بعد شهر ونصف الشهر على اعتداءين ضد كنيستين قبطيتين أوقعا 45 قتيلا وتبناهما تنظيم «داعش» الإرهابي، وقبل يوم واحد من حلول شهر رمضان الفضيل، أبت فئة ضالة مجرمة إلا أن تعكّر صفو أجواء البهجة والاحتفال التي يعيشها المصريّون بهذه المناسبة الكريمة، باعتداء إرهابي بشع استهدف زواراً مسيحيون لأحد الأديرة في المنيا من صعيد مصر، حيث قتل مسلحون ملثمون العشرات، بينهم أطفال، في مجزرة شهدتها صحراء المنيا جنوب مصر، في منطقة ليست بعيدة من مسرح هجمات سابقة نفذها ذلك التنظيم. جاء هذا العمل الإرهابي ليوجه رسائل متعددة مبتغاها تقويض التعافي المصري عبر استهداف دليل التنوع المصري، أي المكون المسيحي الأصيل.
وحمل الهجوم بصمات تنظيم «داعش» الإرهابي، إذ مثل استمراراً لموجة استهداف المسيحيين التي انطلقت بعد توعد التنظيم المتشدد مسيحيو مصر بالقتل، وبدأها من العريش حيث قتل 8 مسيحيين، ما سبب موجة نزوح مسيحية من المدينة. وشن بعدها التنظيم 3 هجمات انتحارية استهدفت كنائس كبرى تُعد رمزاً للمسيحية في محافظات عدة، فضلاً عن أن طريقة تنفيذه ليست بعيدة من أسلوب مسلحي التنظيم شمال سيناء. كما وقع في منطقة تنشط فيها خلية للتنظيم المتطرف أحيل قبل أيام عشرات من أعضائها على القضاء العسكري.
ورسخ الهجوم إصرار «داعش» على استهداف النسيج الوطني في مصر وإثارة المسيحيين ضد المسلمين والسلطات في بلدهم، إذ اعترى الغضب نفوس المسيحيين بعد هجومين انتحاريين الشهر الماضي استهدفا كنيستي «مار مرقص» في الإسكندرية، مقر بابا الأقباط في المحافظة الساحلية، و «مار جرجس» في طنطا كبرى كنائس الدلتا، خلفا نحو 60 قتيلاً، وقبلهما بشهور سقط عشرات القتلى في هجوم انتحاري استهدف الكنيسة البطرسية الملحقة بالكاتدرائية المرقسية في قلب القاهرة.
وعلى خلفية الهجوم، سارع الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى عقد مجلس أمني مصغر لبحث تداعياته، كما دعا النواب إلى عقد جلسة طارئة لمناقشة ما يمكن اتخاذه من إجراءات في المستقبل وتفعيل التشريعات التي أصدرها البرلمان في هذا الشأن. وفي رد سريع على الهجوم الإرهابي، نفذت القوات الجوية المصرية مساء «ست ضربات مركزة ضد معسكرات تدريب إرهابية بمدينة درنة الليبية» حسب ما أعلن التلفزيون المصري. وقالت مصادر رفيعة إن «القوات الجوية المصري دمرت بشكل كامل المركز الرئيسي لمجلس شورى مجاهدي درنة بليبيا»، وفي وقت متقدم مساء أمس أعلن الجيش المصري أن العملية كانت لا تزال مستمرة.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أعلن أنه تم توجيه «ضربة» الى معسكر لتدريب عناصر المتطرفين، رداً على الهجوم الإرهابي على حافلة أقباط، ولكنه لم يحدد مكان الضربة.وقال الرئيس المصري عقب عقده اجتماعاً أمنياً لمتابعة تداعيات حادث المنيا الإرهابي، إن مهمة الإرهابيين في سوريا قد انتهت والآن يسعون للانتقال إلى مصر. وأضاف أن المتطرفين يسعون إلى فتنة بين المسلمين والمسيحيين في مصر. وتابع أن الهدف من هذه الهجمات الإرهابية هو إسقاط الدولة المصرية واستهداف وحدتها، وأن أعداء مصر يحاولون كسر تماسك الدولة وتماسك المصريين، كما تحدث السيسي عن أن الجيش المصري دمّر قرابة ألف سيارة رباعية الدفع حاولت التسلل من ليبيا خلال عامين.وتابع الرئيس المصري أن بلاده لن تتردد باستهداف معسكرات تدريب الإرهابيين أبداً. وأكد أن أي معسكر يدرّب إرهابيين لمهاجمة مصر سيتم استهدافه سواء داخل مصر أو خارجها.
ويعكس تكرار استهداف مسيحيو مصر إصرار التنظيمات الإرهابية على توسيع نطاق حربها مع الدولة المصرية، فبعدما كانت مقتصرة على توجيه ضرباتها إلى عناصر الجيش والشرطة أصبحت تستهدف الأقباط، في مسعى لإحداث تأثير أكبر داخليّا وخارجيّا. وبحسب خبراء أمنيون فإن استهداف مسيحيو مصر حمل رسالة بأن داعش أصبحت له قواعد في صعيد مصر وبإمكانه تنفيذ عمليات نوعية في محافظات الجنوب. وأن التنظيم يسعى إلى تشتيت قوى الجيش والشرطة حتى لا تركز عليه في سيناء وحدها ما يخفف من وطأة الهجمات الموجهة إليه بشكل مباشر هناك، وبالتالي يريد أن يؤسس مجموعات متفرقة تعمل بذات النهج والطريقة لإظهار الدولة في صورة العاجز عن مواجهته.
ولفت متابعون للشأن المصري إلى أن انتشار الفكر السلفي المعادي للأقباط في بعض محافظات الصعيد يمثل إحدى الأدوات التي يعول عليها تنظيم داعش في حربه ضد الدولة، وبالتالي لا يمكن مواجهة التنظيم أو توفير الحماية للأقباط بعيدا عن مواجهة مماثلة مع التيار السلفي الذي يغذّي التطرف والعداء للمسيحيين.وإن استراتيجية داعش قائمة على 3 عناصر؛ الأول ضرب الجيش والثاني استهداف المواقع الأمنية والثالث ترهيب الأقباط، وهذه العناصر هي التي تحقق الصدى الواسع والرسائل السياسية الموجهة للحكومة المصرية وللرأي العام العالمي.
والجدير بالذكر أن حادث المنيا الإرهابي تعيد مسألة استهداف مسيحيو مصر من قبل الإرهاب إلى سياقها الحقيقي، وقوامه أن مصر بكل مكوناتها تعرضت لطعنة إرهابية غادرة، وان المستهدف هو المواطن المصري.
وحدة الدراسات العربية