عمّان – قالت مصادر برلمانية موصلية إن هناك خطة تدعمها الميليشيات الشيعية لإجلاء نحو 12 ألف عائلة وإبعادها من الموصل وعزلها في مخيمات خارج المدينة، ومصادرة أموالها المنقولة وغير المنقولة ومنعها من العمل الحكومي، على خلفية اتهامها بأن أحد أبنائها منتم لتنظيم داعش.
وكشفت ذات المصادر لـ”العرب” عن مساع يبذلها نواب بالبرلمان معروفون بقربهم من الميليشيات الشيعية لتوريط المجلس في إقرار قانون يجيز اتخاذ هذه الخطوة ويوفّر لها الغطاء، رغم ما تنطوي عليه من اعتداء على حقوق الإنسان.
وتتساءل أوساط عراقية ما إذا كان من المنطقي إبقاء هذه العائلات مدى الحياة في خيام بالصحراء؟ وإلى من ستؤول ممتلكاتها التي ستصادر؟ ووفق أي قانون ستقع المصادرة؟
وتحذّر من أنّ مثل هذا الإجراء لو نجح المروجون له في إقراره وتنفيذه، سيؤدي إلى خلق داعش جديد يكون الأطفال والمراهقون الذين سينشأون في المخيمات المعزولة نواته.
وتقترح تلك الأوساط أن يحال ملف عائلات داعش إلى القضاء بالكامل، لتلافي التداعيات الخطرة التي قد تتسبّب فيها الوشايات والعودة إلى ظاهرة المخبر السري والاعتقال والطرد لمجرد الشبهة.
ويرى رئيس مركز جنيف الدولي للعدالة الحقوقي ناجي حرج، في تصريح لـ”العرب” أن خطة إبعاد وعزل العائلات الموصلية المتهمة إذا طبّقت ستخلق بيئة جديدة لنشوء ما هو أخطر من داعش، متسائلا “إذا كان أحد أبناء هذه العائلات قد انتمى إلى التنظيم الإرهابي فما ذنب بقيّة أفراد العائلة”.
ووصف الخطّة بأنّها “مخالفة للقواعد الدستورّية التي تحصر الفعل الذي يخضع للعقاب بمرتكبه فقط ولا يتعدّى ذلك إلى أفراد عائلته، فضلا عن الادعاء بأن الدستور والقوانين في العراق تُستمد من الشريعة الإسلامية، فأين هذا الإجراء من القاعدة القرآنية التي تقول ولا تزرُ وازرة وزر أخرى”.
ويذكّر بأن كل المدن التي جرى إدخال داعش إليها ومن ثمّ تدميرها تم ابتداع سياسات وإجراءات بذريعة وجود عناصر إرهابية داخلها ويتضّح في ما بعد أن الهدف هو إبعاد أشخاص معينين أو عمليات أوسع تهدف إلى إجراء تغيير ديموغرافي في المناطق المُستهدفة.
ناجي حرج: العقاب الجماعي يخلق بيئة مناسبة لنشوء ما هو أخطر من داعش
ويقول رئيس قسم الدراسات العليا في جامعة البتراء الأردنية عبدالرزاق الدليمي إن هناك مؤشرات ودلائل تثير الشكوك حول كل ما حصل في الموصل، منذ أن تركت القوات الحكومية أسلحتها وهربت أمام بضع مئات من مقاتلي داعش، تاركة وراءها كما هائلا من أحدث الأسلحة، واصفا النصر الذي حدث في الموصل بأنه “نصر دعائي مفبرك أبهج الكثير من أعداء الموصل والعراق، وهو حلقة جديدة من حلقات الصراع الدائر في البلد منذ احتلاله في 2003. والأسئلة المطروحة بقوة هي هل انتهت مشكلة أهل الموصل بمجرد إزاحة داعش؟ وكم من أهلها سيعودون إلى ديارهم؟ وكيف ستنتهي مهمة البحث عن المفقودين ومن بينهم شباب قتلتهم الميليشيات وداعش أو تم اقتيادهم إلى وجهات مجهولة تحت ذرائع الولاء لتنظيم الدولة الإسلامية”؟ مشيرا إلى أن أهل الموصل هم ضحايا إرهاب الميليشيات وداعش معا.
ويتابع أن “زهو النصر المزعوم يجب ألا يحجب رؤية مرحلة ما بعد داعش”، معتبرا أن “أهم خطوة على المستوى السياسي تتحملها الأحزاب الحاكمة ورئيس الحكومة، وهي البحث عن الأسباب السياسية قبل العسكرية لاجتياح داعش للعراق، كما تجب مراجعة السياسات التي طبقت ضد أهل الموصل وبقية المحافظات العربية السنية من اضطهاد ومهانة وسحق كرامة الناس”.
ويرى الدليمي أن نهاية داعش الافتراضية لا تعني عودة الحياة في الموصل إلى طبيعتها.
أما الحقوقي سليمان الجبوري وهو محامي الدفاع عن وزير الدفاع العراقي الأسبق سلطان هاشم المعتقل في سجن الحوت في الناصرية، فيصف عزل العائلات الموصلية المتهمة، بأنه إجراء ظالم.
ويحذر من أن هذه الإجراءات إذا ما نفذت فسترتد سلبا على مجمل الأوضاع الأمنية وستضرب أي مشروع للمصالحة الوطنية والسلم الأهلي، وستنعكس على خطة إعمار الموصل بصفة سلبية. كما أنها ستمكن قوى الإرهاب من استعادة حاضنتها مجددا بين صفوف الناقمين على الظلم.
ويقول “يجب التمييز بين من انتمى إلى داعش وحمل السلاح وقاتل في صفوفه وارتكب جرائم، وبين أهله وذويه وأفراد أسرته”، مذكرا بأن عناصر التنظيم كانوا يقتلون كل من يحاول الهرب من الموصل بحجة الخروج من دولة الخلافة إلى دولة الكفر حتى لو كان ابنه داعشيا.
ويتابع الجبوري “إن من قاتل وحمل السلاح وارتدى الزي الأفغاني وعمل في الحسبة أو غيرها من تشكيلات تنظيم داعش يجب أن ينال القصاص العادل. أما الأب والأم والزوجة والأولاد، فإذا لم يكن لهم دور في دعم داعش أو ترهيب المدنيين فيمكن عدّهم كشهود على المجرمين”.
العر ب اللندنية