بغداد – تتوالى التحذيرات من كارثة إنسانية غير مسبوقة تداهم مدينة الموصل مركز محافظة نينوى بشمال العراق، حيث تخوض القوات العراقية حربا على تنظيم داعش يقول قادة عسكريون إنّها اقتربت من نهايتها وأنّ حسمها مسألة أسابيع وربّما أيام.
وانحسر القتال في مساحة ضيقة بالقسم الغربي من المدينة التي يشقّها نهر دجلة ويقسمها إلى جزأين شرقي وغربي. لكن المعضلة أنّ الآلاف من السكّان مازالوا محاصرين داخل منازلهم حيث يحرص تنظيم داعش على الإبقاء عليهم للاحتماء بهم أثناء قتاله القوات الحكومية.
ويتحدّث السكان الذين يوفّقون في الفرار خارج المدينة عن أوضاع بالغة السوء تصل حدّ المجاعة، وحدّ هلاك المرضى بفعل انعدام الأدوية.
وكثيرا ما تفشل محاولات العوائل للفكاك من أسر التنظيم المتشدّد وتقع في قبضة مقاتليه الذين يقتلون جميع الفارين من نساء وأطفال وعجائز.
وأفادت مصادر أمنية عراقية، الاثنين، بمقتل عشرين شخصا جرّاء معارك حي الزنجيلي. وقالت المصادر إنّ المعارك تتقدّم من محور جديد في منطقة الزنجيلي غربي الموصل تجاه حي الشفاء والمجمع الطبي شمال غربي الموصل، من أجل الالتفاف على الحي والمجمع بعد تعسّر اقتحامه من قبل القوة القادمة من حي النجار.
وأشارت إلى أنّ المستشفيات الميدانية بالموصل تسلمت عشرين جثة بينها جثث نساء، وأنّ أصحابها قتلوا على يد داعش لدى محاولتهم الفرار من مناطق سيطرته.
وقبل أيام أودى سقوط قذائف هاون مصدرها مواقع تنظيم داعش في الموصل على تجمّع لنازحين كانوا بصدد تسلّم مساعدات إنسانية، بحياة ستة مدنيين فيما أصيب خمسون آخرون بجروح متفاوتة الخطورة.
وفي الكثير من الأحيان لا يمثّل النجاح في الخروج من الموصل نهاية المأساة لبعض الأهالي لأنّ الكثير من الرجال والفتيان يعتقلون على حواجز التفتيش بشبهة الانتماء إلى تنظيم داعش ويساقون إلى وجهات مجهولة لتظل النساء والأطفال وحيدين في مخيمات النزوح التي توصف الظروف داخلها بالقاسية.
وتحدّث تقرير حقوقي دولي صدر قبل أيام عن احتجاز سلطات إقليم كردستان العراق لفارين من الموصل للاشتباه بانتمائهم لداعش.
بيتر هوكينز: 100 ألف طفل يرزحون تحت ظروف بالغة الخطورة في الموصل
وجاء في التقرير أن حالات احتجاز جديدة ظهرت في إقليم كردستان نفذتها السلطات ضدّ رجال وصبية هاربين من الموصل للاشتباه بانتمائهم لتنظيم داعش، وقد أفاد أفراد الأسر أنهم، وبعد أن اعتقلت السلطات أقاربهم، لم يتمكنوا من التواصل مع المحتجزين لمدة 4 أشهر، وأن السلطات لم تخبرهم عن أماكن وجود أقاربهم.
وأورد ذات التقرير قول بريانكا موتابارثي الباحثة في حالات الطوارئ إن “المخاطر الأمنية التي تواجهها حكومة إقليم كردستان العراق من داعش كبيرة، ولكن عزل رجال وصبية الموصل عن عائلاتهم لا يفعل شيئا لتعزيز الأمن. وعلى حكومة الإقليم، على الأقل، إبلاغ الأسر عن أماكن احتجاز أقاربهم والسماح بالتواصل معهم”.
واقتربت معركة الموصل من نهايتها، لكنها ازدادت صعوبة بدخولها أزقة ضيقة مكتظة بالسكان. ومع استعادة حي الصحة الأولى، نهاية الأسبوع الماضي، لم يتبق لتنظيم داعش وجود في الجانب الغربي للموصل سوى في حيي الشفاء والزنجيلي وأجزاء من الموصل القديمة.
وقالت قوات الشرطة الاتحادية إنها استعادت السيطرة على ستين بالمئة من حي الزنجيلي وأن قطعاتها تتوغل من عدة محاور باتجاه باب سنجار، وتكثف جهودها لإنقاذ مئات العائلات المحاصرة وإجلائها من مناطق الاشتباك ونقلها عبر الممرات الآمنة إلى مخيمات النازحين.
لكن تقارير أفادت بأن عشرات المدنيين قتلوا أثناء محاولتهم الفرار من حي الزنجيلي. وعثر طاقم من وكالة رويترز للأنباء على جثث لرجال ونساء وأطفال ملقاة في شارع بالحي.
ويبدو أنّ حرب داعش في العراق عموما، وفي الموصل على وجه الخصوص ستترك ندوبا غائرة في جسد المجتمع العراقي، حيث تفرّقت عائلات، وتضاعفت أعداد الأرامل واليتامى. وبينما حرم آلاف الأطفال من الدراسة خلال سنوات سيطرة داعش على الموصل، فإن موجة العنف الشديد ستخلّف آثارا نفسية على جيل بأكمله.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة، يونسيف، الاثنين، إنها تتلقى تقارير مقلقة عن تعرض مدنيين ومن ضمنهم العديد من الأطفال في غرب الموصل للقتل، مشيرة إلى أنّ بعضهم قتل أثناء محاولتهم اليائسة للهرب من القتال الذي يزداد بين ساعة وأخرى. وقال ممثل المنظمة في العراق بيتر هوكينز، في بيان، إنّ “حياة الأطفال معرضة للخطر. فهم يقتلون ويجرحون، ويستخدمون كدروع بشرية، ويشهدون عنفا فظيعا لا يجدر بإنسان أن يشهده، وقد أجبروا في بعض الحالات على المشاركة في القتال والعنف”.
وأشار هوكينز إلى أنّ 100 ألف فتاة وفتى لا يزالون يرزحون تحت ظروف بالغة الخطورة في المدينة القديمة ومناطق أخرى من غرب الموصل، موضحا أنّ العديد من هؤلاء عالقون بين إطلاق النار المتبادل.
ودعت اليونيسف على لسان ذات المسؤول جميع الأطراف في غرب الموصل لحماية الأطفال وإبعادهم عن الأذى في جميع الأوقات، بموجب التزامات جميع أطراف النزاع بالقانون الإنساني.
العرب اللندنية