شذى خليل*
شهدت المنطقة العربية اضطرابات سياسية واجتماعية واقتصادية منذ 2011 سميت بالربيع العربي ؛ مما ادى إلى انقطاع إمدادات الكثير من الدول المنتجة مثل ليبيا وسوريا واليمن، اذ فقد السوق نحو 1.6 مليون برميل يوميا من النفط الليبي الخفيف عالي الجودة ولم تستطيع أوبك تعويض الكمية ، مما ادى الى ارتفاع أسعار النفط منذ ذلك الحين فوق مستوى 100 دولار.
واستمر الارتفاع الى عام 2012، اذ فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حظرا على تصدير النفط الإيراني تسبب بخروج نحو مليون برميل يوميا من نفطها من السوق، مما فاقم المخاوف من رد فعل عسكري إيراني؛ أبقى أسعار النفط عالية.
و المخطط البياني التالي ، يوضح تقلبات الاسعار منذ 1960 وحتى الربع الاول من عام 2017:
ونلاحظ على الرسم تقلبات كبيرة بأسعار النفط ترجع الى أسباب متعددة ففي ثمانينيات القرن الماضي ، كان سببها سوء ادارة اوبك للسوق وطمع الدول الاعضاء، في الانتاج والبيع ، اذ عملوا المستحيل لإبقاء الاسعار بمستوى مرتفع مع الافراط في الانتاج؛ مما اوجد تخمة بالمعروض في السوق العالمي، تسبب في انخفاض في اسعاره ، وكان لزيادة انتاج دول خارج اوبك تأثير كبير على سوق النفط ايضا تسبب إضافة إلى تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي الى ان وصل السعر الى اقل من 10 دولارات للبرميل الواحد ، فيما كانت بعض الدول في اوبك تبيع بـ7 دولارات.
ثم شهدت الاسعار ارتفاعا لاتفاق السعودية مع اوبك على حماية السعر، بتقليص الانتاج من 17 مليون برميل يوميا، الى 15.8 مليون برميل للحفاظ على مستوى معين من الاسعار وتفادي الخسائر .
وفيما يتعلق بمستقبل أسعار النفط، فانه لا يمكن توقعها على المدى المتوسط أو الطويل، لكن المختصين بتسويق النفط والخام يؤكدون القلق من تقلبات أسعار النفط ، وهنا لابد من معرفة الاسباب المباشرة وغير المباشرة التي تتلاعب بأسعار الطاقة.
تعد أسعار النفط الخام إحدى أهم المؤشرات في الاقتصاد العالمي حيث تميل الحكومات والشركات إلى إنفاق الكثير من الوقت والطاقة لمعرفة أين تتجه أسعار النفط.
وإذا اردنا تبسيط الأمور يمكن القول ان قوى العرض والطلب من العوامل المؤثرة في أسعار النفط بشكل مباشر، كغيره من السلع والأشياء في حياتنا اليومية، إذا ارتفع الطلب عليه يرتفع سعره والعكس صحيح فإذا يزداد العرض ، يتراجع سعره، ويتم تحديد المعروض من النفط الخام من قدرة شركات النفط لاستخراج احتياطات من الأرض وتوزيعها في جميع أنحاء العالم.
وهناك ثلاثة متغيرات رئيسة للعرض، وهي: التغيرات التكنولوجية، والعوامل البيئية، وقدرة شركات النفط على تجميع رأس المال وتجديده. ومن اهم العوامل المؤثرة في الاسعار:
• زيادة المعروض بسبب التحسينات التقنية خاصة التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي مما ادى الى انخفاض الاسعار.
• يعد الطلب على النفط من أهمّ العوامل المتحكّمة بأسعار البترول عالمياً، فعندما ترتفع أسعاره يقلّ الطلب عليه، والعكس صحيح، ولكن في المقابل عندما تنخفض أسعار البترول تقلّ الاستثمارات التجاريّةُ المرتبطة به، مثل: عمليّات استيراد النفط، أو الصناعات التي تعتمد على مشتقّات النفط كالصناعات البلاستيكيّة، ممّا يؤدي إلى تأثّر سعر النفط في الأسواق الاقتصاديّة العالميّة، ويميل الطلب على النفط إلى الارتفاع خلال الأوقات الاقتصادية الجيدة وإلى الانخفاض خلال الأوقات الاقتصادية السيئة.
• تؤثر منظمة اوبك التي تتكون من ثلاث عشرة دولة بشكل مباشر على اسعار النفط؛ اذ لديها القدرة على التحكم بالأسعار عن طريق تغيير معدلات الإنتاج، وتتحكم الأوبك بـ 40% من امدادات النفط في العالم ، التي تمثل 70% من الاحتياطي العالمي.
• تعد تكلفة الإنتاج من أهم العوامل المؤثرة على الأسعار، فإذا قارناها بين مصدرين مختلفين نلاحظ أن تكلفة استخراج النفط في الشرق الأوسط رخيصة نسبياً مقارنة بغيرها من الأماكن مثل كندا أو الولايات المتحدة الأميركية، وتميل الأسعار إلى الارتفاع إذا تم استنزاف جميع مصادر النفط الرخيصة ولم يتبق سوى المصادر الأكثر تكلفة.
• الاسباب غير المباشرة التي تؤثر على الاسعار بشكل كبير ، هي الأزمات والكوارث الطبيعية وحالة عدم الاستقرار السياسي، فعلى مر التاريخ شهدت فترات الحروب زيادة كبيرة على طلب النفط؛ وذلك لتخوف المستهلكين من الأوضاع الاقتصادية المتدهورة مما أدى بدوره إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير وأفضل مثال على ذلك هو ارتفاع اسعار النفط الذي وصل 147 دولارا أمريكيا للبرميل الواحد في عام 2008 اثر الحروب الحاصلة في ذلك الوقت في العراق وأفغانستان.
• تؤثر الأزمات الاقتصادية سلبياً على اقتصاد دولة معيّنة، أو مجموعة من الدّول فتزداد معدلات المديونيّة بشكل كبير، ويقلّ الطلب على البترول مع ثباتِ سعره، أو ارتفاعِه، ولكن لا تتمكّن الدولُ من شراء كميّات كافية منه، فتُرغَم حينها على رفعِ أسعاره محلياً، حتى تتمكّن من الوصولِ إلى درجة موازنة قريبة بين السعر العالميّ والمحليّ.
• تؤثر الأزمات السياسية التي تحدث عادةً في دولة واحدة، على أكثر من دولة؛ بسبب وجود حروب أهليّة، أو إقليميّة، أو دوليّة مما يؤدي إلى التأثير سلبياً على اسعار البترول، وعادةً ما تؤدّي هذه الأزمات إلى ارتفاع أسعاره مع زيادة الطلب عليه من قبل الدول.
• تسهم مصادر الطاقة البديلة في توفير الطّاقة للإنسان، وتعدّ بديلة عن استخدام النفط، مما قد يؤثّر على أسعاره سلبيّاً مع مرور الوقت، وهذا ما ظهر جليّاً في العديدِ من الصّناعات الحديثة، التي لم يعد النفط يشكل جزءاً أساسيّاً منها، بل صار له دورٌ ثانويٌ فيها، ومن الأمثلة على هذه الصّناعات: اختراع السيّارات الكهربائيّة، التي تعتمد على الكهرباء مصدرا للطّاقة، مع وجود نسبة قليلة من البنزين (أحد مشتقّات البترول)؛ ليساعدَ في تشغيلِها.
• ازدهار إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، أُغرق الأسواق بالنفط منذ ويُرجح أن ذلك هو السبب الذي دفع دول أوبك، وعلى رأسها السعودية إلى الإبقاء على معدل إنتاج النفط الحفري عند مستوياته الحالية دون خفض، مما أدى إلى تراجع حاد في أسعار النفط، ووضع المزيد من الضغوط على كاهل المنافس الأمريكي، كما أن تباطؤ اقتصاد الصين من العوامل التي أحدثت آثارا سلبية انعكست على الطلب العالمي على النفط.
ومن الجدير بالذكر والمؤثر بشكل كبير على اسعار النفط هو ان هناك عشر دول يوشك نفطها على النفاد، مما سيضعها امام مشكلات كبيرة في المستقبل ما لم تكتشف احتياطيات اخرى تصل اليها او تبحث عن بدائل .
وان دولاً مثل الصين والهند لم تصل بعد الى ذروة استهلاكها من الخام ، ولايزال معدل استهلاك الفرد فيها من النفط اقل بكثير من معدلات البلدان الغربية، لكن الفجوة تضيق كل عام .
ويتوقع خبراء اقتصاديون ان التناقض بين ارتفاع الطلب وتراجع الاسعار لن يدوم طويلاً، فيرون انه عندما يصحح السوق وضعه ، ستحدث تداعيات خطرة خاصة في البلدان التي يوشك النفط فيها على النضوب
اعتمد في هذا الجدول على النشرة الاحصائية السنوية التي تنشرها منظمة البلدان المصدرة للبترول ، وهنا نلاحظ انه حتى بعض الدول التي تسجل نسبًا كبيرة في انتاج النفط ، مهددة بخطر نضوب الخام في المستقبل القريب.
ويرى الخبير الاقتصادي عبد الحي زلوم: ان النتائج او الانعكاسات السياسية والاقتصادية لاختلال اسعار النفط تكمن في بان الهبوط المفاجئ وبالطريقة التي حصلت عام 2014 هو زلزال اقتصادي وسياسي من العيار الثقيل والذي سيكون له عواقب عالمية خصوصاً في البلدان المنتجة للنفط، ففي حزيران/ يونيو 2014 كان النفط يباع بــ 115دولارا البرميل، وكان الافتراض السائد أن السعر سيبقى أعلى من 100 دولار ويزداد ببطء في المستقبل.
وبناء على هذا الافتراض صرفت شركات الطاقة مئات ملايين الدولارات في عمليات الاستكشاف والحفر في اعالي البحار واستخراج الزيت الرملي في كندا ، والزيت الصخري في الولايات المتحدة والزيت الثقيل في فنزويلا علماً ان اكثر هذا النوع من الانتاج تكلفته لا تقل عن 50دولارا البرميل واليوم هبط السعر عن 30دولارا البرميل اي هبط حوالي 75% عن سعر يونيو 2014 مما يجعل ما يسمى بالإنتاج غير التقليدي دون جدوى اقتصادية، كما سيتم توقيف الانتاج بواسطة البرامج المساعدة للإنتاج مما يسمى الطرق الثانوية والثلاثية .
ومن الاسباب التي دعت الولايات المتحدة للجوء الى زلزال اقتصادي:
– هبوط الاسعار بهذا الشكل الزلزالي الذي يهدف الى ” زلزلة” اقتصاد منافسي الولايات المتحدة وهم: روسيا وفنزويلا وايران، والبلد المستهدف أساساً هو الاقتصاد الروسي وبالتالي ما ينتج عنه هو زلزال وهدف سياسي .
– الاقتصاد العالمي والامريكي لم يشف لتاريخه من الازمة المالية لسنة 2008 ونتائجها، وهناك تباطوء اقتصادي في اوروبا وحتى في الصين هناك هبوط بالأسعار يساعد على تحفيز تلك الاقتصادات والخاسر الاكبر هنا هو الدول المنتجة للنفط .
توقعات اسعار النفط 2021
تطمئن الوكالة الدولية للطاقة المستهلكين بان التراجع الحاد في أسعار النفط ، لن يدوم و ستعاود الاسعار الارتفاع بشكل كبير بحلول عام 2021. وقالت في تقاريرها الاخيرة ، إنها تتوقع تعافي أسعار النفط قبل نهاية هذا العام.
وتشير الى أن التعافي سيتبعه صعود حاد نتيجة لتناقص المعروض من النفط بسبب تراجع استثمارات المنتجين في هذا القطاع الذين يعانون هبوط الأسعار في الوقت الحالي، اذ بلغ سعر خام برنت أدنى مستوياته في 13 سنة الماضية عند 28.88 دولار للبرميل .
وتؤكد الوكالة تعافي سعر الخام بعض الشيء، لكنه ما زال أقل بكثير جدا من مستويات يونيو/ حزيران 2014 عندما لامست الأسعار 115 دولارا للبرميل، وارتفعت أسعار برنت بواقع 4.9 في المئة لتصل إلى 34.62 دولار للبرميل.
وقال المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة فاتيه بيرول : “من السهل على المستهلكين أن ينخدعوا بالمخزون الكبير والأسعار المنخفضة حاليا، لكننا ينبغي أن نكتب على الحائط: التراجع التاريخي للاستثمارات الذي نراه الآن يثير الكثير من علامات التعجب حول المفاجآت التي قد نراها على صعيد الأمن النفطي في المستقبل غير البعيد.
ومن جانب آخر توقع البنك الدولي ان تصل أسعار النفط الخام هذ العام إلى حوالي 55 دولارا للبرميل، بدلا من 53 دولارا للبرميل مع استعداد أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك للحد من الإنتاج بعد فترة طويلة من الإنتاج غير المقيد.
ويتوقع ايضا أن تقفز أسعار الطاقة التي تشمل النفط والغاز الطبيعي والفحم نحو 25% بشكل إجمالي العام المقبل 2018، وهي زيادة أكبر مما كان متوقَّعا في شهر يوليو من العام الماضي.
ويتوقع خبراء استشاريون لدى الوكالة الدولية للطاقة أن يبلغ المعروض من النفط في الأسواق العالمية 4.1 مليون برميل في اليوم الواحد في الفترة الممتدة من 2015 و2021، وهو ما يشير إلى تراجع مقارنة بالمعروض العالمي الذي ارتفع إلى 11 مليون برميل يوميا في الفترة من 2009 إلى 2015.
وكان الخبراء أشاروا إلى توقعات بتراجع استثمارات النفط وإنتاجه بواقع 17% في 2016 بعد انخفاضه بواقع 24% العام 2016، وتؤكد الوكالة الدولية للطاقة في تقريرها ان العام الحالي 2017 سيشهد في نهاية الأمر تساوي العرض مع الطلب في سوق النفط، لكن المخزونات الهائلة التي تتراكم في الوقت الراهن سوف تضعف وتيرة تعافي الأسعار في الأسواق عندما تبدأ السوق في استعادة التوازن، عندها تبدأ تلك المخزونات في التضاؤل.
ويشير التقرير الاقتصادي الصادر عن المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية الى ان هناك عدة عوامل ستحدد أسعار النفط في المستقبل في عام 2018 وهي: مدى النمو في الاقتصاد العالمي وبالتالي نمو الطلب العالمي على النفط “لكن بما أن الاكتشافات والمصادر الجديدة من النفط التقليدي قد تكون ضئيلة سيبقى النفط غير التقليدي وإمكانية انتشار استخراجه حول العالم هو العامل الرئيس في تحديد أسعار النفط العالمية في السنوات العشر المقبلة”.
كما يشير التقرير الى صعوبة امكانية معرفة اتجاهات الأسعار المستقبلية دون الرجوع إلى حالة انتاج الزيت الصخري موضحا ان بعض الدراسات تفيد بانه وبحلول عام 2035 سيكون معدل انتاج الزيت الصخري بين 10 الى 14 مليون برميل يوميا ما يمثل حوالي 12 % من الانتاج العالمي الكلي للنفط.
ويلفت الى ان هناك توقعات بأن تنخفض أسعار النفط بحلول 2025 إلى 97 دولارا للبرميل بسبب زيادة الامدادات من مصادر تقليدية وغير تقليدية موضحا ان بعض الدراسات اشارت الى ان الزيت الصخري سيؤدي إلى انخفاض أسعار النفط العالمية التي قد تصل إلى 80 دولارا للبرميل.
ويؤكد التقرير ان هناك تباينا في الآراء حول توقعات أسعار النفط المستقبلية ولكن يبقى مستوى 80 دولارا للبرميل هو السعر الأقرب للمتوسط المتوقع خلال السنوات المقبلة.
وفي ظل الظروف الراهنة يصعب توقع مستوى اسعار النفط مع استمرار الصراعات الدولية والمشاكل الداخلية في بعض الدول النفطية مثل ليبيا ونيجيريا والعراق وسوريا.
وستظل الأسعار المستقبلية للنفط رهينة بقدرة العالم على تلبية نمو الطلب العالمي على النفط، وتبقى محكومة بمدى التوازن بين العرض والطلب على النفط مصدر الطاقة الأول في العالم.
الوحدة الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية