إذا أرادت واشنطن أن تحدّ من نفوذ موسكو وتحسّن الموقف الاستراتيجي للولايات المتحدة تجاه روسيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يتعين عليها أن تتبنّى استراتيجية تضمّ الخطوات التالية:
· الاعتراف بأنّ بوتين ليس شريكاً في محاربة الإرهاب. بينما تصبّ مكافحة الإرهاب في مصلحة روسيا، تظهر أعمال بوتين أنّه أكثر اهتماماً بإضعاف الغرب وتقسيمه من العمل معه، ويشمل ذلك تمكين القوات المسؤولة عن الإرهاب في طهران ودمشق. بالإضافة إلى ذلك، يحتاج بوتين إلى الغرب كقوةٍ معاكسة يمكن أن يلومها جراء فشله على المستوى المحلي. لذلك، يجب أن يقتصر التواصل بين المسؤولين الأمريكيين وبوتين على منع وقوع نزاع عسكري. إذ أنّ التوفيق سيحقق نتائج عكسية. ولا يستجيب بوتين بإيجابية إلّا عندما يعمل المسؤولون الأمريكيون من موقع قوة.
· الانخراط بفعالية في الشرق الأوسط. ليس من الضروري أن تكون روسيا موازيةً للولايات المتحدة عسكرياً واقتصادياً لكي تشكّل تحدّياً للمصالح الغربية. فعلى سبيل المثال، لا تملك روسيا سوى حاملة طائرات واحدة، وهي “الأدميرال كوزنيتسوف” التي تعاني من الصدأ والتسرب والمعرضة للاشتعال. أمّا الولايات المتحدة فتملك عشر حاملات طائرات أكثر تطوّراً بكثير. بيد أنّ بوتين، وبمجرّد حضوره في وقتٍ كانت فيه الولايات المتحدة غائبة عن الساحة، تمكّن من تعقيد بيئة العمليات في الشرق الأوسط والبحر المتوسط وعزز نفوذ روسيا هناك.
· تحسين التعاون الأمني. يمكن للقوات البحرية الأمريكية أن تزيد من زياراتها إلى المرافئ في الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط من أجل تعزيز الفكرة داخل المنطقة بأنّ الولايات المتحدة تدعم حلفاءها وتدافع عنهم ولا تتراجع. ويمكن للقوات العسكرية الأمريكية أن تزيد أيضاً من التدريبات التي تجريھا غير تلك التي تنظمها سنویاً مع المغرب ومصر والأردن، لتشدد بذلك على قابلية العمل المتوافق بين الدول العربية الموالية للغرب.
· الانخراط عسكرياً في سوريا. على مدى سنوات، لاحظ بوتين وجود نقاط ضعف ملحوظة من الغرب، فأثبت وجوده في سوريا لأنه اعتبر أنّ الغرب لن يحرّك ساكناً للردّ عليه. وامتنع صانعو السياسات في الولايات المتحدةعن اتخاذ أي إجراءاتٍ فعلية في سوريا خوفاً من مواجهة عسكرية مع روسيا. بيد، يعرف بوتين حدوده ولا يسعى إلى مواجهةٍ مباشرة. وبالفعل، وكما أضهرت الضربة التي شنتها الولايات المتحدة بالصواريخ الجوالة في 7 نيسان/أبريل، لم يتمكّن الكرملين من عمل أي شئ إلّا من التذمّر من الحادثة على الرغم من تبجّحاته. وبدلاً من إشعال نزاعٍ مع روسيا، تلقّى بوتين للمرة الأولى منذ سنوات رسالةً مفادها أن للولايات المتحدة خطوطٌ حمراء لا يمكن له أو لوكلائه أن يتخطّوها. لذلك، فعوضاً عن إغراء بوتين بالحوافز، يتعين على واشنطن أن تثبت أنّ احتضانه للأسد يفرض تكاليف هائلة على روسيا.
· التركيز على الدبلوماسية. لن تُسفر الاستراتيجية العسكرية وحدها عن الهدف المنشود. وليس من الضروري تأمين الموارد اللازمة للدبلوماسية الأمريكية فحسب، بل توجيه الدبلوماسيين للتصدّي بنشاط للخطوات الروسية في المنطقة أيضاً. وليس التمويل وحده مقياساً للفعالية في غياب استراتيجيةٍ أوسع نطاقاً.
· استثمار المزيد من الموارد للتصدّي للجهود الدعائية التي يقوم بها الكرملين. تسعى الدعاية الروسية إلى التضليل وزرع الشكوك وإحداث الشلل في نهاية المطاف. فليس من الضروري أن تدوم الأكاذيب لكي تُحدث ضرراً دائماً. وفي الشرق الأوسط تحديداً، تغذّي الدعاية الروسية فكر المؤامرة، مستغلةً الميول السائدة إلى هذا الفكر في المنطقة. وعوضاً عن البقاء في موقع الدفاع بصورة دائمية، يتعين على الولايات المتحدة أن تبذل جهوداً أكبر في خلق الانطباعات الأولى. وتشير دراسة حديثة لمؤسسةRAND إلى أنّه وفقاً لعلماء النفس، يبقى الانطباع الأول صامداً للغاية ويصعب تبديله. وبما أنّ الدعاية الروسية لا تهتم بنشر الحقيقة، فإنها غالباً ما تسيطر على هذه الانطباعات. وفي هذا الصدد، يمكن للولايات المتحدة أن تعمل مع شركائها الإقليميين لإقامة منافذ إعلامية تؤمّن مصادر معلوماتٍ بديلة وتتصدّى لتأثير موسكو السلبي.
· الاعتراف بعدم وجود حلّ سهل وتسوية سهلة على المدى البعيد. غالباً ما نتحدّث عن بوتين على أنه يفكّر على المدى القريب. إلّا أنّه استمر في موقع السلطة لفترة دامت سبعة عشر عاماً، ولا يتعيّن عليه تقييد نفسه بالمهل الزمنية السياسية المحدودة التي يعمل بموجبها القادة الديمقراطيون. وتنكشف نقطة ضعف بوتين عندما يستعيد صانعو السياسة الأمريكيون القيادة بقوّة الوضوح الأخلاقي.
معهد واشنطن