أبوظبي – دخلت الإمارات بثقلها على خط جهود استعادة العراق إلى الصف العربي، بعد زيارة زعيم التيار الصدري العراقي مقتدى الصدر لأبوظبي، التي جاءت بعد أيام من زيارة مماثلة قام بها إلى الرياض.
ويمثل الصدر ثقلا سياسيا ومذهبيا كبيرا في العراق، كما تصنّفه بأنه يقف على الحافة من مئات القوى التي تدور في فلك إيران، إذ يملك مساحة لافتة من الاستقلالية عن طهران، كما يتمتع بتأييد شعبي واسع، خصوصا في محافظات جنوب العراق وبعض أحياء بغداد.
وتسعى دول خليجية محورية إلى تشجيع بغداد على المضي قدما في زخمها السيادي المتصاعد، إذ تحاول حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي الاستئثار بملامح وشكل العراق في مرحلة ما بعد داعش.
ويغضب هذا التوجه إيران كثيرا. وتقول مصادر عراقية إن التشابه الكبير في وجهات النظر الذي عكسته زيارة الصدر إلى الرياض مهّد الطريق لزيارته إلى أبوظبي تمهيدا لبناء ثقل خليجي جديد في بغداد.
وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي على أهمية استقرار وازدهار العراق والتطلع لأن يلعب دوره الطبيعي على الساحة العربية بما يعزز أمن واستقرار العالم العربي.
وجاءت تصريحات الشيخ محمد بن زايد بعد لقاء جمعه مساء الأحد بزعيم التيار الصدري في أبوظبي.
وتأتي زيارة الصدر إلى الإمارات بعد نحو أسبوعين على زيارة مماثلة إلى السعودية تهدف بالأساس إلى استعادة العراق إلى الحضن العربي بعد تغول إيراني على المشهد السياسي العراقي منذ الغزو الأميركي عام 2003.
ونقلت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية عن الشيخ محمد بن زايد قوله إن “التجربة علمتنا أن ندعو دائما إلى ما يجمعنا عربا ومسلمين وأن ننبذ دعاة الفرقة والانقسام”.
وشدد ولي عهد أبوظبي على أن “دولة الإمارات تاريخيا مدت يدها إلى الشعب العراقي الشقيق”، مؤكدا على انفتاح الإمارات على العراق حكومة وشعبا.
واعتبر “أن المشاهد التي تكررت في الوطن العربي بكل ما تحمله من خسائر بشرية ومادية تعلمنا ضرورة العمل المشترك لحماية وصيانة المحيط العربي”.
واطلع الشيخ محمد بن زايد خلال اللقاء، الذي حضره الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، من مقتدى الصدر على تطورات الساحة العراقية.
والصدر يزور أبوظبي في إطار زيارة رسمية تلبية لدعوة وجهتها له الحكومة الإماراتية. وقال المكتب الإعلامي للصدر في بيان إن “الصدر، توجه الأحد، إلى الإمارات تلبية لدعوة رسمية منها”. ولفت البيان إلى أن “الحكومة الإماراتية أرسلت طائرة خاصة لنقل الصدر، ذهابا وإيابا”.
وقال مصدر في مطار النجف الدولي، طلب عد الكشف عن اسمه إن “مقتدى الصدر، يرأس وفدا من قيادات التيار الصدري، خلال زيارته إلى الإمارات”.
ويتزعم مقتدى الصدر التيار الصدري الذي يشغل 34 مقعدا في البرلمان، فضلاً عن فصيل مسلح يحمل اسم “سرايا السلام”، وهو واحد من فصائل “الحشد الشعبي” الذي يقاتل إلى جانب القوات العراقية ضد تنظيم “داعش” الإرهابي.
وتقود السعودية والخليج خصوصا جهود زعزعة الهيمنة المطلقة لإيران على بغداد عبر إعادة “تعريب” الطبقة السياسية الشيعية في العراق، وفكّ قبضة طهران التي ظلت محكمة على التوازنات الاجتماعية هناك منذ الغزو الأميركي عام 2003.
وتحظى الرؤية الخليجية بدعم أميركي ضمن توجه إدارة الرئيس دونالد ترامب الجديدة لتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة. ويتوافق مسؤولون خليجيون وأميركيون على أنه لا حلّ للمسألة الإيرانية في الشرق الأوسط من دون البدء بحلحلة معضلة بغداد أولا.
ويمثل مقتدى الصدر أحد القوى المعتدلة نسبيا في معادلة الشيعة السياسية في بغداد، كما أنه يتمتع بعلاقات وثيقة بطهران التي لم تتمكن من إقصائه من الساحة السياسية رغم تهديده المباشر لمصالحها أحيانا.
وتحسنت العلاقات بين العراق والسعودية في الأشهر الأخيرة، حيث يتبادل المسؤولون في البلدين الزيارات بعد عقود من التوتر.
وزار يوم الأحد وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة بغداد في تحوّل جهود استعادة العراق ضمن الحاضنة العربية إلى تيار قويّ بدأ يتجاوز قدرات طهران على كبح ذلك التوجّه المدعوم بإرادة عدد من العواصم العربية.
وكان أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية قال في سلسلة تغريدات نشرها على حسابه على تويتر إن “التواصل العربي ضروري وأن دور الرياض محوري في مرحلة ما بعد إرهاب داعش. المشهد معقد ولكنه لن يستعصي أمام توجه مشترك يدعم استقرار وازدهار العراق”.
وأشار قرقاش إلى أن انتقاد الإعلام الإيراني لزيارة مقتدى الصدر إلى السعودية يؤكد ضرورة الاستمرار في الانفتاح على العراق، موضحا أن الطريق وعر ولكن البعد العربي يتطلب ذلك.
وتثير زيارات المسؤولين العراقيين للسعودية غضب إيران التي تخشى أن تهدد عودة العراق لمحيطه العربي نفوذها المترامي في البلاد. وشنت هجوما كبيرا على الزعيم الصدري مقتدى الصدر عبر صحفها بلغت حد نعته بـ”الخيانة” بسبب زيارته للرياض.