منذ اليوم الأول لمعركة الرقة، بدا واضحاً ان فرص تنظيم الدولة تكاد تكون معدومة بالحفاظ على معقله الاهم في سوريا، مدينة الرقة. فقبل اتمام حصار المدينة، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية والدعم الأمريكي، من قطع كل طرق الامداد للرقة من جميع المحافظات المحيطة، بعد عمل استمر لأكثر من ستة اشهر، ادى لتطويق المدينة بقوس يحيطها شمالاً، ومن اجل قطع شرايين المدينة وجعل سقوطها مسألة وقت، تم عزل الرقة عن باقي مراكز الدعم والاسناد المحيطة لتنظيم الدولة، شرقاً في ريف دير الزور، وجنوباً ببادية الشام والجبال التدمرية.
واكمل النظام السوري وحلفاؤه العشائريون المهمة غرباً بالسيطرة على الطبقة ومسكنة، ليعبد طريقه الخاص نحو مدينة دير الزور تاركاً الرقة للقوات الكردية، بعد تنسيق روسي.
هذا التراجع والانهيار المتسارع بصفوف التنظيم في معظم مواقعه بسوريا والعراق، وآخرها معقله الابرز الموصل، جعل من الصعب وصول اي دعم لمقاتليه في عاصمته السورية الرقة، لأن معظم مراكز التنظيم الاخرى هي اما محاصرة اصلاً، او على وشك الحصار، وهكذا فان التنظيم يدرك من الناحية العملية والعسكرية ان المعركة شبه محسومة في مآلها النهائي، لكنه يواصل القتال في سبيل اهداف عدة اعتاد على تحقيقها في معاركه الاخيرة تحت الحصار، اولها ايقاع اكبر خسارة ممكنة بصفوف خصومه، واستنزافهم بالحد الاقصى، بحيث تؤثر هذه الخسائر بصفوف الميليشيات الكردية على الدعم الذي يحظى به في حاضنته الشعبية، خصوصاً ان المناطق الكردية شمال سوريا والتي تعتبر الخزان البشري للميليشيات الكردية، لا تملك غزارة بشرية كبيرة، كما انها قد لا تكون متحمسة لارسال ابنائها للقتال بمناطق غير كردية كالرقة، وهذا النقص في القوى البشرية الرافدة للميليشيات الكردية شمال سوريا، ظهر واضحاً بعد اعلانها عن حملة تجنيد اجباري في المدن الكردية، ثم قيامها بحملة تجنيد اجباري في القرى العربية الخاضعة لسيطرتها شمال سوريا، بحيث ارتفعت بشكل كبير نسبة المقاتلين العرب المنضوين قسراً بصفوف هذه القوات في الاونة الاخيرة.
العامل الآخر الذي يدفع التنظيم للاستمرار في معاركه، هو تعويله على تغير ما، في الخريطة الرقليمية، او تبدل ما في موازين القوى، يصب في صالحه ويخفف عنه ضغط القوى المتحالفة ضده المحلية والدولية، كوقوع تصادم عربي ـ كردي في العراق او سوريا ، او تنازع روسي امريكي في الاقليم، ولكن على أرض الواقع، فان تحالفات القوى الموالية لإيران في المنطقة تبدو صلبة، ومن ورائها روسيا، ومن ناحية اخرى فان الأمريكيين لم يعودوا قادرين على فرض ارادتهم العسكرية في منطقة نفوذ إيراني روسي، ونظراً لاعتمادهم على حلفاء ووكلاء ضعفاء على الارض في سوريا كقوات مغاوير الثورة المدعومة من البنتاغون في مثلث الحدود السورية العراقية الأردني، فانهم فشلوا حتى الان في تحقيق اي تقدم يذكر في منطقة التنف بعد تقدم الميليشيات الشيعية وقوات النظام صوب الحدود العراقية السورية، بينما كان نجاح الأمريكيين الوحيد في سوريا في المنطقة الكردية، وهذا ما اعلن عنه المسؤولين الأمريكيين مراراً في واشنطن، ويرجع هذا النجاح بصفة أساسية، لتماسك وانتظام القوى المسلحة لحلفائهم الأكراد ، وتضافر مشروعهم القومي التوسعي شمال سوريا مع الرغبة الأمريكية في محاربة الجهاديين، ولم يكن هناك قدرة لايران او للنظام السوري، لاعتراض هذا الدور الأمريكي شمالاً كونه يدور اصلا في منطقة كردية، خارجة عن نفوذهم ولا تتقاطع مع مشروعهم المهتم بالربط جغرافيا بين حلفائهم في بغداد ودمشق وبيروت عبر الحدود السورية العراقية، جنوب اقليم روجافا الكردي.
اما العامل الثالث، الذي يدفع تنظيم الدولة لإطالة معركة خاسرة كالرقة، هو الحفاظ على صورته النمطية امام جمهوره في مناطق العرب السنة، المستاء من تراجع باقي المعارضة المسلحة وهزالة الاداء العسكري لفصائل الجيش الحر، وسرعة عقده لمصالحات وتفاهمات مع النظام تفضي إلى عودة سلطة الاسد لتلك المناطق المعارضة، لذلك فان اطالة المعارك في المدن المحاصرة تعزز من صورته في صفوف انصاره، حول قوته العسكرية ورفضه للتسوية مع نظام الاسد، واصراره على القتال حتى آخر نفس، وهذا ما اراد التحدث عنه في اصداره المرئي الاخير في الرقة الذي احتوى على مشاهد لعملياته العسكرية وهجماته المفخخة على مواقع قوات سورية الديمقراطية.
وائل عصام
صحيفة القدس العربي