العبء المذهبي : العوامل الحاكمة للسياسة الإيرانية تجاه العالم العربي

العبء المذهبي : العوامل الحاكمة للسياسة الإيرانية تجاه العالم العربي

khamenei-thumb-large
تعد إيران من أكثر الدول إثارة للجدل في منطقة الشرق الأوسط، نظرا للتصور الموجود حول تأثيرها، وكذلك التطورات السياسية التي شهدتها منذ القرن السادس عشر، وظهور هوية دينية مذهبية لها متمايزة عن بقية العالم الإسلامي. يرتبط هذا التأثير بعاملين أساسين، ألا وهما الجغرافيا السياسية، والدين.
فقرب إيران الجغرافي للمنطقة العربية، ومشاركة حدودها مع دولة ذات تأثير ونفوذ في المنطقة، كالعراق، أسهما في تشكيل وعي كل طرف بالآخر، وإدراك مدي تأثيره. ولكن علي الرغم من أهمية عامل الجغرافيا السياسية، فإن الدين أو المذهب ربما يعد المؤطر الحقيقي لتشكيل العلاقة بين إيران والعرب. في الحقيقة، لا يمكن الحديث عن العرب وإيران، أو ذكر مواطن التوافق أو الاختلاف بين الطرفين من دون الحديث عن عامل الدين أو المذهب. فنشأة المذهب الشيعي في العراق يعد الخطوة الأولي في التفاعل بين إيران والعرب. وانتقال أهل العراق لإيران هربا من سياسة الأمويين، ثم العباسيين ما هو إلا تجسيد لأهمية عامل المذهب، وارتباطه الوثيق بالجغرافيا السياسية.
مَّثل العراق أحد أهم مواطن الالتقاء بين العرب وإيران، وذلك نظرا لإرثه التاريخي المرتبط بنشأة المذهب الشيعي في تاريخ المنطقة والتاريخ الإسلامي، وبسبب جغرافيته السياسية. ولذلك، نجد أن سقوط بغداد في عام 1258 قد شكل نقطة تحول في تاريخ الاحتكاك العربي- الإيراني. فمنذ ذلك الوقت، بدأت بلاد فارس بالابتعاد تدريجيا عن الديموغرافيا العربية، وظهور حكومات محلية في إيران حاولت توحيد الهضبة الإيرانية. خلال تلك الحقبة، وقبل القرن السادس عشر الميلادي، لم يكن للعرب ذلك التأثير الواضح في الشأن الإيراني. ولكن مع بداية القرن السادس عشر، وعلي امتداد قرنين آخرين تاليين، شكل علماء البحرين، وجبل عامل، والقطيف ثقافة المذهب الجديد الجعفري الاثني عشري في إيران، وعزز التأثير العربي في ذلك الوقت. لكن مع بداية القرن التاسع عشر، والسيطرة الأوروبية علي كلتا الأمتين الإيرانية والعربية، أدي ذلك إلي ركود التفاعل الإيراني – العربي، وسيطرة القبيلة، وطريقة الحكم التقليدي علي النظام السياسي عند الطرفين. هذا الركود بدأ في التحرك مع بداية القرن العشرين، وظهور الدولة الحديثة، وتشكل ما نسميه اليوم بالشرق الأوسط.
شكل التاريخ عاملا أساسيا في مجريات تلك الحقبة، فقد اتخذت الدول الحديثة من التاريخ وسيلة لتعزيز شرعيتها، وتشكيل هويتها، وبالتالي لم تسلم العلاقات بين إيران والعرب من حضور التاريخ بكامل ثقله. فالعرب انهوا الإمبراطورية الساسانية، التي كانت آخر مراحل الإمبراطورية الإيرانية قبل مجيء الإسلام. أما الإيرانيون، فيرون في أنفسهم أنهم الإمبراطورية التي وصلت إلي البحر المتوسط قبل الإسلام في عهد الإمبراطورية الإخمينية، ثم عادوا لذلك في عصر الجمهورية الإسلامية، وفق تصريحات نائب قائد الحرس الثوري في إيران(1).
دخلت العلاقات العربية – الإيرانية منذ بداية القرن العشرين دائرة من الأزمات متأثرة بعاملين، هما: الجغرافيا السياسية، وعامل المذهب أو الدين، وتعقد المشهد أكثر مع ادعاء ملكية أرض البحرين من قبل إيران، والاعتراف بإسرائيل. ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، واختيار إيران للطرف الأمريكي، تحولت إيران إلي شرطي المنطقة، وأصبحت تمتلك نفوذا أكبر من ذي قبل، وتحديدا في منطقة الخليج.
استفادت إيران من تحالفها مع الولايات المتحدة المؤيدة لإسرائيل، خاصة علي الصعيد الاقتصادي، بعدما أوقفت المملكة العربية السعودية تصدير نفطها للدول الداعمة لإسرائيل في عام .1973 فقد قامت إيران بسد العجز، وأدي ذلك إلي تزايد العوائد النفطية بالنسبة لإيران. ولكن علي الصعيد الإقليمي، أثار إتباع إيران لاستراتيجية تخالف الاستراتيجية العربية في المواجهة ضد إسرائيل سخط المنطقة العربية، وعزز الخلاف بين الطرفين. في الحقيقة، وبغض النظر عن تحسن وضع إيران الاقتصادي، بعد دعم إسرائيل، انتشرت موجة من الغضب في أوساط الإيرانيين بسبب إنفاق الشاه المفرط، مما شكل المناخ لثورة .1979 وبدأ التغيير في العلاقات العربية –  الإيرانية، وجاءت معه الثورة الإسلامية التي أدت إلي تغيير التحالفات الثنائية في المنطقة، وإعادة تشكيل السياسة الخارجية الإيرانية.
تتسم السياسة الخارجية الإيرانية بطبيعة معقدة. فالمهتم بهذه السياسة، عند دراسته ومتابعته لها، قد يجد أنه من الصعب وصف السياسة الخارجية الإيرانية ضمن إطار محدد لما تحويه من الكثير من الغموض والتحرك السريع، الأمر الذي انعكس في تداخل القومي والثوري بالبراجماتي. إضافة إلي ذلك، اتسمت السياسة الإيرانية باللعب علي عامل الزمن، والانتقال تارة بين دائرة المذهبية، وتارة أخري بين دائرة المصالح، وبالتالي انعكست كل هذه العوامل علي طبيعة السياسة الإيرانية تجاه الدول العربية، والتطورات المرتبطة بتلك الدول. كما أنه يمكن القول إنه من غير الدقيق تعميم سياسة إيرانية موحدة تجاه جميع الدول العربية(2)، ولكن يمكن الجزم بأن السياسة الإيرانية تجاه الدول العربية قد مرت بثلاث مراحل أساسية، المرحلة الأولي منذ نشأة الجمهورية الإسلامية في عام 1979، والمرحلة الثانية منذ الاجتياح العراقي للكويت في عام .1990 أما المرحلة الثالثة والأخيرة، فهي المرتبطة ببدء ما يسمي بالربيع العربي.
من الملكية إلي الجمهورية:
كانت السياسة الخارجية الإيرانية، ولا تزال، محل جدل سياسي، وأخذت مساحة كبيرة من النقاش في مختلف المواقع في العالم. فتأثير السياسة الخارجية كان بارزا علي محيط المنطقة، فالنظام الذي عرف ب”شرطي المنطقة” طرح العديد من التساؤلات حول دور إيران، وما تريده لنفسها من أهداف ومصالح في الإقليم. علي الصعيد الدولي، كان هذا الدور في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، مما صور النظام الملكي في إيران كنظام عميل ومتواطئ، وأدي إلي إسقاطه، إضافة إلي أسباب اقتصادية واجتماعية أخري.
اختلفت طموحات إيران وأهدافها الإقليمية مع نشأة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بسبب اختلاف مستويات تحليل السياسة المتعلقة بالشأن الإيراني. ولكن يمكن حصر هذه المستويات في أطر تتعلق بتقديم بديل سياسي يعمل لمصلحة شعوب المنطقة، وتحديد سياسة المعارضة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ومعارضة النظم الاستبدادية، من وجهة نظر إيرانية. وبالتالي، يمكن جمع هذه المستويات في محدد رئيسي، ألا وهو الدستور الإيراني الذي حاول أن يؤطر لهذه المستويات، وفق المادة رقم 152المتعلقة بسياسة إيران الخارجية، والمبنية علي رفض فرض كل أنواع الهيمنة والخضوع لها علي حد سواء(3). في هذا السياق، يمكن القول إن الدستور الإيراني يعد الإطار الأول في تحديد سياسة إيران تجاه الدول العربية، وبالتالي فهو المحرك الأول لسلوك إيران السياسي.
إن سياسة إيران الخارجية ما هي إلا نتاج الأيديولوجية الثورية التي تحاول أن تتبناها، والمبنية علي المذهب الشيعي الإثني عشري. شكلت إيران عن طريق هذه الأيديولوجية سلوكها السياسي أولا عن طريق أيديولوجية التمدد، وثانيا فيما يتعلق بالخطاب الديني المذهبي، ومبدأ تصدير الثورة الإيرانية. إن مبدأ وحدة الأمة الإسلامية كان إحدي النقاط الرئيسية التي كررها آية الله خميني في العديد من خطاباته. ويري النظام الإيراني أن إنشاء الدولة الإسلامية هي الخطوة الأولي في نشر هذا المبدأ. و كان استخدام الخطاب الديني هو الوسيلة المثلي لجمع المسلمين حول راية ” لا إله إلا الله”، والمحقق للانتصار علي أعداء الإسلام، من وجهة نظر النظام الإيراني. ومما ضاعف حالة الجدل بين السنة والشيعة تمحور خطاب توحيد الأمة الإسلامية تحت مفهوم “ولاية الفقيه”، الذي يعد من أكثر المفاهيم إشكالية بين الطرفين(4). لم تكن محاولة بناء هذا الخطاب وتمركزه حول هذا المفهوم تحديدا إلا وسيلة للسعي وراء طموحات إيران في التمدد، ومحاولة منها في تقديم النموذج الإيراني كنموذج ممثل للمسلمين في مختلف بقاع العالم، بغض النظر عن حقيقة أن الشيعة يشكلون أقلية في العالم الإسلامي. لقد تبنت إيران في هذا السياق خطابا سياسيا ودعائيا تمحور حول مبدأ تصدير الثورة المنبثق عن الخطاب الديني كجزء أساسي من سياستها الخارجية، مما أملي عليها إتباع سياسة لنشر الوعي بين المسلمين لمعتقدات الثورة الأساسية، ومحاولة تحريك الشعوب المسلمة ضد الأنظمة الديكتاتورية والفاسدة في المنطقة عن طريق صناعة ثورات محلية تمهيدا لإنشاء شعب مسلم موحد(5).
استخدمت إيران مبدأ تصدير الثورة المنبثق من الخطاب الديني كوسيلة للوصول إلي أهدافها المعلنة المتعلقة بحماية حقوق المسلمين في المنطقة، ودعم المظلومين وحمايتهم، وما يتماشي مع الأهداف المتعددة المذكورة في الدستور الإيراني، الخاصة بسياسة إيران الخارجية. ولم يتجاوز الحديث عن تصدير الثورة سوي محاولات مبهمة محاطة بالكثير من الأسئلة، وتفتقر إلي الوضوح. لقد تميزت السنوات الأولي من عمر الثورة بهيمنة الشعارات الثورية عليها(6)، وبرز هذا التأثير بصورة جلية في لبنان، واستطاعت إيران مساعدة حزب الله في الظهور كممثل للشيعة في لبنان علي حساب حركة أمل الشيعية التي كانت فاعلة أكثر. وفي سياق الدعم لحزب الله، وفرت إيران الدعم المادي والعسكري بحيث تمكنت من تكوين قوة شيعية في المنطقة، وفق نظرة المحيط العربي لإيران. ووسعت إيران كذلك  التأثير في دول الخليج، التي يشكل الشيعة فيها حضورا متفاوتا بين القلة والكثرة. وقد برز هذا التأثير في انتشار المؤيدين لنظرية “ولاية الفقيه”، إذ حاولت العديد من القوي الشيعية في الخليج تبنيها للتقرب من إيران، مما أدي إلي توتر العلاقات بين الأخيرة والسعودية تحديدا. لم تكن فلسطين بمنأي عن التأثر بالمناخ الثوري الذي أحدثته الثورة الإسلامية ذات الهوية الشيعية، بل يمكن القول إنها كانت أكثر الأطراف تأثرا، إذ ألهمت الثورة الكثير من المنظمات الفلسطينية(7). بيد أن هذا الإلهام لم يستمر طويلا، وتحديدا بعد بروز عامل المصلحة الإيرانية، وتجلي ذلك بوضوح في حرب إيران مع العراق، عندما قررت طهران قبول الأسلحة من الولايات المتحدة الأمريكية مقابل إطلاق سراح بعض الأسري، غاضة النظر عن مبدئها المعارض والمعادي للولايات المتحدة الأمريكية.
خفت مع نهاية الحرب الإيرانية – العراقية ألق الخطاب الإيراني الثوري وحدته، حيث شعرت إيران بأنها في حاجة لتقييم علاقاتها الدولية، حتي تتمكن من الخروج من تداعيات الحرب(8). فقد حاول الرئيس الإيراني الأسبق، هاشمي رافسنجاني، التقليل من المجابهة بين إيران وبقية الدول، ومحاولة تجسير علاقتها الخارجية، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخري، وتقليل دعمها للحركات الإسلامية. وقد أبان كل ذلك عن تغير التوجه الإيراني من مفهوم الثورة إلي مفهوم الدولة. استمرت إيران في هذا المسار الأقل ثورية خلال فترة الرئيس محمد خاتمي، الذي سعي لتقديم فكرة حوار الحضارات، والتي تعد دليلا علي عبور أو انتقال سياسة إيران الخارجية إلي مرحلة تتسم بطابع أقل ثورية، وتغلب عليه المصلحة الإيرانية الخاصة في أغلب الأحيان.
بدأت في فترة ما بعد الحرب، – خاصة بعد انتهاء الاجتياح العراقي للكويت في عام 1990 الذي عارضته إيران، كما عارضت أي تغيير في الخريطة السياسية للمنطقة، جراء عدوان خارجي – مرحلة ثانية في السياسة الإيرانية، تميزت بالانكفاء علي الشأن الداخلي، وإتباع سياسة خارجية أكثر هدوءا وتصالحا مع الغرب، والمنطقة العربية علي حد سواء، وهي السياسة التي ساعد في نجاحها تدريجيا موقف إيران من الاجتياح العراقي للكويت. إلا أن هذا التوجه لم يمنع إيران بشكل تام من مواصلة طموحاتها في امتلاك نفوذ وتأثير في دول المنطقة، وقد كان هذا من خلال محاولة البحث عن دور إقليمي مؤثر تجلي في القضية الفلسطينية، وموقفها من إسرائيل، إذ تعد القضية الفلسطينية من أهم نقاط الخلاف بين إيران والعرب. ففي الوقت الذي توحد فيه جميع العرب ضد إسرائيل، توجه النظام الملكي في إيران إلي دعم إسرائيل علي المستويين السياسي والاقتصادي، والاعتراف بها، تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية(9).
أما بعد الثورة الإسلامية، فقد جري إعادة ترتيب الحسابات السياسية، التي أصبحت مبنية علي معاداة إسرائيل، حتي وصل الأمر إلي درجة وصفها بالغدة السرطانية التي يجب استئصالها. ولم يكن هذا الخطاب الجديد ذا تأثير في إسرائيل وحدها، بل تعدي وأصاب الكثير من الدول العربية التي وصفتها إيران بأنها تعمل لحماية إسرائيل، مما أدي إلي تخييم الأجواء السلبية والمشحونة علي المنطقة. ولكن في السياق ذاته، أكدت هذه الأحداث الفرضية التي تزعم أن توتر العلاقات العربية -الإيرانية ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج أحداث مختلفة منذ بداية القرن العشرين. لقد حاولت إيران استخدام القضية الفلسطينية كوسيلة لإثبات نظريتها حول أنظمة المنطقة بأنها فاسدة وحليفة للغرب، مما أدي إلي حسبان هذا التوجه نوعا من زعزعة الأمن العربي.
يمكن عدّ القضية الفلسطينية أحد الأمثلة الأساسية الأولي التي تصور تدهور العلاقات العربية  الإيرانية. ولكن إيران لم تستخدم القضية الفلسطينية فقط كوسيلة ضد الأنظمة العربية المخالفة لها، ولكنها في السياق ذاته، حاولت توظيف عامل الدين أو المذهب عن طريق دعم الأقليات الشيعية في المنطقة العربية، مما أدي إلي تأزم الموقف أكثر بين الطرفين، خصوصا لأن الدول العربية عدت دعم إيران للأحزاب المعارضة فيها كنوع من أنواع التدخل في الشأن المحلي. كان تدخل إيران ومحاولتها التفريق بين الشعوب والحكومات واضحين، أضف إلي ذلك ادعاءها لملكية بعض الدول مثل البحرين، مما جعلها في قائمة المهددين لأمن المنطقة، وزاد حدة توتر علاقاتها مع دول الخليج علي وجه الخصوص. علي صعيد آخر، ساعدت ظروف المنطقة إيران علي توسيع نفوذها، والتأثير من خلال الجماعات الشيعية المنتشرة في العديد من الدول العربية. لذلك، يمكن عدّ غزو العراق من قبل القوات الأمريكية كفرصة لإيران لدعم الجماعات الشيعية في العراق، مما عزز طموح الشيعة السياسي في تحسين أوضاعهم السياسة في المنطقة. وبالتالي، أصبح غزو العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2003 هو المؤسس للمرحلة الجديدة في تاريخ العراق والمنطقة العربية، إذ مثل تمكن الشيعة من حكم العراق حدثا مهما، ولا يمكن تجاوزه في تاريخ المنطقة لسبب رئيسي، ألا وهو جعل العراق حليف إيران الاستراتيجي، ومركزا لحماية المصالح الإيرانية علي قرب جغرافي واجتماعي من الشيعة في منطقة الخليج علي وجه الخصوص.
لم يكن الدستور الإيراني هو المحدد الوحيد للعلاقة بين العرب وإيران. فبالرغم من أن مختلف هذه الأحداث وقعت ضمن سياق تصدير الثورة، ومبدأ معاداة الغرب، ونصرة المظلومين، فإن الألفية الثالثة تعد نقطة تحول في سياسة إيران الخارجية. بدأ هذا التحول عندما خسرت إيران قطاع مهما من الرأي العام العربي، بعد تحالفها غير المكتمل وغير المعلن مع الولايات المتحدة الأمريكية، عندما قررت اجتياح أفغانستان، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وذلك بعد أن تسلل الإعجاب بسلوك إيران السياسي إلي قلوب الكثيرين بسبب موقفها من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. ففي الوقت الذي عصفت فيه أحداث الحادي عشر من سبتمبر بعلاقات الولايات المتحدة مع العرب، حاولت إيران أن تخرج بمظهر الدولة التي كثيرا ما تأثرت بالإرهاب، وأن بإمكانها المساعدة في الحرب عليه مع المجتمع الدولي. وعلي الرغم من عودة العامل المذهبي إلي السياسة الخارجية الإيرانية في تلك الفترة، فإن مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية في حربها علي الإرهاب خفضت حدة الصراع بين إيران، وبعض القوي الدولية المهمة(10).
وبشكل عام، فقد صبت تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر في مصلحة النفوذ الإيراني في المنطقة. فبسبب الحرب علي الإرهاب، استطاعت إيران التخلص من طالبان، والنظام العراقي في فترة لا تتجاوز السنتين. إضافة إلي ذلك، فُتحت الأبواب لإيران لتصدير إنتاجها المحاصر إلي كل من أفغانستان والعراق، مما أنعش الاقتصاد الإيراني، وخلق لطهران أجواء ملائمة للتأثير في المنطقة. وبالتالي، أتاحت الحرب علي الإرهاب فرصا متعددة أمام إيران للتوغل في المنطقة، ولكن هذه الفرص لم تنتجها سياسة إيرانية مقصودة بقدر ما خلقتها تداعيات السياسات الأمريكية في المنطقة، واعتماد العرب الدائم علي واشنطن. ولكن قدرة إيران علي زيادة نفوذها في المنطقة صاحبتها خسارة علي مستوي الرأي العام العربي، حيث كشفت لقاعدة كبيرة من المعجبين السابقيين بالنموذج الإيراني طبيعتها كدولة طائفية.
ومما زاد التوتر بين إيران والعرب ظهور أزمة مفاعل بوشهر النووي الإيراني الذي زاد من قلق الدول العربية إزاء ازدياد نفوذ إيران في المنطقة، حال أصبحت قوة نووية. وزاد تطور البرنامج النووي الإيراني الشكوك العربية حول سياسة إيران تجاه العالم العربي، وتطلعها إلي الهيمنة الإقليمية. وبالتالي، أصبح البرنامج النووي الإيراني من أكبر العوامل المثيرة للجدل علي مستوي العلاقات العربية – الإيرانية، وأضيف إلي قائمة تدخل إيران في الشئون الداخلية للدول العربية التي تبدأ بمفهوم تصدير الثورة، والعامل المذهبي، وأخيرا هذا البرنامج النووي الذي رأي فيه العرب والولايات المتحدة الأمريكية تهديدا لأمن المنطقة واستقرارها(11). لم يكن البرنامج النووي سببا لزيادة التوتر بين الطرفين فقط، بل شكل نوعا جديدا من القلق الإقليمي، لأنه كان من أهم العوامل التي تباينت فيها مواقف التحالفات في المنطقة. فبينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تشن حملة مشددة ضد إيران، وبرنامجها النووي، نجد أن تركيا حاولت انتهاج طرق أكثر دبلوماسية لمواجهة البرنامج النووي. أثمرت تلك الطرق مبادرة رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، آنذاك، والرئيس البرازيلي السابق، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا(12). كشف البرنامج النووي الإيراني عن المحاور الموجودة في المنطقة. فبينما استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية تشكيل محور الاعتدال – الذي تكون من حلفاء كالسعودية، والإمارات، ومصر، والأردن، مقابل حزب الممانعة الذي تكون من إيران وسوريا – تكون محور آخر بين هذين المحورين، والمتمثل في قطر وتركيا، والذي شكل تحالفا وسطا لم يتم وضع بشكل كامل في محور المقاومة، ولا محول الاعتدال، لم يكن البرنامج النووي هو المفردة الوحيدة المتجاذبة بين محوري الاعتدال والممانعة، فالحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية علي الإرهاب كانت من أهم العوامل التي حاولت أن تركز فيها علي دور الدول الإقليمية في المنطقة(13). فغزو أمريكا للعراق، واعتمادها علي أحد خصومها التاريخيين كإيران ما هما إلا مثال لهذه التحالفات.
لقد حاولت إيران استثمار السنوات الأولي بعد سقوط نظام صدام حسين، وسعت إلي خلق “عراق شيعي” ليصبح حليفا استراتيجيا لإيران في المنطقة، وحاولت تعزيز نفوذها الأمني والاقتصادي في أوساط الشيعة في العراق. يري الباحث الإيراني كيهان برزيكر أن ” تنصيب الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة في العراق، بعد أزمة 2003، كان نقطة تحول في تقوية مكانة العامل الشيعي في سياسة إيران الخارجية”(14). ومن هذا المنطلق، يري برزيكر أن دور إيران في المنطقة يعتمد في المقام الأول علي علاقاتها مع حلفائها من الشيعة في المنطقة، وقدرتها علي توظيف العامل الشيعي لخلق فرص داخل المنطقة.لقد تمكنت إيران، خلال تلك الفترة، من المحافظة علي علاقاتها مع لبنان، وسوريا، وحركة حماس، ولكن كل ما حاولت فعله، خلال الحرب الإسرائيلية علي غزة ولبنان، لم يتمكن من إخراجها من مربع الطائفية.
إيران والربيع العربي:
حتي ما قبل الربيع العربي، كانت إيران تستشعر تفوقا معنويا بصفتها الدولة الثورية الوحيدة في المنطقة، إضافة إلي استنادها إلي شرعية مذهبية. كانت إيران تحاول أن تترجم ثوريتها وشرعيتها عن طريق سلوكها السياسي، ومحاولة تصدير هذه الثورة إلي دول المنطقة. ولكن مع انطلاق أول شرارة ما يسمي بالربيع العربي، تفاجأت إيران، وقلل ذلك من الإحساس بالتفوق المعنوي بسبب أحداث الربيع العربي المتسارعة التي غيرت طبيعة التفاعلات السياسية في المنطقة بصورة لم تكن متوقعة.
وعلي الرغم من أن حالة الإعجاب بالنموذج الإيراني بدأت في الانخفاض منذ عام 2009، والتراجع بسبب الانتخابات الرئاسية التاسعة في إيران بسبب الاتهامات الداخلية المتعلقة بعدم نزاهتها(15)،  فإن ردود الفعل الإيرانية تجاه ما يحدث في المنطقة، خلال فترة الربيع العربي، أدي إلي تراجع الإعجاب في أوساط الرأي العام بإيران كدولة ثورية، وذات أيديولوجيا تعمل علي نصرة المستضعفين. إن اختلاف ردة الفعل الإيرانية للأحداث في مصر، وليبيا، وتونس عن ردة فعلها لما حدث في سوريا، والبحرين، واليمن، لم تكن سوي تجسيد لتقديم إيران عامل المصلحة علي عامل المذهب، ومبدأ نصرة المستضعفين. بالنسبة لإيران، لم يكن مقبولا التخلص من نظام معمر القذافي، عن طريق منظمة حلف شمال الأطلسي، ودعم الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك إيمانا من إيران بأن الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، كفرنسا وبريطانيا، كانت تحاول أن تسيطر علي زمام الأمور في ليبيا(16)، وتقود التغيير في المشهد السياسي الليبي. وفي السياق نفسه رفضت إيران اعتداءات الناتو علي المدنيين، وعدَّته تصعيدا للعنف في ليبيا.
عدَّت إيران، للوهلة الأولي، ظهور الإسلاميين في المشهد السياسي الحاكم، بعد أحداث الربيع العربي في كل من مصر، وتونس، وليبيا، امتدادا للثورة الإسلامية، أو صحوة إسلامية في المنطقة، كما أطلق عليها مرشد الثورة آية الله علي خامنئي. ولكن هذا التفسير لم يكن مقبولا لدي الشعوب التي شهدت هذه الثورات وأشعلتها. وفي الوقت نفسه، لم يحاول الإسلاميون نسبة هذه الثورات لهم، أو الادعاء بأنهم من كانوا السبب في الربيع العربي. وبالتالي، فإن فكرة الصحوة الإسلامية التي كانت تحاول إيران الترويج لها لم تجد صدي في أوساط المنطقة العربية التي كانت تري أن الربيع العربي هو حراك نحو تحقيق كرامة المواطن العربي، وإلغاء قمع وظلم الحكومات الديكتاتورية، وإقامة دولة العدل في المنطقة.
وأما سوريا، فقد كان لإيران موقف مغاير تماما، تمثل في دعم نظام بشار الأسد، والادعاء بأن هناك من يحاول استغلال الأحداث في المنطقة من أجل زعزعة الأمن في سوريا، والانتقام من النظام السوري لأسباب لا تتعلق بما يحدث في بلدان الربيع الأخري. في ذلك السياق، كانت إيران تحاول أن تتبني وجهة نظر النظام السوري، من خلال خطابها الإعلامي مثل جدية النظام السوري في الإصلاح. وبالتالي، لم يدل موقف إيران من الأزمة السورية علي أن الشعب السوري يعاني ظلم وقمع نظام بشار الأسد، مما بين أن إيران ثابتة علي موقف واحد وواضح تجاه المستضعفين في المنطقة، وأن الأمر لا يتعدي أن تجد إيران مصالحها القومية(17). وعليه، يمكن القول إن الثورة السورية كانت ورقة الاختبار الأصعب بالنسبة لإيران. فانسحاب حركات أساسية ومساندة لكلا النظامين، كحركتي الجهاد الإسلامي وحماس، أدي إلي التأثير في دور إيران السياسي، ووضعها في محل انتقاد شديد من قبل أنظمة المنطقة وشعوبها بسبب عدم وجود أي مبرر لحماية النظام السوري من قبل إيران سوي البعد المذهبي.
وعلي الرغم من أن إيران كانت تحاول أن تكسب الرأي العام العربي، وأن تحافظ علي الاتساق في سياستها الخارجية، فإن موقفها من البحرين و سوريا عزز الادعاء بأن إيران تستخدم الخطاب الديني، ومفهوم الثورة لتحقيق أهداف ومصالح سياسية فقط. في الإطار نفسه، دائما ما كانت إيران تحاول الابتعاد عن وصفها بالدولة الطائفية، ولكن سياستها تجاه البحرين لم تكن تحتمل سوي هذا الوصف. ففي الوقت الذي كانت تدعم فيه إيران النظام السوري، كانت تؤيد الاحتجاجات الشعبية في البحرين، وتدعم مشروعيتها. ولم يتوقف الأمر عند وصف هذه الاحتجاجات بالمشروعة، بل تعداها إلي مهاجمة موقف دول الخليج، والجامعة العربية الذي تمثل في حماية المؤسسات السيادية في البحرين عن طريق إرسال قوات درع الجزيرة(18).
لقد تمتعت إيران – بقبول الرأي العام، وتميزها بحضور إقليمي – بكونها دولة ثورية، وتتبع ديمقراطية إسلامية. وبالترويج لهذه الصورة، استطاعت إيران استخدام مبدأ القوة الناعمة لجذب المواطن العربي، وجعله يضع التجربة الإيرانية في مقارنة ليست في مصلحة حكومات المنطقة. في هذا السياق، يبدو أن الربيع العربي قد أماط اللثام عن استراتيجية إيران في استخدام المذهب كوسيلة لتحقيق مصالحها كدولة.
وعلي الرغم من وجود إيران في المنطق، وقدرتها علي التأثير فيها، فإن هذا الوجود لا يتعزز إلا في تلك المناطق التي تعاني عدم الاستقرار. فإيران حتي الآن لم تستطع التأثير في دولة محافظة علي استقراراها السياسي، ومستوي أمنها الداخلي. ولكن بالنظر إلي الدول التي استطاعت إيران الحضور في مشهدها السياسي، نجد أن أغلبها دول تعاني ضعف أو غياب نظام سياسي مؤثر وفعال. فحضور إيران في اليمن – علي سبيل المثال – ليس بسبب قدرة إيران السياسية والاقتصادية الفذة التي تمكنها من خلق أوضاع جديدة، أو إنشاء لاعبين غير حكوميين، ولكن بسبب تمكنها من الاستقادة من غياب الاستقرار، وتوجيه مجريات أحداث المنطقة في اتجاه مصالحها، وعلاقة إيران بالحوثيين في اليمن خير مثال. قد يبدو للكثير أن هذا التكتيك والحضور ناجح، ويساعد
إيران في تحقيق أهدافها الإقليمية. ولكن في ظل التغيرات التي تحدث في المنطقة، والحصار الاقتصادي المفروض علي إيران من جهة، وانخفاض أسعار النفط العالمية من جهة أخري، قد يصبح من المكلف والصعب علي إيران المحافظة علي حضورها ودورها الإقليميين.
خاتمة:
كان عاملا التاريخ والدين هما الإطار المحدد لسياسة إيران تجاه الدول العربية من قبل ظهور الدولة الحديثة. ولكن بعد قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، يمكن القول إن عامل التاريخ قد قل تأثيره، وبرز بقوة عامل الدين والمذهب، خلال التطورات التي شهدها الوطن العربي. يمكن القول إن عامل الدين يبدو كحاضن سياسي لمحددات العلاقة بين إيران والعرب. فسلوك إيران السياسي، والمستمد من المادة رقم 152 في الدستور الإيراني المتعلقة بسياسة إيران الخارجية، ما هو إلا محاولة لتوظيف عامل الدين في السياسة الخارجية كقوة ناعمة من أجل تعزيز حضورها السياسي في المنطقة. وفي السياق نفسه، يعد استخدام الخطاب الديني، ومحاولة التركيز علي الأقليات المستضعفة في المنطقة وسيلة أخري لتصدير فكرة الثورة الإيرانية، ضمن إطار العامل الديني أيضا. وطيلة تلك الفترة، كان الخطاب السياسي الصادر من طهران يحاول أن يعكس الهوية الدينية الشيعية تحديدا بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية، مما أدي إلي تراجع الخطاب القومي. منذ تلك الفترة، يمكن حصر المد والجزر في العلاقات الإيرانية – العربية في ثلاث محطات مهمة. بدأت هذه المحطات حينما تأسست الجمهورية الإسلامية في إيران، واتخذت من مبدأ تصدير الثورة، وأيديولوجية التمدد طريقا للتوغل في العالم العربي.
خلال السنوات الأولي من الثورة الإيرانية، ومعاداتها للولايات المتحدة الأمريكية، والدولة العبرية، توترت العلاقات بين الطرفين العربي والإيراني بسبب انتقاد إيران للعلاقات العربية  الأمريكية، وبسبب موقف العرب غير الواضح وغير المحدد تجاه إسرائيل. في تلك الفترة، استهدفت إيران المجتمع العربي بشعارات الثورة، وبالموقف الواضح المعادي للدولة العبرية. ولكن سرعان ما خسرت إيران الرأي العام العربي في فترة الحرب علي الإرهاب، التي تعد المحطة الثانية في العلاقات بين الطرفين، حينما قررت أن تساند الولايات المتحدة الأمريكية للتخلص من نظام طالبان، مما بدأ يكشف للعرب حقيقة إيران المذهبية، واستغلالها عامل الدين لتحقيق مآرب شخصية. وفي الفترة ذاتها، ازداد القلق العربي من توسع النفوذ الإيراني، بعد غزو العراق، ووصول
الجماعات الشيعية إلي الحكم، وبالتالي كسبت إيران حليفا استراتيجيا في المنطقة، زاد من فرصها للتوسع والتأثير بصورة أكبر. ولكن مرة أخري، خسرت إيران الرأي العام العربي بسبب الاضطرابات التي حدثت في الشارع الإيراني المحلي بسبب عدم نزاهة انتخابات عام .2009 هذه الاضطرابات الداخلية قادت الكثير من المعجبين بالنموذج الإيراني إلي فقدان الأمل فيه. ولكن المحطة الحاسمة في العلاقات الإيرانية العربية كانت محطة الربيع العربي. لقد لعب تلون الموقف الإيراني من الثورات في مختلف البلدان العربية دوره، بحيث قاد إلي الاقتناع في الوسط العربي بأن إيران لا تتصرف علي أساس ديني، وأن الدين ما هو إلا وسيلة تستخدمها لتأمين مصالحها السياسية.
ليس الاختلاف بين إيران والعرب وليد التطورات الحديثة في المنطقة، بل هو نتاج تاريخ طويل، وبالتالي كانت إيران سبب قلق دائما للعرب، بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي الحاكم فيها. لقد لعب السلوك السياسي الإيراني، الذي اختلف من فترة لأخري، دوره في انتقال العلاقات عبر فصول من الأزمات. تكمن أزمة العلاقات العربية – الإيرانية في توظيف إيران السريع للتطورات السياسية الإقليمية بطريقة تحققها نفوذا سياسيا أكبر، في حين يبدو أن جيرانها العرب بطيئون من حيث الاستجابة للتطورات بالشكل الذي يؤمن مصالح الدول العربية.
لا تقتصر العلاقة بين العرب وإيران علي تفاعل الأمتين في محيطيهما الإقليميين فقط، بل إنها تتأثر بأدوار فاعلين آخرين، لاسيما في علاقتهم مع إيران. وليست المفاوضات الغربية مع إيران حول مستقبل البرنامج النووي إلا حلقة في تلك التطورات والمؤثرات. وسيكون لمسيرة هذه المفاوضات انعكاساتها علي علاقة إيران مع العرب. لكن من المهم التذكير بأن تلك المفاوضات، وما يمكن أن ينجم عنها قد لا يغير في نظرة الطرفين لبعضهما بعضا. فهي – بعبارة أخري – تكتيك من إيران لتجاوز آثار العقوبات الاقتصادية، ولو مرحليا، كما أنها متأثرة بالنتائج السياسية التي نتجت عن تطورات الربيع العربي. تحاول إيران في مفاوضاتها حول البرنامج النووي أن تحافظ علي المكتسبات التي جنتها عبر سنوات خلت، لاسيما في العالم العربي. لكن ذلك لا يبدو سهل التحقق بالنظر إلي أن إيران قد فقدت جزءا كبيرا من قوتها الناعمة، والصورة الإيجابية التي كانت تخدمها، لاسيما عند الرأي العام العربي. تكرست هذه الخسارة جراء مواقف إيران من حركة الربيع العربي، وكذلك اتجاهها للتقارب مع الولايات المتحدة التي كثيرا ما تغني النظام الإيراني بالعداء لها. ويرجح، بغض النظر عن مآلات المفاوضات الإيرانية مع الغرب، أن تبقي نزعة الهيمنة المستندة إلي الجغرافيا السياسية، ومن بعدها المذهب، العامل الأكثر تأثيرا في تشكيل سياسة إيران تجاه العرب، وكذلك تطوراتها، الأمر الذي يبقي النظام السياسي في إيران مستندا إلي نظرية الحكم الديني، ونظرية ولاية الفقيه.
الهوامش:
1- العميد سلامي: دائرة اقتدارنا تمتد إلي شرق المتوسط جغرافيا:
http://arabic.farsnews.com/NewsText.aspxnn=13930710000930
2- العلاقات العربية – الإيرانية كان طابعها الأزمة مع كل الدول العربية باستثناء ثلاث دول هي: سلطنة عمان، وسوريا، ولبنان.
3- محجوب الزويري، حدودو الدور الإقليمي الإيراني .. الطموحات والمخاطر، الجزيرة.نت:
http://studies.aljazeera.net/files/iranandstrengthfactors/04/2013/.20134492330407430html
4- Shehada, Nabil. “The Imperial Component in Iran’s Foreign Policy”. Diplomacy. January 1, 2011. http://www.diplomacy.edu/resources/general/imperial-component-irans-foreign-policy.
5- محجوب الزويري، إيران والعرب في ظلال الدين والسياسة والتاريخ.
6- Takeyh, Ray. “Iran’s Destabilizing Role in the Middle East”. Council on Foreign Relations. July 16, 2014. http://www.cfr.org/iran/irans-destabilizing-role-middle-east/p.33254
7- محجوب الزويري، إيران ونظرية جدولة الخصوم، مجلة العلوم السياسية، العدد 2، سبتمر 2014، ص127-140.
8- محمد أبو رمان، السياسة الخارجية الإيرانية وتوظيف العامل الشيعي، جدران:
http://www.judran.net/p=195
9- Osiewicz, Przemyslaw. “the Iranian Foreign Policy In The Persian Gulf Region Under The Rule Of President Hassan Rouhani: Continuity Or Change”. Academia. January 1, 2014.
http://www.academia.edu/Documents/in/Arab-Iranian_relations.
10- محجوب الزويري، إيران ونظرية جدولة الخصوم، مجلة العلوم السياسية، العدد 2، سبتمر 2014، ص127-140.
11- Joshi, Shashank, and Michael Stephens. “An Uncertain Future: Regional Responses to Iran’s Nuclear Programme”. Royal United Service Institute.
https://www.rusi.org/publications/whitehallreports/ref:O52D3C00F36404/.
12- محجوب الزويري، اتفاق جنيف وخريطة المحاور الإقليمية، الجزيرة.نت:
http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/18/1/2014/
اتفاق-جنيف-وخريطة-المحاور-الإقليمية
13- Cordesman, Anthony. “The New” Great Game “in the Middle East: Looking Beyond the ‘Islamic State’ and Iraq”. Center for Strategic and International Studies. July 9, 2014. http://csis.org/publication/new-great-game-middle-east-looking-beyond-islamic-state-and-iraq.
14- محمد أبو رمان، السياسة الخارجية الإيرانية وتوظيف العامل الشيعي، جدران:
http://www.judran.net/p=195
15- محجوب الزويري، إيران والعالم العربي .. مشهد متحرك ما بعد الربيع، المجلة:
http://www.majalla.com/arb/04/2012/article55234396
16- Zweiri, Mahjoob. “Revolutionary Iran and the Arab Revolts”. Doha Institute. September 4, 2012.
http://english.dohainstitute.org/release/842df342-da4c-4436-b42e-1cac00dfcf0b.
17- Rafati, Naysan. “Iran and the Arab Spring”. London School of Economics and Political Science.
http://www.google.com/urlsa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=1&ved=0CB0QFjAA&url=http://www.lse.ac.uk/IDEAS/publications/reports/pdf/SR011/FINAL_LSE_IDEAS__IranAndArabSpring_Rafati.pdf&ei=qhyEVJTBA4LWaojFgLgN&usg=AFQjCNGfncW5YWyiU5CHDQvLASPP6_Bmtw&bvm=bv80642063.,d.d.24
18- محجوب الزويري، حدود الدور الإقليمي الإيراني .. الطموحات والمخاطر، الجزيرة.نت:
 http://studies.aljazeera.net/files/iranandstrengthfactors/04/2013/.20134492330407430html
د‮. ‬محجوب الزويري
مجلة السياسة الدولية