(تعيين روبرت موللي منسقا ل”الشرق الأوسط” في البيت الأبيض الأميركي لا يعد مؤشرا كافيا إلى أي تغيير جذري في الاستراتيجية الأميركية بالرغم من الحملة الصهيونية عليه لانفتاحه على “حماس″ و”الإخوان المسلمين” وسوريا وإيران)
في السادس من آذار / مارس الجاري عينت إدارة الرئيس باراك أوباما روبرت موللي، المسؤول السابق عن ملف العراق وإيران والخليج العربي في مجلس الأمن القومي الأميركي وعضو وفدها المفاوض على الملف النووي الإيراني، منسقا خاصا للرئيس والبيت الأبيض لشؤون “الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الخليج” ومن المقرر أن يباشر موللي مهام منصبه الجديد في السادس من نيسان / أبريل المقبل خلفا لفيليب غوردون.
وصف إدوارد أبينغتون القنصل العام السابق للولايات المتحدة في القدس المحتلة موللي المحامي المختص في “حل المنازعات” بأنه “يهودي أميركي” وبأن تعيينه هو “تطور ايجابي”، ووصفته مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس في بيان لها بأنه “واحد من أكثر خبرائنا في الشرق الأوسط احتراما ومنذ شباط 2014 لعب دورا حاسما في صياغة سياستنا في إيران والعراق وسوريا والخليج”.
لكن المنظمة الصهيونية الأميركية لخصت معارضتها لتعيين موللي بأسباب عديدة منها أنه دبلوماسي أميركي “عريق في عدائه لإسرائيل”، و”مهاجم عنيف” لها، و”داعية” لاعتراف الولايات المتحدة بحركة “حماس″ الفلسطينية و”حزب الله” اللبناني”، و”مؤيد لاحتواء إيران” و”ليس لمنعها من امتلاك أسلحة نووية”، و”للتفاوض” مع حكم الرئيس السوري بشار الأسد وليس ل”تغيير نظامه”، ويرى بأن “العمل مع جماعة الإخوان المسلمين ليس فكرة سيئة”، ويسمي المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 “مستعمرات”، ويدعو إلى التخلي عن “خريطة الطريق للسلام” التي أقرتها “الرباعية” الدولية عام 2003 وإلى استبدالها ب”خطة للتسوية الشاملة يتم فرضها على الأطراف” كما جاء في شهادة له أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي عام 2004، ويحث الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة فتح والسلطة الفلسطينية وحركة حماس “للاتحاد”.
وكتب موللي داعيا إلى “إشراك” حركة حماس في مفاوضات منظمة التحرير الفلسطينية مع دولة الاحتلال، مفسرا دعوته بأن المنظمة قد أصبحت “مسنّة، ومتآكلة، وبالكاد تعمل” و”لم تعد الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني”، ودعا كذلك إلى استئناف المفاوضات العربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي “على المسارات كافة على أساس مبادرة السلام العربية”.
ولم يغب عن المنظمة الصهيونية أن تذكّر بوالده سيمون موللي، المولود في مصر وعاش فيها يعمل صحفيا ومراسلا لجريدة “الجمهورية” قبل أن ينتقل مع أسرته إلى فرنسا ليؤسس مجلة “إفريقيا آسيا”، لتقول المنظمة في بيان لها إن والده كان “عضوا معاديا بقوة لإسرائيل في الحزب الشيوعي المصري” و”موضع ثقة مقرب من (الرئيس الفلسطيني الراحل) ياسر عرفات” و”متحمسا لحركات التحرر العنيفة في العالم الثالث”. أما والدته باربارا موللي فكانت تعمل مع وفد جبهة التحرير الوطني الجزائرية في الأمم المتحدة.
وقد كان موللي زميلا لباراك أوباما في كلية الحقوق بجامعة هارفارد ومستشار حملته الانتخابية عام 2008 لشؤون للشرق الأوسط، لكن أوباما اضطر للتخلي عنه آنذاك إذعانا لحملة صهيونية واسعة عليهما بعد أن كشفت “التايمز″ البريطانية أن موللي كان على اتصال مع حركة حماس. وأوضح موللي في مقابلات إعلامية أن تلك الاتصالات كانت جزءا من عمله مع “مجموعة الأزمات الدولية” وقال: “أنا لم أنكر أبدا من كنت أقابل، فذلك هو عملي”، مضيفا انه كان يبلغ وزارة الخارجية الأميركية مسبقا بتلك اللقاءات ويبلغها بنتائجها بعدها. وفي ذات السنة اقتبست “الحياة” اللندنية من نائب رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية والقيادي في الحركة د. أحمد يوسف تأكيدهما للاتصال مع المرشح الرئاسي آنذاك أوباما وقال هنية “إنهم نصحونا بعدم الإدلاء بأي تصريحات خشية أن يكون لها تأثير سلبي على حملته الانتخابية”.
وقبل ذلك تعرض موللي، الذي كان عضوا في الوفد الأميركي المفاوض في قمة عرفات – باراك – كلينتون الثلاثية في كامب ديفيد عام ألفين، لحملة إسرائيلية – صهيونية مماثلة لأنه حمل المسؤولية عن فشل القمة للقادة الثلاثة وليس للزعيم الفلسطيني الراحل وحده كما اتهمه بيل كلينتون وايهود باراك وفريقاهما المفاوضان مرارا وتكرارا.
وتساءل رئيس المنظمة الصهيونية الأميركية مورتون ايه. كلاين: كيف أصبح شخص مثل موللي “مستشارا رفيع المستوى للرئيس ما لم يكن الرئيس أوباما موافقا طول الوقت مع الكثير مما يعتقده ويدعو موللي إليه؟”
ولأن تعيين موللي تزامن مع الأزمة في العلاقات بين الولايات المتحدة وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي التي أثارها الخطاب الأخير لرئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في الكونجرس الأميركي من وراء ظهر أوباما ومن دون موافقته، بدأ محللون ضمن الآلة الإعلامية لدولة الاحتلال وأذرعها الصهيونية واليهودية يتحدثون عن “تغيير في دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط” ويتوقعون أن “سياسة الولايات المتحدة من دون شك سوف تركز حصرا على الضغط على إسرائيل … خلال آخر 22 شهرا من رئاسة أوباما” كما كتب جوناثان اس. توبين في مجلة “كومنتاري” الأميركية في العاشر من هذا الشهر.
فخلال هذه الفترة سيكون أوباما “متحررا من الضغوط الانتخابية” لتكون “معالجة الرئاسة” الأميركية ل”القضية الفلسطينية على وشك أن تتخذ موقفا عدائيا أكبر كثيرا خلال العامين المقبلين” كي يستثمر أوباما “القليل الذي تبقى له من الرصيد السياسي لتحقيق السلام في العالم وترك بصمة له على صفحات التاريخ” كما كتب أليكس فيشمان في يديعوت أحرونوت العبرية في اليوم التالي.
وفي رأي فيشمان، يوجد الآن مساران للعمل على جدول أعمال البيت الأبيض، الأول “المبادرة الأوروبية” التي تقترح استصدار قرار من مجلس أمن الأمم المتحدة ل”حل دائم في الشرق الأوسط” والمسار الثاني ينتظر نتائج الانتخابات في دولة الاحتلال هذا الأسبوع ل”تجديد مبادرة السلام الأميركية التي سوف يقف خلفها شخص ماهر جدا ومصمم وليس مغرما كثيرا” بحكومة نتنياهو وهو روبرت موللي.
ومن الواضح أن مسارات العمل هذه وتعيين موللي وسجله لا بد وان يدب الحياة في فريق التفاوض في منظمة التحرير، خصوصا وأن الرئيس عباس يكرر القول إن التوجه إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والتوصيات الأخيرة للمجلس المركزي للمنظمة لا تعني جميعها التخلي عن المفاوضات. كما أنها ستكون مادة جديدة يسوغ بها المعسكر الأميركي في جامعة الدول العربية استمرار ضغطه على منظمة التحرير لمواصلة الرهان على الولايات المتحدة.
غير أن خلاصة تعيين موللي تشير إلى نتيجة واحدة هي أن الولايات المتحدة متجهة نحو مبادرة جديدة لاستئناف المفاوضات بين المنظمة وبين دولة الاحتلال من دون أي تغيير في مرجعياتها، وإذا كانت المنظمة قد تعاطت وتتعاطى وتفاعلت وتتفاعل فعلا مع “المبادرة الأوروبية” فإنها على الأرجح سوف تتعاطى وتتفاعل مع أي مبادرة أميركية جديدة حسب كل المؤشرات الصادرة عنها، وفي هذه الحالة يكون كل الحراك الدبلوماسي للمنظمة بعيدا عن المفاوضات وعن الولايات المتحدة خلال الفترة الماضية مجرد “لعب في الوقت الضائع″ بانتظار نتائج الانتخابات في دولة الاحتلال، لكنه يظل حراكا يمكن البناء عليه للافتراق نهائيا عن الرؤية الأميركية ل”حل الصراع″ في حال أعادت الانتخابات في دولة الاحتلال نتنياهو إلى رئاسة الحكومة.
وبالمثل ينبغي على حركة حماس ألا تنخدع بمواقف روبرت موللي منها، على أهميتها، فخلاصتها محاولة لاحتواء الحركة وجرّها إلى “التفاوض” في إطار منظمة التحرير مع دولة الاحتلال بالمرجعيات ذاتها التي ظلت حماس ترفضها وتعارضها حتى الآن.
أما أداء موللي “في إيران والعراق وسوريا والخليج” خلال العام المنصرم الذي أشادت به سوزان رايس فإن نتائجه الكارثية على الأرض غنية عن البيان، فانفتاحه على “حماس″ و”الإخوان المسلمين” وإيران وسوريا ليس أكثر من تعامل تكتيكي لخدمة ذات الاستراتيجية الأميركية مع قوى أثبتت وجودها.
فتعيين روبرت موللي منسقا ل”الشرق الأوسط” في البيت الأبيض الأميركي لا يعد مؤشرا كافيا إلى أي تغيير جذري في الاستراتيجية الأميركية التي تكاد تمزق الوطن العربي ومحيطه الإسلامي إذا لم تجد من يردعها بالرغم من الحملة الصهيونية عليه لانفتاحه على “حماس″ و”الإخوان المسلمين” وسوريا وإيران.
نقولا ناصر
راي اليوم