أعلن السيد عمار الحكيم، زعيم المجلس الأعلى الإسلامي في العراق، اليوم الإثنين الفائت، تأسيس تيار سياسي جديد تحت اسم “تيار الحكمة الوطني”، بمعزل عن المجلس، الذي تزعمه في أيلول/سبتمبر عام 2009م، بعد وفاة والده السيد عبدالعزيز الحكيم. واعتبر الحكيم أن تيار الحكمة الوطني، يتبنى العمل السياسي في إطار العملية الديمقراطية والحرية المجتمعية، مؤكداً أن التيار سيواصل العمل مع الجميع ولكن بأفكار واطر جديدة.
وقال في خطاب متلفز «إن تيار الحكمة الوطني سيكون مع العراقيين الشرفاء الاحرار من اجل وحدة العراق وسر قوته». وأضاف أن التيار الجديد «سيكون تيارا سياسيا جديدا يولد من رحم الألم ويتمتع بالوسطية والاعتدال لأن العراق بحاجة إلى أن يقاد من كفاءات مقدامة ولتعبر عن تطلعات الشعب العراقي بكافة فئاته».وأشار إلى أن «كل طموحاتنا يمكن تحقيقها إذا توفرت إرادة سياسية جديدة واعية ومتينة لتضميد الجراح وتفتح ذراعيها لجميع المواطنين، وأن يكون العراق هو العنوان الأكبر ويتعايش مع التحديات وخدمة العراق».
ودعا السيد عمار الحكيم إلى «تحرير الاقتصاد من تحكّم الدولة، بهدف توزيع الثروة بشكلٍ عادل، والخروج من الاقتصاد الريعي وتجديد الإدارة واختصار الروتين الحكومي»، إضافةً إلى «تمكين المواطن من إدارة ثروته واقتصاده والانفتاح على الاستثمارات والخبرات العالمية». وقال إنّ «العراق هو العنوان الأكبر، للانطلاق باقتصاد حرٍّ وحقيقي يوفر الفرص المتساوية للجميع، يعيد بناء المؤسسات الاجتماعية التي سُحقت تحت ضغط الانفلات السياسي والأمني وترسيخ السلم المجتمعي».
وجاء الإعلان بعد أسابيع من خلافات واسعة داخل أروقة المجلس بين تيارين رئيسيين يمثل الأول الحكيم ويضم قيادات شابة، والثاني تقوده قيادات مؤسسة للمجلس، وعلى رأسها، باقر الزبيدي الذي شغل عدة وزارات في الحكومات السابقة، آخرها وزارة النقل، ورجل الدين الشيعي جلال الدين الصغير. وانسحب النائب الأول لمحافظ ذي قار عادل الدخيلي من «المجلس الأعلى» وانضم إلى «تيار الحكمة الوطني». وأوضح أن استقالته جاءت نتيجة «انبثاق تيار سياسي جديد يؤمن برؤى وأفكار مستقبلية تتناسب مع التطور والتصدي السياسي وتجمع كل أطياف الشعب ومكوناته ويؤمن بالوسطية والاعتدال برئاسة صاحب الحكمة السيد الحكيم».
وقد اعلن معظم اعضاء «المجلس» ونوابه وقادته ومكاتبه في المدن العراقية تأييدهم الحكيم، والانضمام الى تياره الجديد. وأصدر النواب بياناً جاء فيه: «بعد إعلان الحكيم تأسيس تيار الحكمة الوطني الذي سيكون حيثما تكون الحكمة، معتصماً بالوسطية، ومنطلقاً للبناء السياسي والاقتصادي والمجتمعي»، فإن «أعضاء البرلمان المرتبطين سابقاً بكتلة المواطن عقدوا اجتماعاً موسعاً استثنائياً ودرسوا الإعلان وما تضمنه من برامج ورؤى ووجدوا أنها تساهم في بناء دولة المؤسسات والإصلاح الاقتصادي والمجتمعي، ووجدوا في ذلك ما يصبون إليه من رفع الظلم والحيف عن أبناء المجتمع العراقي والارتقاء بواقعه نحو الوحدة الوطنية وتجاوز المسميات الضيقة». وتابع أن «أعضاء الكتلة قرروا الانضمام إلى تيار الحكمة الوطني وتأسيس كتلة برلمانية تتبنى تحقيق تلك الرؤى وستضم جميع أعضاء كتلة المواطن النيابية السابقة (29 نائباً) باسثناء 5، وأبوابنا مفتوحة لمن يرغب في الالتحاق بركبنا».
من جهتها، باركت الهيئة السياسية لتيار الصدر إعلان السيد عمار الحكيم الحكيم، وأعلنت في بيان أنها تابعت «عن كثب وباهتمام بالغ التطورات الأخيرة التي حصلت على صعيد العمل السياسي، وبالتحديد في ما يتعلق بانبثاق تيار وطني جديد وانفصاله عن المجلس الأعلى الذي خضنا معه ومع رجالاته غمار العمل وتقاسمنا الآلام والآمال واتفقنا واختلفنا في مساحات وميادين هدفها الأول رضا الله تعالى وخدمة الشعب والمصلحة العامة». وأضاف البيان: «إننا في الوقت الذي كنّا نتمنى أن يبقى المجلس الأعلى موحداً متماسكاً، نتفهم جيداً متطلبات المرحلة ودواعي التغيير والتحولات التي تمثل علامات صحة وتعافٍ في العمل السياسي برمته، ونبارك لسماحة السيد عمار الحكيم وتياره الوليد هذا التأسيس وندعو له بالتوفيق والسداد خدمة لشعب العراق لتحقيق أهدافه السامية». كما بارك ائتلاف العربية برئاسة صلاح المطلك للسيد عمار الحكيم تشكيل تيار الحكمة الوطني وأن يكون عابرًا لكل التخندقات في أبعادها الطائفية والأثنية.
وقد تابع مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية ردود الفعل للقيادات السابقة في المجلس الأعلى كعادل عبدالمهدي فمن خلال كتاباته الصحفية وقراءة ما بين سطورها بشأن تشكيل السيد عمار الحكيم تيار الحكمة الوطني، فهو ضد أي انشقاق ولكنه هنأه وقدر شجاعته، وهذا الأمر يُحسب لعادل عبدالمهدي فمن خلال عمله السياسي يدرك أن من الصعب على تنظيم سياسي أن يحافظ على تماسكه البنيوي إذ نشب بين عناصره صراع في الرؤى السياسية، فالحل الأمثل -حينها- الانشقاق السلمي للحفاظ على تاريخية ورمزية التنظيم. وفي هذا السياق يطرح السؤال التالي ما هو مستقبل المجلس الأعلى، وهل سيعود عادل عبدالمهدي إليه ليقود الانتخابات النيابية القادمة في العراق؟ أم أنه سيخوض غمارها بعيدًا عنه؟ ليكون اسمًا جديدًا في تاريخ رؤساء وزراء العراق في مرحلة ما بعد عام 2003م، وعام 2017م.
يُعدُّ السيد عمار الحكيم الذي يرأس حالياً «التحالف الوطني» الجامع لمختلف أطياف «البيت الشيعي في العراق»، الوريث السياسي الأبرز لآل الحكيم، والحفيد لآية الله السيد محسن الحكيم الذي يعد من أهم المرجعيات الدينية للشيعة في العراق و لدى الشيعة في العالم الإسلامي على العموم، ترأس زعامة حوزة النجف الأشرف وهي من أهم المراكز في العالم للدراسات الدينية لدى الشيعة الإثنا عشرية الأصولية. ونظرًا لمواقفه الوطنية فقد كان يتمتع آية الله محسن الحكيم فضلًا بمكانة مرموقة في المجتمع العراقي. لذا يعد السيد عمّار الحكيم الوريث لهذا الامتداد الديني أما على الجانب التنظيمي “السياسي” إذ لديه علاقات طيبة مع دول الجوار العربية حيث يُستقبل من قبل الملوك والرؤساء العرب، كما تربطه علاقات عائلية مع أسرة آل الصباح الحاكمة في دولة الكويت، وإسلاميّا تجمعه علاقات طيبة أيضا مع تركيا فهو محل تقدير واحترام من قبل القيادة التركية، وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فلا تنسى القيادة التركية موقف السيد عمار الحكيم هو يتابع معها عن كثب مجريات ليلة الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، كما أوصى أخيه السيد محسن الحكيم بمتابعته أيضًا. كما يمتلك علاقات متميزة مع الجمهورية الإيرانية.
بهذا الحضور يمكن القول أن السيد عمار الحكيم متجاوز للحالة الطائفية المقيتة التي أوصلت العراق والمنطقة على شفا الهاوية. ومما لا شك أن العراق جراء ما لحق به من كوارث سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية ومجتمعية فهو الآن وبعد مرحلة داعش بأمس الحاجة إلى عقلية تنويرية كالسيد عمار الحكيم يعتمد بشكل كبير على عنصر الشباب لدفع بدم جديد في المجتمع والسياسة العراقية.
وهناك من يرى بأن هذا الأمر مجازفة من قبل السيد عمّار الحكيم لكن وجهة نظر مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، ترى عكس ذلك تمامًا، فحركة التغيير الذي يقودها السيد عمار أصبحت ضرورية جدا لكي يستعيد العراق عافيته، ويقضي على كل أشكال الفساد الذى استشرى في كل مفاصل الدولة العراقية. فالتغيير سنة الحياة وسمتها. فمرحلة ما بعد داعش هي مرحلة البرامج العملية وتجذير الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية في الدولة العراقية وليس الشعارات والبيانات السياسية.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية