يتعرّض المعتقلون والمعتقلات في سجون العراق منذ عام (2003) إلى الآن لأبشع صور التعذيب والإهانات وانتهاك الكرامة في سجون أشبه بالمقابر دفنوا فيها وابتلعهم الصمت وتجاهلهم الإعلام العربي والعالمي بشكل معيب ومخز.
أعد الاحتلال الأمريكي العديد من السجون التي اكتظت بالمعتقلين من الجنسين، وتعرضوا لانتهاكات مروعة بدءًا بمسببات الاعتقال إضافة للتهم الملفقة لهم وفترات الحبس الطويلة والتعذيب الذي تناوب على تنفيذها بكفاءة الاحتلال الأمريكي والنظام الطائفي العراقي.
السجون الأمريكية: كل شيء لا يمكن إعماره إلا السجون!
استلم نوري المالكي ثلاثة سجون أمريكية في نهاية عام (2011) بالإضافة إلى سجون أخرى عراقية تابعة لوزارتي الداخلية والدفاع وسجون الميليشيات وأخرى سرية اعتقل فيها العديد من العراقيين رجالا ونساء شيبا وشبابا. وأهم السجون التي كانت تحت السيطرة الأمريكية هي معتقلات أبو غريب، سجن المطار، بوكا، فورد سوسه, المثنى، كروبر1، كروبر2؛ بجانب العديد من مراكز التحقيق التي انتشرت في مناطق عدة من جميع المحافظات كالقصور الرئاسية في تكريت ومراكز في ديالى والموصل والناصرية وغيرها.
وأصبح نادرًا أن نجد بيتًا سنيًا لم يعتقل فيه أحد ولو لمرة واحدة على الأقل، الحقيقة أن تاريخ العراق القديم او الحديث والمعاصر لم يشهد انتهاكات كتلك التي ارتكبها الاحتلالُ الأمريكي والحكوماتُ الطائفية المجرمة اللذان قاما باضطهاد وتهجير السنة بشكل غير مسبوق.
منذ احتلال بوش للعراق في شهر نيسان/ أبريل من عام (2003)، اتهمت جمعيات ومنظمات خاصة بحقوق الإنسان الاحتلال الأمريكي بقتل عراقيين أبرياء بعد اعتقالهم واغتصاب عدد من العراقيات، ولم تكن هذه التصرفات والأفعال فردية أو مجرد أخطاء؛ بل كانت عمليه مخططة ومنظمة مبنية على عقيدة انتقامية وأسس تاريخية ودينية وفكرية، لذا كانوا دائمًا يعمدون إلى كسر كرامة العراقيين وإرادتهم وإلباسهم الذل والعار وكانت أفعالهم ضمن سياسة مدبرة ومقيتة.
كما ورد في مذكرات قادة الاحتلال ونقلًا عن أحد المعتقلين السابقين الذي تحدث للتقرير إضافة لشكاوى ضحايا الإجحاف والظلم والممارسات البربرية، فإن أبرز وأهم أساليب التعذيب التي طبقت بحق العراقيين بدأتها قوات الاحتلال الأمريكية ثم اعتمدتها فيما بعد الحكومة العراقية والميليشيات وزادت عليها ممارسات جديدة منها: –
– اغتصاب السيدات والفتيات والأطفال والمعتقلين في السجون الأمريكية والعراقية.
– تعرية المعتقلين والمعتقلات وسكب الماء البارد والحار على أجسادهم العارية.
– ممارسة جنسية فاضحة بالمعتقلين وإجبارهم على تمثيل مظاهر ووضعيات جنسية ضد بعضهم البعض أمام المعتقلين والمعتقلات.
– قيام الجنود الأمريكان بالتصوير مع المعتقلين بأوضاع إباحية.
– تعرية المعتقلين وإجبارهم على النوم فوق بعضهم البعض وإبقائهم عراة لعدة أيام.
– الحرمان من النوم.
– ضرب المعتقلين والمعتقلات بالأسلاك الحديدية والعصي البلاستكية والخشبية والهراوات.
– ترويعهم باستخدام الكلاب المتوحشة لغرض انتزاع المعلومات والتبليغ عن المقاومين من ذويهم وأصدقائهم.
– إبقاء السجناء في أوضاع متعبة ولساعات طويلة.
– استخدام موسيقى صاخبة والتحكم في الإضاءة.
– تغيير أنماط النوم بفترات قصيرة.
– الركل والتقييد لساعات طويلة وعصب عيون المعتقلين.
– استخدام روائح كريهة.
– الحبس الانفرادي.
– تصوير المعتقلين والمعتقلات فوتوغرافيًا وبكاميرات ويطلب منهم وضعيات وتعابير معينة.
– توصيل الكهرباء بأطراف السجناء وأعضائهم الحساسة.
– وضع أطواق الكلاب حول أعناق السجناء، ثم جرهم بالسلاسل على الأرض وإجبارهم على التصرف مثل الكلاب.
– استخدام الكلاب العسكرية المدربة لترويع السجناء ونهش لحومهم وتمزيق جلودهم.
– التبول على المساجين واستخدام ألفاظ نابية.
– الاعتداء جنسيًا على المعتقلات العراقيات واغتصابهن وتجريدهن من ثيابهن وتصويرهن عرايا أمام أهليهن وذويهن.
– التقاط الجنود صورًا تذكارية بجوار جثث ضحاياهم من السجناء العراقيين الذين ماتوا تحت التعذيب.
-الكي بأعقاب السجائر في مناطق مختلفة من الجسم.
– إسماعهم أصوات صراخ في الجوار والإيحاء للمعتقلين بأن هذا صوت أحد أفراد أسرتهم.
– استخدام الكهرباء بالتعذيبز
– التهديد بإيذاء ذوي المعتقلين أمام أعينهم بعد إحضارهم إلى المعتقلات لهذا الغرض أو احتجازهم واعتبارهم معتقلين.
– إجبار المعتقلين على نقل صناديق الماء وهم يغطون وجوههم ويرتدون بطانيات متهرئة.
شهادات معتقلين: ذاكرة الألم لا تخون
روى المعتقل م.ع البالغ من العمر (55) عامًا ما حدث له إبان الاحتلال؛ حيث تم اعتقاله حين داهم الجيش الأمريكي منزله قام خلالها المحتلون بخلع بوابة المنزل والعبث بأغراضه وإرهاب عائلته، وألقي القبض عليه دون بيان السبب أو الجهة التي يقتادونه إليها.
وتم العثور عليه بعد (4) أشهر من البحث في معتقل أبو غريب وكانت حالته الصحية سيئة، حيث وجد مصابًا بعدد من الأمراض المزمنة، وخلال هذه الفترة لم تبين القوات الأمريكية له سبب اعتقاله؛ إلا أنّه علم أن المخبر السري قد أوشى لهم بمعلومة عنه لم يعرف ما هي.
وبعد شهرين تم نقله لمعتقل بوكا، لتبدأ بعدها رحلة التنقلات بين بوكا وكروبر وأبو غريب، حدث خلالها تدهور لحالته الصحية، وأصيب بمرض في القلب، وقضى (3) سنوات في المعتقل وهي (2006، 2007، 2008) ثم أطلق سراحه ولم توجه له أي تهمة ولم يبين سبب الاعتقال.
وتحدث لي شاهد آخر تبدلت تعابير وجهه أثناء الحديث، وهو يسترجع تلك الفترة المظلمة والقاسية التي كان الظلم والوحشية والإذلال عنوانها.
وهو معتقل عراقي سابق من قضاء سامراء في محافظة صلاح الدين قضى (5) سنوات في سجن بوكا، حيث ضحى لأرضه ورفض وقاوم الاحتلال فتم اعتقاله. يقول واصفًا ذلك:-
“اعتقلت بشكل مفاجئ من البيت، وكان شعوري صعبًا للغاية لقسوة الطريقة التي تم اعتقالي فيها وترويع عائلتي، ساقوني لمكان اسمه (المسلخ) وفيه يرى السجين من العذاب ما تشيب له الولدان، وعلقت لمدة يومين وتعرضت للضرب المبرح وإلى الصعق بالتيار الكهربائي وللماء البارد شتاءً؛ حتى أكاد أتجمد، وكان معي شيخ كبير السن توفي من شدة البرد، ولا أنسى وسائل الترغيب بالمال والتهديد بالزوجة أو أحد الأقارب، وما أعظم أن يستنشق الإنسان نسيم الحرية بعد ظلام السجون، فضريبة الحرية تدفع الإنسان بأن يضحي بأغلى لحظات العمر فداء لوطنه.
وكانت الغاية من اعتقال أكبر عدد من العراقيين الأبرياء والمتورطين بأعمال العنف وإخضاعهم للتعذيب وإطلاق سراحهم ليكونوا أكثر إساءة وعنفا في البلد، وكما هو الحال اليوم في سجون الحكومة العراقية التي ورثت سياسة المحتل بالقتل والاختطاف والتعذيب والاعتقال، وأصبح الكشف عنها لا يجدي نفعا مع من أصر على تدمير البلاد وسار وفق نهج معد سلفًا“.
ذكرت جريدة الإندبندنت أون صنداي في مقال لباتريك كوكبورن بأن التعذيب الذي شهدته سجون العراق خلال الاحتلال الأمريكي تسبب في مقتل أشخاص أكثر مما تسببت به هجمات 11 سبتمبر/ أيلول.2001.
ونقل التقرير عن الميجور ماثيو اليكساندر، الذي حقق مع أكثر من 300 سجين في العراق قوله بأن: “السبب الذي دفع المقاتلين الأجانب للانضمام إلى القاعدة يتمثل في المعاملة التي تعرض لها السجناء في جوانتانامو وأبو غريب، وليس الأيديولوجيا الإسلامية“.
يشار إلى أن اليكساندر هو المحقق الذي حصل على المعلومات التي قادت إلى مهاجمة وقتل زعيم تنظيم القاعدة في العراق، الأردني أبي مصعب الزرقاوي. وقال في كتاب جديد بعنوان: “كيف نحطم الإرهاب؟” أن التعذيب له فعالية، إلا أنه يؤدي إلى آثار سلبية أيضًا.
وأضاف أن الأشخاص قد يتحدثون بأي شيء لوقف الألم الذي يتعرضون له. وأضاف في نفس الكتاب بأن الأشخاص الذي يتعرضون للتعذيب قد يدلون بمعلومات مضللة.
عراقيات في سجون الاحتلال: الموت بلا ضجيج
عبير قاسم الجنابي، البالغة من العمر أربعة عشر عاما، وهي الابنة الكبرى لقاسم حمزة الجنابي الذي يعمل حارسا في مخازن البطاطا في المحمودية جنوب بغداد. كان جنود الاحتلال في نقطة تفتيش تبعد عشرات الأمتار من منزل الضحية، وكما شهد أهل المدينة أنه تم التبليغ عن حالات تحرش تعرضت لها الفتيات أثناء مرورهم في النقطة، بدأت القصة في يوم 10/3/2006 حينما توجه الجنود إلى منزل عبير، وقاموا باحتجاز الأب قاسم حمزة رحيم (45 عاما)، والأم فخرية طه محسن (34 عاما)، والشقيقة الصغرى هديل (5 سنوات)، ومن ثم قتلهم رميا بالرصاص.
بعد ذلك، قاموا بسحب عبير إلى غرفة مجاورة، وقاموا بنزع ثيابها بالقوة، بعد أن ضربوها على رأسها، ثم تناوب أربعة منهم على اغتصابها؛ مما أدى إلى إصابتها بحالة إغماء شديد ونزيف، وهو ما أثبته الطب الشرعي أثناء تشريح الجثة، وليقوموا بعدها بإطلاق النار على وجهها وحرقها من أجل إخفاء آثار الجريمة، ومن ثم قاموا بإحراق المنزل، ومن ثم قامت قوات الاحتلال بنقل الجثث إلى إحدى القواعد الأمريكية وسلموها في اليوم الثاني إلى مستشفى المحمودية، ليتسلمها أقاربها ويدفنوها في مقبرة المحمودية.
ورغم محاولة الأهالي الاتصال بوسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية؛ إلا أن أحدًا لم يهتم كالعادة. فلم يكن الإعلام العربي يتناقل مثل هذه المواضيع إلا بعد تناولها في الإعلام الغربي.
وفي بداية الأمر، أنكرت قوات الاحتلال جريمتها المروعة والبربرية وألصقتها بتنظيم القاعدة؛ إلا أن الحقائق ظهرت بعد أن خطفت جماعات جهادية أفرادًا في الوحدة العسكرية التي ينتمي إليها كورتيز الذي خطط ونفذ لعملية الاغتصاب، وقام المسلحون بعدها بقطع رؤوسهم انتقامًا لعبير وأسرتها. عندما كشفت تفاصيل الجريمة بعد مرور شهور على وقوعها، ثارت عاصفة من الغضب على الصعيد العالمي، وأدت إلى قتل عدة جنود أمريكيين على يد المسلحين انتقامًا لاغتصاب وقتل عبير وعائلتها وتمت محاكمة الجنود المتورطين وهم: باول كورتيز، جيمس باركر، جيسي سبيلمان، برايان هاوارد، وستيف غرين (والذين تم تسريحهم من الجيش قبل توجيه الاتهام لهم) بالتآمر والتخطيط وتنفيذ جريمة اغتصاب جماعي رغم تأكيدات من عراقيين بأن عدد المنفذين أكثر من الذين تمت محاكمتهم.
كما نقل محمد دهام المحمد رئيس “اتحاد الاسرى والسجناء” -وهو منظمة عراقية إنسانية مستقلة تأسست بعد سقوط نظام صدام حسين- شهادات جمعها فريق عمله من سجينات سابقات أو من أقاربهن.
روت لي إحدى السجينات كيف سقطت مغشيًا عليها، وفقدت الوعي لمدة 48 ساعة بعد أن اغتصبها عناصر من الشرطة العراقية 17 مرة في يوم واحد تحت أنظار الجنود الأميركيين.
كما تحدثت معي سيدة ساعدت شقيقتها على الانتحار بعد أن اغتصبها جنود أميركيون مرات عدة أمام زوجها في سجن أبو غريب. وكانت السجينة المغتصبة قد اعتقلت في كانون الأول/ ديسمبر الماضي وأطلق سراحها في أوائل أيار/مايو الجاري.
وتقول هذه السيدة شقيقة الضحية: “داهمت القوات الأميركية منزل شقيقتي في بغداد لإلقاء القبض على زوجها وعندما لم تجده اعتقلتها“.
وتضيف: “عاد صهري وسلم نفسه للأمريكان الذين أبقوهما معًا قيد الاعتقال“.وتقول إن أختها سبق أن روت لها كيف تم اغتصابها، حيث قالت إن الجنود “اقتادوني إلى زنزانة ورأيت زوجي مقيدًا إلى القضبان. شد جندي أميركي شعري لأرفع رأسي وأنظر إليه، فيما كان يخلع عني ملابسي”.
وتضيف شقيقة الضحية: “اخبرتني كيف اغتصبها جندي أميركي مرات عدة أمام زوجها الذي كان يردد بصوت بالكاد تسمعه الله أكبر الله أكبر”. وتضيف. “توسلت إليّ لأساعدها على الانتحار فكيف لها أن تواجه زوجها عندما يفرجون عنه“.
من ناحيته، يؤكد سجين سابق أُطلق سراحه من أبو غريب في 13 أيار/ مايو: “أن السجينات كن يعبرن أمام خيمة الرجال وكن يتوسلن السجناء من الرجال أن يجدوا طريقة لقتلهن لإنقاذهن من العار”.
ويقول عامر أبو دريد (30 عامًا) “ كنت أعرف إحداهن وهي في الخامسة والثلاثين من العمر، ولها ثلاثة أطفال، مضت أسابيع لم أشاهدها قبل خروجي فظننت أنهم أطلقوا سراحها“.
ويضيف: “عندما سألت عنها أخبروني أن شقيقها قتلها فور الإفراج عنها“. كما قتلت العائلات ثلاث شابات من منطقة الأنبار فور الإفراج عنهن وهن حوامل من سجن أبو غريب.
كتبت إحدى المعتقلات رسالة عندما كانت في سجن أبو غريب تقول فيها:
(لقد امتلأت بطوننا من أولاد الزنى من الذين يغتصبوننا من أبناء القردة والخنازير … أم أقول لكم: لقد شوهوا أجسادنا وبصقوا في وجوهنا ومزقوا المصاحف التي في صدورنا.. اقتلونا معهم.. دمرونا معهم.. ولا تدعونا هكذا ليحلو لهم التمتع بنا واغتصابنا كرامة لعرش الله العظيم.. اتقوا الله فينا.. اتركوا دباباتهم وطائراتهم في الخارج وتوجهوا إلينا هنا في سجن أبو غريب.. معي الآن 13 فتاة كلهن غير متزوجات يتم اغتصابهن تحت مسمع ومرأى الجميع.. انتحرت إحدى الفتيات التي تم اغتصابها بوحشية.. حيث ضربها جندي على صدرها وفخذها بعد أن اغتصبها وعذبها تعذيبًا لا يصدق.. فأخذت تضرب رأسها بالجدار إلى أن ماتت.. اتقوا الله.. اقتلونا معهم لعلنا نرتاح.. وامعتصماه.. وامعتصماه.. وامعتصماه).
المعتقلون الشباب: السجون مكتظة والمنازل خالية
طال الاعتقال بيوت العراقيين واختطف منهم من اختطف. بعضهم عاد وبعضهم لم يعد. كنت أنا أوفر المعتقلين حظًا، فلي شخصيا تجربة مع الاعتقال عام 2006، حيث كنت جالسًا أنا وصديقي الذي كان يبلغ من العمر 18 سنة وعمري آنذاك 16 سنة نتحدث ككل الشباب في أعمارنا لا عما نلهو به بل عما يلهو بنا.
كنا قريبين من منازلنا عندما تم استهداف آلية عسكرية أمريكية من قبل المقاومة في نفس المنطقة التي نسكنها، ونفاجأ بمجيء جنود الاحتلال واعتقالنا واعتقال مجموعة من شباب الحي رغم معرفتهم بأننا مجرد مدنيين ومن ثم أخذوا باقي الشباب وأخلوا سبيلي وبعض الأطفال والشباب وأخذوا البقية وأذكر أن صديقي ظل معتقلا لمدة سنتين وبضعة أشهر في بوكا ثم أفرجوا عنه!
التقرير