كان هناك ستة أشخاص في الغرفة عندما اجتمع رئيس الولايات المتحدة مع الرئيس الروسي في هامبورغ مؤخراً: رئيسان، ووزيرا خارجية، ومترجمان -من دون مساعدين ولا مستشارين ولا خبراء. ولم يكن هناك أي شيء معد مُسبقاً: كان مستشار الأمن القومي الأميركي، هـ. آر. مكماستر، قد قال قبل الاجتماع: “ليست هناك أجندة محددة -سيكون الموضوع أي شيء يريد الرئيس التحدث عنه”.
غرفة شبه فارغة تقريباً. لوح فارغ. والعلاقات الروسية-الأميركية، التي كانت دائماً غير سوية، أصبحت الآن غريبة، بل وحتى سوريالية. بل إنها أصبحت غير قابلة للتنبؤ بها بالطريقة التي عادة ما يمكن التنبؤ وفقها بطريقة أو بأخرى بمعظم العلاقات الدبلوماسية، لأنها ليست مدفوعة بمصالح جيوسياسية أو اقتصادية لأي من الروس أو الأميركيين. إنها علاقة مدفوعة بدلاً من ذلك بالمصالح الشخصية للاعبَين رئيسيين.
كانت الاتفاقيات الفعلية التي تم التوصل إليها مخيبة: قناة مفتوحة للاتصالات حول أوكرانيا، مهما يعنيه ذلك؛ ووقف لإطلاق النار في جزء من سورية، والذي يمكن أن يكون مصدر أمل على الرغم من أنه جُرب من قبل؛ وبعض السفراء الجدد. والأهم من ذلك كله، كما أقول، كانت الحصص الشخصية -وقد حصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على معظم ما أراده من الاجتماع في الثواني الأولى منه. ومتغلباً على الرئيس ترامب في لعبته الخاصة السخيفة، انتظر حتى يمد الرئيس الأميركي يده أولاً. وطقطقت الكاميرات وأبرقت، وحصلت المواقع الإلكترونية الروسية على الصورة ونشرتها على صفحاتها الرئيسة -صورة ترامب وهو يمد يده لبوتين المتغطرس.
وتلك كانت الفكرة. فبالنسبة للزعيم الروسي، كانت نسبة 99 في المائة من قيمة هذا الاجتماع هي استخدامه في الدعاية المحلية. ففي قناة الأخبار الروسية الأولى، تعجب مضيف برنامج ينتظر اختتام الاجتماع من طوله (أكثر من ساعتين)، ووصف ذلك بأنه إشارة إلى أن ترامب اعتبر بوتين أكثر أهمية من أي زعيم آخر هناك. وقد استمرت تغريدات السخرية في وسيلة التواصل الاجتماعي “تويتر” في الوميض على الشاشة: “ترامب يجلس إلى جانب بوتين مثل تلميذ المدرسة”. وكزعيم غير ديمقراطي يجلس فوق اقتصاد متزعزع، يحتاج بوتين إلى تقديم نوع من المبرر لضمان الدعم. وكان هذا ما يريد: إنه في مركز المسرح العالمي. وهو يحل المشاكل. ويعرض بسخاء الحلول للمشاكل -في أوكرانيا، وفي سورية، وفي “الأمن السيبراني”- المشاكل التي صنعها هو نفسه.
ولكن، لدى النظر إليه من زاوية ترامب، فقد كان الاجتماع ناجحاً أيضاً. ففي ضوء تحقيق مكتب التحقيقات الفدرالي المتواصل، ترتب عليه أن يثير السؤال الصعب المتعلق بالتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، حتى على الرغم من أنه كان متردداً في الإقرار حتى وقت قصير قبل الاجتماع بأنه كان هناك شيء من هذا القبيل . لكنه استطاع إدارة الأمر. وأعلن وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، على نحو ملفت بعد ذلك أن ترامب قد “ضغط” الموضوع -ثم وزعه: لقد أراد الرجلان المضي قدماً إلى الأمام، ولم يكونا “يعيدان محاكمة” الماضي. وأعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن ترامب قبل نفي بوتين للتدخل كحقيقة. وعلى الأقل، يستطيع الرئيس الأميركي الآن أن يقول لنفسه إنه ليس بحاجة لإثارة ذلك الموضوع الصعب مرة أخرى.
من تعليقات ترامب التي تعود وراء إلى أكثر من عقد، يبدو أن ترامب احتاج أيضاً إلى شيء آخر من بوتين: القبول. وأنا لست متأكدة لماذا هذا صحيح، أو من أي جزء من ملف ترامب النفسي هو الذي يفسره. لكنه لطالما أبدى إعجابه بالدكتاتور الروسي وامتدحه مراراً وتكراراً ولم ينتقده أبداً. وقال له في أول لقاء لهما: “إنه لشرف لي أن ألتقي بك”. ربما يكون الأسلوب الأوليغارشي الذي يمثله بوتين، الذي استخدم المال للحصول على السلطة السياسية، ثم استخدم هذه السلطة لجمع المال، وإنما ليس أكثر من ترامب؛ وربما تكون الطريقة التي استخدم بها بوتين أيضاً منصبه لتمكين أصدقائه وعائلته، وهو شيء يفعله ترامب أيضاً. ومن ملاحظات تيليرسون، يبدو أن ترامب حصل على ما كان يتطلع إلى الحصول عليه. فقد قال الوزير الأميركي إنها كانت هناك “كيمياء إيجابية” بين الرجلين، وأضاف: “لم يرِد أي منهما التوقف.” وعند نقطة ما، تم إرسال ميلانيا ترامب لتوقف مهرجان الحب هذا.
وهكذا كان الأمر: حصل كلا الرجلين على ما أراده: حقوق التباهي والتفاخر لبوتين، وصديق جديد لترامب. أما بالنسبة للبقية منا -فلا يهم ما نفكر فيه. في هذه العلاقة، ثمة شخصان فقط هما اللذان يهمان.
آن أبلباوم
صحيفة الغد