عمان ـ «القدس العربي» : اتخذت إدارة الجيش الأمريكي ما يمكن وصفه بالخطوة الأولى التي تعزز تواجدها الحربي في عمق الأراضي السورية من جهة الحدود مع العراق وتحديداً في منطقة العمليات التي تم تحريزها عسكرياً حول مثلث التنف الإستراتيجي الذي أصبح اليوم بؤرة لصراع الأجندات الدولية والإقليمية.
وتمثلت الخطوة في «نقل» منظومة صواريخ أرض أرض المتطورة جداً والبعيدة المدى «هيمارس» ولأول مرة منذ تكثفت العمليات في منطقة التنف قرب البادية السورية وهي منظومة تعتبر من أشرس ما في عهدة الجيش الأمريكي.
عملية النقل واستناداً إلى ما صرح به ثلاثة عسكريين أمريكيين لوسائل إعلام عدة من بينها محطة «سي إن إن» تمت من الأردن إلى داخل الأراضي السورية وبعمق نحو 20 كيلومتراً حسب المصادر التي توثقت منها «القدس العربي» ميدانياً.
الخطوة اتخذت بوضوح رداً على الاستفزاز الإيراني الذي تمثل في وصول قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني إلى المنطقة في الجهة الشرقية من مثلث التنف حيث التقط صوراً برفقة الفيلق الشيعي الذي وصل الى المنطقة منذ اسبوعين ويضم نحو سبعة الاف مقاتل من الحشد الشيعي العراقي وخمسة آلاف من مقاتلين أفغان وبنغال وإيرانيين.
الهدف من «تحريك» واحدة من أثقل وأضخم منظومات إطلاق الصواريخ في الجيش الأمريكي يتمثل سياسياً في «ردع» الميليشيات الإيرانية التي تقترب أكثر من المنطقة وسط «صمت روسي» وتواطؤ قوات النظام السوري .
وكانت القوات الأمريكية في التنف من جهة الأردن قد حذرت النظام السوري والميليشيات من الاقتراب لنحو مسافة 50 كيلومتراً من مسرح تواجدها وعملياتها.
لكن اوساط القرار الأردني تتحدث عن «التفاف» قوات سليماني وميليشياته على المساحة الأمريكية من جهة الشرق وإقامة معسكر ضخم في منطقة الزكف المحاذية، الأمر الذي ترى عمان فيه تحدياً خطيراً يتزامن مع تقدم ميليشيات حزب الله اللبناني في محور عمق درعا لإنتاج ما يصفه العسكريون بـ«طوق أمني» للميليشيات الحليفة يسيطر على وسط البادية السورية ويعيد حسابات التوازنات الإستراتيجية والعسكرية على الحدود مع الأردن وبالقرب من إسرائيل.
في رأي المراقبين الطوق الميليشياتي الذي تدعمه ايران في منطقة الحدود مع الأردن يستهدف اقامة «الممر المائي» إلى المتوسط وغرفة العمليات الأردنية- الأمريكية تحركت بقوة خلال الساعات القليلة الماضية لردع التحركات وسط رسائل وصلت لعمان من إيران وروسيا تفيد بان الميليشيات تهدف لمطاردة تنظيم داعش الإرهابي ولا تخطط للبقاء وهي رواية لا تصدقها المؤسسات الأردنية.
دخول منظومة هيمارس الصاروخية الأمريكية الحديثة وذات التأثير التدميري في عمق الأرض السورية من جهة الأردن هو الخطوة الأكثر تأثيراً والأعمق زمنياً في في إطار «صراع الأجندات» المكثف الذي يستهدف منطقة التنف على الحدود بين العراق وسوريا والأردن وهي الآن بؤرة ملتهبة عسكرياً وأمنياً وسياسياً حسب كل المعطيات.
يتخذ الأمريكيون خطوتهم بعدما ابلغ العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وفي مناسبات عدة مسؤولين وسياسيين ووجهاء في بلاده بان ما يحصل في شمال مملكته وليس في دول الخليج هو ما يشغل ذهنه ويحظى بالأولوية ملمحا الى أن أزمة الخليج شأن داخلي ولا ينبغي التدخل كثيراً به وسيعالج في نهاية المطاف.
اتصالات أردنية مكثفة تحظى برعاية ملكية حصلت خلال الساعات القليلة الماضية بعد التلميح في اجتماعات «سيادية» الى ان المشروع الذي يتصدر حالياً في المنطقة عسكرياً يتعلق بحرص التحالف الغربي على «طوق جغرافي محكم» يلتف من شرق درعا ووسط البادية السورية ويشمل كل خطوط الحدود الأردنية مع سورية وما نسبته 70% من مثلث التنف.
المشروع جدي وبدأ فعلياً بالميدان بعد تحريك منظومة الصواريخ الأمريكية المشار إليها ولن ينتظر حسب ما علمت «القدس العربي» الغطاء «الأممي» ولا قرارات من مجلس الأمن وروسيا بالصورة لكن الخلاف ما زال قائماً على «تسمية» العملية الأمريكية الجديدة التي تستخدم غطاء التحالف.
موسكو تتحدث عن موافقتها على منطقة «منخفضة التوتر» وخالية من حظر طيران والولايات المتحدة ومعها الأردن يتحدثان عن»منطقة آمنة تماماً» وبغطاء جوي تحت لافتة التحالف ولمحاربة الإرهاب وإعادة توطين بعض اللاجئين.
وجود سليماني الاستفزازي والعمليات التي يقوم بها حزب الله في درعا برفقة الجيش النظامي السوري سارعا في الخطوة الأمريكية تحوطا لما يمكن ان يحصل في التنف.
تم التلميح لهذه التفاصيل في اجتماعات بالقصر الملكي الأردني مؤخراً والأوساط الدبلوماسية الغربية بدأت تربط المشروع الأمريكي الجديد باتفاق ضمني وسري أو غير معلن بين واشنطن وموسكو على «فدرلة» سوريا في نهاية المطاف عبر تسريبات تتحدث مبكراً عن «إقليم درعا الجنوبي».
القدس العربي