تواجه وحدات حماية الشعب الكردي المنغمسة في قتال تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة تحديا كبيرا مصدره أنقرة، في ظل تواتر الأنباء عن استعدادات تركية لشن عملية عسكرية موسعة ضدها في منطقة عفرين شمال غرب سوريا.
وترجح مصادر مطلعة أن العملية التي بدأ هذا الأسبوع قرع طبولها بالتحرشات العسكرية التركية ووصول تعزيزات ضخمة تمثلت في دبابات ومركبات وجرافات بالقرب من أعزاز، ستنطلق قريبا، وسط معطيات عن ضوء أخضر روسي.
وتبدي روسيا تململا تجاه الأكراد الذين على ما يبدو حسموا أمرهم بوضع جميع بيضهم في سلة الولايات المتحدة.
وظهر هذا التململ جليا حينما سمحت روسيا للجيش السوري باستهداف مواقع لقوات سوريا الديمقراطية التي تقودها الوحدات بالقرب من الطبقة غرب مدينة الرقة، في منتصف الشهر الجاري ما اضطر سلاح الجو الأميركي للتدخل وإسقاط طائرة حربية سورية.
وكانت روسيا تقيم علاقات جيدة مع الوحدات وذراعها السياسية الاتحاد الديمقراطي، حتى أنها سمحت بفتح فرع للأخير على أراضيها، وشكل ذلك مصدرا للتشويش على العلاقات التركية الروسية.
وتريد تركيا استثمار المستجدات الأخيرة جيدا، وما اختيارها لعفرين إلا تأكيد على ذلك، فهذه المنطقة الواقعة في الريف الشمالي الغربي لحلب لا توجد بها قوات أميركية بل روسية، وهناك أنباء عن بداية انسحاب الجنود الروس منها.
وتسعى تركيا لاستثمار التفاهم مع روسيا الذي مكن من فرض حالة من الهدوء على أكثر من جبهة في حلب، ومن المتوقع أن تحاول إقناع موسكو بأن هذا المسار سيتعزز بعد ضمان إخراج الوحدات من المناطق التي يسيطرون عليها في المحافظة.
وذكرت صحيفة “ملييت” التركية أن أنقرة أجرت خلال الأيام الماضية تسع جولات من المفاوضات مع موسكو لبحث العملية العسكرية المخطط لها.
وادعت الصحيفة التركية أن روسيا بدأت بسحب العسكريين الذين سبق لها أن نشرتهم في عفرين في إطار نظام الرقابة على وقف إطلاق النار، في غياب تأكيدات من أطراف محايدة.
وتعتبر عفرين أحد الكنتونات التي تريد الوحدات إقامة حكم ذاتي فيها، ولولا اضطرارها لتولي زمام معركة الرقة كانت بالتأكيد ستتجه إلى تعزيز نفوذها في ريف حلب ووصل هذا الكنتون بباقي الكنتونات وهي منبج وعين العرب (كوباني) وصولا إلى الحسكة (أقصى شمال سوريا).
ويقول محللون إن الظروف تبدو في صالح تركيا، فإلى جانب الموقف الروسي، يسجل انخراط كردي بالكامل في الأجندة الأميركية في سوريا حيث يرجح أن تتجه الوحدات بعد انتهاء معركة الرقة صوب دير الزور شرقا حيث تعتبر إحدى أهم المعارك التي ستحدد مصير سوريا، باعتبار موقعها الاستراتيجي المجاور للعراق واحتوائها لأهم احتياطي سوري من الموارد الطاقية (الغاز والنفط).
ومعلوم أن دير الزور أو الرقة لا تقع ضمن المجال الحيوي للأكراد، بيد أنهم مضطرون لمجاراة واشنطن الداعم لهم في سوريا.
هذا الانشغال بالتأكيد يشكل فرصة مواتية لتركيا لنسف الحلم الكردي بإقامة منطقة حكم ذاتي ابتداء من ريف حلب وصولا إلى الحسكة.
وهناك اليوم تخوف كردي واضح من النوايا التركية عبر عنه مسؤول كبير في قوات سوريا الديمقراطية، الخميس حين قال إن القوات ترى “وجود احتمال كبير لظهور مواجهات مفتوحة وقوية” مع القوات التركية في منطقة عفرين وهو ما قد يقوض الهجوم على تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة.
وتحقق قوات سوريا الديمقراطية، تقدما مهما في الرقة حيث نجحت الخميس، في إغلاق آخر منفذ لداعش في الجنوب، وبالتالي بات الأخير محاصرا من كافة الجهات في المدينة التي اتخذها منذ العام 2014 عاصمة لخلافته المزعومة.
وشدد ناصر حاج منصور مستشار قوات سوريا الديمقراطية على أن أي هجوم على المناطق الخاضعة لسيطرتهم ق “يضر كثيرا” بالهجوم الذي تدعمه الولايات المتحدة على الرقة لأنه سيبعد بعض مقاتلي التحالف عن الخطوط الأمامية بالمدينة.
وأوضح أن القوات اتخذت قرارا بمواجهة القوات التركية “إذا هي حاولت تجاوز الخطوط المعروفة”.
وقال الجيش التركي الأربعاء إنه أطلق قذائف مدفعية على مواقع للوحدات جنوبي أعزاز وذلك ردا على استهداف لقوات معارضة تدعمها تركيا. لكن منصور نفى ذلك مؤكدا أن ما قاموا به كان مجرد رد على القصف التركي، وهو ما تحدثت عنه جهات محايدة أيضا.
والخميس صرح نعمان قورتولموش نائب رئيس الوزراء التركي بأن تركيا سترد على أي إطلاق للنار عبر الحدود من وحدات حماية الشعب الكردية.
وجدد معارضة تركيا لتسليح الولايات المتحدة الوحدات الكردية وقال إن المسؤولين الأميركيين سيفهمون أن هذا كان “الطريق الخاطئ”.
وأمام التصعيد الجاري الذي يتجه نحو مواجهة مفتوحة، يتساءل البعض كيف سيكون الموقف الأميركي؟ هل ستقدم واشنطن على الدخول في حرب مع الأتراك الذين لا يبدو أنهم سيركنون إلى السلم في ظل مساعيهم فرض الأمر الواقع؟ وماذا بشأن الضوء الأخضر الروسي (في حال تأكد) هل سيكون بمثابة صك على بياض لتركيا أم مجرد رسالة على الوحدات التقاطها؟
صحيفة العرب اللندنية