هيمنة المحافظين: انتخاب يزدي لرئاسة مجلس خبراء النظام في إيران

هيمنة المحافظين: انتخاب يزدي لرئاسة مجلس خبراء النظام في إيران

انتخب مجلس خبراء القيادة الإيرانية محمد يزدي رئيساً جديداً له يوم 10 مارس الجاري، ليصبح بذلك رئيساً لأعلى سلطة في إيران، بعد حصوله على 47 صوتاً من أصل 73 من أصوات المشاركين في التصويت، حيث ساهمت وفاة محمد رضا مهدوي كني (83 سنة) من قيادات اليمين المحافظ الأصولي في تأجيج الصراع بين المحافظين – مجموعة أية الله محمد تقي مصباح يزدي وهو أصولي متشدد، قام بتأسيس مؤسسة باقر للعلوم الثقافية التي تعد أساس وجوهر مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحوث، والتي تعترف بها الحوزة العلمية الدينية في مدينة قم رسميًا- من جهة، وبين الإصلاحيين والمعتدلين – مجموعة رافسنجاني الإصلاحي المعتدل- من جهة أخرى.

وكان ذلك سبباً مباشراً في إثارة العديد من التساؤلات حول ما يمكن أن يترتب عليه من تغيير مباشر في السياسة أو الدخول في صراع على السلطة، أم سوف تستمر الأوضاع كما هي عليه، وذلك في ضوء ما خلفه هذا الحدث من فراغ في أهم المؤسسات الإيرانية التي تملك صلاحية انتخاب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية أو عزله.

دلالات انتخاب يزدي:

تم تعيين آية الله هاشمي شاهرودي (66 عاماً) بصفة مؤقتة خلفاً لمهدوي كني الذي توفي في 21 أكتوبر 2014. ووفقاً للدستور الإيراني، يعد المجلس- المكون من 86 عضواً- المؤسسة الوحيدة التي تملك صلاحية انتخاب أو عزل المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، وذلك في حالتين رئيسيتين: الأولي، عجز المرشد عن أداء واجباته الدستورية، والثانية فقدانه صفة من صفات الأهلية التي نصت عليها المادتان (5) التي تنص على أن “ولاية الأمر وإمامة الأمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية تكون بيد الفقيه العادل المتقي العالم بأمور زمانه، الشجاع الكفؤ في الإدارة والتدبير؛ والمادة (109) التي تحدد “الشروط اللازم توفرها في القائد الكفاءة العلمية اللازمة للإفتاء في مختلف أبواب الفقه، والعدالة والتقوى، والرؤية السياسية والاجتماعية الصحيحة، والتدبير والشجاعة والكفاءة الإدارية، والقدرة الكافية للقيادة.

من ناحية أخرى، يتولى المجلس المصادقة على المرشحين للانتخابات في إيران، وبالتالي فإن تلك الميزات تحمل المجلس مسؤولية خاصة، تختلف عن غيره من المجالس في إيران، سواء تلك التي ترتبط بالسلطة التشريعية أو التنفيذية. كما يعد مجلس الخبراء من المؤسسات الهامة التي تستطيع أن تؤثر بصورة غير مباشرة على قرار القائد بشأن تخطيط السياسة الخارجية، سواءً من خلال دوره في تعيين المرشد أو التعليق بشكل غير مباشر على توجهاته داخلياً وخارجياً.

ولدى قراءة أبرز الملاحظات التي يمكن استنتاجها من انتخاب محمد يزدي، يلاحظ الآتي:

1 ـ موقف رافسنجاني:

يعد انتخاب يزدي أكبر هزيمة لرفسنجاني (80 عاماً)، والذي حصل على 24 صوتاً، خاصة بعد رفض عدد من المتشددين في مجلس الخبراء مثل أية الله أبو القاسم خزعلي، ورجل الدين المحافظ آية الله أحمد جنتي (رئيس مجلس صيانة الدستور)، أي إمكانية لعودة هاشم رافسنجاني بآرائه الإصلاحية مرة أخرى إلى رئاسة مجلس الخبراء. وكان رافسنجاني قد اضطر للاستقالة من رئاسة المجلس في عام 2011 تحت ضغط من المحافظين بعد تعرضه لانتقادات شديدة بسبب دعمه حركة الاحتجاج التي تلت إعادة انتخاب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد رئيساً في عام 2009.

2 ـ الحرس الثوري الإيراني:

يعد اختيار رجل الدين المتشدد محمد يزدي المعروف بدعمه ومساندته للحرس الثوري الإيراني، بمثابة دعم لتعزيز، أو على الأقل الحفاظ، الدور الكبير الذي يلعبه الحرس الثوري في العديد من الملفات الداخلية والخارجية، حيث يتحكم الحرس الثوري في القدرات العسكرية الإيرانية والبرنامج النووي وجزء كبير من الاقتصاد الإيراني، علاوة على نشاطاته خارج إيران.

3 ـ خلافة المرشد الحالي:

لا يتعلق الأمر فقط بمن يتولى رئاسة مجلس الخبراء، بل أصبح الأمر أعقد وأشمل، خاصة مع ظهور متغير لا يمكن الاستهانة به، وهو مرض المرشد الأعلى علي خامنئي، ليكون السؤال: من سيخلف المرشد الأعلى؟

هنا ظهرت عدد من المؤشرات على أن آية الله محمد هاشمي شاهرودي هو الأوفر حظاً لما يتمتع به من علاقات طيبة بالمرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، وهو يعد من أنصار الجناح المعتدل داخل مجلس الخبراء. وقد تولى إدارة النظام القضائي الإيراني لمدة عشر سنوات من عام 1999 إلى عام 2009، علاوة على حصوله على أعلى المؤهلات الدينية باعتباره “مرجع التقليد”، وهي السلطة المخول لها إصدار “الفتاوى”.

ومع ذلك، وبالرغم من أن شاهرودي أكثر رجال الصف الثاني نفوذاً وقرباً من المسيطرين على القرار في إيران، يبقى احتمال أن تقف أصوله العراقية عائقاً أمام وصوله إلي كرسي المرشد، هذا علاوة على طرح اسم نجل المرشد الحالي، مجتبي خامنئي، وذلك من خلال تهيئة الرأي العام وتمهيد الطريق لتوريث المنصب إلى نجله، بالإضافة إلى وجود أصوات عديدة داخل الحرس الثوري تؤيد توليه منصب المرشد، وكذلك تأييد  العديد من رموز التيار المتشدد.

ولكن يواجه طرح اسم “مجتبي خامنئي” معارضة شديدة من جانب الإصلاحيين في إيران، بل وعدد من المحافظين أيضاً، والذين يرون أن مؤهلاته السياسية والدينية قد لا تؤهله لكي يصبح “المرشد الأعلى”، وهو ما ينذر بحدوث أزمة كبيرة داخل هيكل النظام السياسي الداخلي في ايران في حال تم توريث المنصب له، ويعود ذلك لسببين أساسيين، هما:

أ. حرص المرشد الأعلى خامنئي منذ توليه منصبه على عدم حصول أي تيار سياسي أياً كان اتجاهه على ما يكفي من السلطة بما يشكل لاحقاً مصدراً لتهديده أو تهديد موقعه السياسي والديني، خاصة مع استمرار سيطرته على مختلف مؤسسات ومفاصل الدولة مثل القضاء وقوات الأمن والحرس الثوري الإيراني ومجلس الخبراء، علاوة على سيطرته وتحكمه في عدد من وسائل الإعلام الرسمية، والمؤسسات التي تتحكم في هيكل الاقتصاد الإيراني، أي عدم السماح لأي تيار بتهديد هذا النفوذ الواضح.

ب ـ إن التغيرات السياسية في إيران على مدار العقود الماضية قلصت من دائرة صناع القرار مع تقييد دور هاشم رافسنجاني رئيس مجمع تشخيص النظام، ومير حسين موسوي زعيم “حركة المعارضة الخضراء” الذي ما يزال رهن الإقامة الجبرية، وغيرهما من الرموز السياسية، وذلك مقارنة بما يتمتع به المرشد الأعلى من نفوذ وهيمنة. ومن هنا يمكن الإشارة إلى أهمية وحيوية دور الحرس الثوري الإيراني المرشح للعب دور رئيسي في عملية اختيار خليفة المرشد الأعلى.

تداعيات متوقعة وسيناريوهات مطروحة

إن ما سبق يشير إلى استمرار سيطرة التيار المتشدد على مجلس الخبراء، ما يمثل انتكاسة حقيقيه للتيار الإصلاحي، وهو ما يفتح المجال للعديد من السيناريوهات:

السيناريو الأول: يتعلق بوصول أحد المنتمين للتيار المحافظ أو أحد المقربين من المرشد الحالي خامنئي إلى خلافة الأخير على المنصب، وهو ما يعني استمرار حالة الهيمنة والسيطرة من قبل المحافظين على كافة مقاليد الدولة، وما لذلك من انعكاسات واضحة على العديد من مسارات الحركة الخارجية الإيرانية في تلك المرحلة، خاصة التشدد الذي يمكن أن يحدث في ملف المفاوضات النووية الإيرانية، وكذلك سعي إيران للحفاظ على أجندتها الخارجية من خلال دعم ومساندة الحرس الثوري الإيراني لهذه الأجندة، بما يفتح الباب لمزيد من تعرض إيران للضغوط الخارجية، سواء بفرض مزيد من العقوبات عليها، أو بالسعي لحصار نفوذها وتمددها في ملفات المنطقة في المرحلة القادمة في ظل تشدد الكونجرس الأمريكي في التعامل مع إيران فيما يتعلق بأي اتفاق نووي نهائي لا يحقق الهدف منه.

السيناريو الثاني: يرتبط بإمكانية حدوث نوع من الاضطرابات السياسية والأمنية الداخلية في إيران على أثر وفاة المرشد الأعلى الحالي، فيما يشبه ما حدث في عام 2009 بعد إعادة انتخاب أحمدي نجاد، وهو ما يعزز الخيار الخارجي خاصة الغربي من إمكانية التعويل على حدوث تغيير من الداخل الإيراني، يعقبه تغيرات في مجال الحركة الخارجية، وهو ما يصعب تحقيقه في ضوء الدور البارز للحرس الثوري الإيراني والأجهزة الأمنية في الداخل الإيراني.

السيناريو الثالث: قد يحدث تغيير في هيكل النظام السياسي الإيراني من خلال إلغاء منصب “المرشد الأعلى” ، وإحلال نظام “مجلس الشورى” بدلا منه، وهي الفكرة التي بدأ صداها يتردد بكثرة في الآونة الأخيرة داخل الأوساط السياسية الإيرانية.

ورغم أنها فكرة إقامة “مجلس شورى” مكون من ثلاثة أو خمسة من كبار رجال الدين لإدارة الجمهورية ليست بالجديدة، حيث تم طرحها بعد وفاة “الخميني”، لأن كثيرين كانوا يرون أن منصب “المرشد الأعلى” لجمهورية إيران الإسلامية هو منصب استثنائي لشخصية استثنائية هو “الإمام الخميني” من الصعب أن تتوافر مؤهلته في شخصية أخرى؛ فإن هذا السيناريو أيضاً يصعب تحقيقه في ظل سيطرة المحافظين والمتشددين المدافعين عن فكرة ولاية الفقيه، والذين يعتبرون أي تغير في هذا الأمر هو بمثابة خيانة عظمي للثورة الإسلامية الإيرانية في 1979، ولمبادئ الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ويشير مجمل هذه السيناريوهات إلى أن الاحتمال الأقرب يبقى هو استمرار الأوضاع في ايران على ما هي عليه في هذه المرحلة، بل إن ثمة إمكانية أن تفرض الأحداث وصول مزيد من المتشددين إلى المناصب الهامة في إيران تحت ذريعة الحفاظ على مبادئ واستراتيجية الجمهورية الإسلامية في مواجهة الغرب؛ مما يصعب على الغرب والولايات المتحدة الأمريكية سبل التعامل والتحرك مع إيران، خاصة مع تمسك الجانب الإيراني بأوراق الضغط لديه في المنطقة، لتدخل المنطقة بشكل عام في مرحلة جديدة من مراحل الحرب الباردة بين إيران وداعميها من ناحية، والغرب والولايات المتحدة وعدد من دول المنطقة من ناحية أخرى، لتتحول بذلك المنطقة إلى ساحة أكثر تنافساً للحرب بالوكالة.

مروة وحيد

مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة