من المدنيين قتلوا جراء غارة نفذتها إحدى المقاتلات في 17 مارس 2017، في حي الموصل الجديدة، بالجانب الغربي من مدينة الموصل العراقية.
وقال بيان صادر عن التحالف إن التحقيق توصل إلى أن المبنى الذي استهدفته الطائرة كانت بداخله متفجرات، ما أدى إلى حدوث انفجار كبير في المبنى، وانهياره بسرعة.
وأشار البيان إلى أن 101 مدني كانوا في الطوابق السفلية للمبنى، وعنصري قناصة من تنظيم داعش، قتلوا في المبنى، إضافة إلى مقتل أربعة مدنيين في مبنى مجاور.
ولفت إلى أن التحقيقات أشارت إلى معلومات عن فقدان 36 شخصا كانوا في المبنى المستهدف.
وأضاف أن عناصر داعش وضعوا كمية كبيرة من المتفجرات داخل البناية المستهدفة، وزجوا المدنيين فيها، وبدأوا بإطلاق النار على القوات العراقية منه.
وأوضح البيان أنه “في تمام الساعة الثامنة بتوقيت العراق من صباح 17 مارس الماضي، وبمعلومات من القيادة المحلية، شنت طائرات التحالف ضربة جوية على
مبنى يعتليه عنصرا قناصة من داعش، يطلقان النار على قوات مكافحة الإرهاب العراقية”.
وذكر أنه لا التحالف ولا القوات العراقية كانت لديه معلومات بوجود مدنيين داخل المبنى المذكور.
وأشار إلى أن التحالف اختار صاروخا واحدا موجّها من طراز 38 جي بي يو من أجل القضاء على العنصرين بشكل متكافئ، وعدم إلحاق الدمار بالمبنى، بل التأثيرعلى الطابق العلوي من المبنى فقط.
وتابع أن الصاروخ أدى إلى إشعال كمية كبيرة من المتفجرات، وضعها داعش داخل المبنى، ولم يعلم التحالف بوجودها.
وذكر البيان أنه عثر خلال التحقيقات التي أجريت بعد الهجوم، على قطع مشابهة من المتفجرات التي يستخدمها داعش بشكل مستمر، ولا تتطابق مع صاروخ 38 جي بي يو الذي أطلق على المبنى.
العرب اللندنية