وضحت إدارة الأمريكي دونالد ترمب موقفها الثابت في أمرٍ واحد، وهو أن أولويتها في سوريا هي تنظيم «الدولة الإسلامية». وعلى الرغم من أنها انتقمت من نظام بشار الأسد لاستخدامه الأسلحة الكيماوية، فإن تركيزها كله على تنظيم «داعش»، وليس الأسد ولا إيران في سوريا. وبالعودة إلى الحملة الرئاسية، كان الرئيس ترمب مصرّاً بالتأكيد في قوله إنه يريد العمل مع الروس في سوريا، ويبدو أن هذا ما يقود سياسته هناك.
أعلن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون عن اتفاق لوقف إطلاق النار في جنوب سوريا، وذلك بعد الاجتماع بين الرئيسين ترمب وبوتين على هامش قمة مجموعة العشرين. وتحدث عن ذلك كخطوة أولى، وقال أيضاً في ذلك الوقت إن الروس قد يكونون «على حق أكثر عندما يتعلق الأمر بسوريا»، تعليقٌ لافت نظراً لقصف روسيا المستمر على المناطق المدنية، والرسالة التي كان يرسلها، ربما عن غير قصد، عن استعدادنا للرضوخ لنهجهم.
ومن السهل أن تشكك في هذه السياسة. فقد وافق الروس على كثير من اتفاقيات وقف إطلاق النار، أو وقف الأعمال القتالية السابقة ولم ينفذوا أيّاً منها. وعندما انتهك نظام الأسد أو الإيرانيون وميليشياتهم الشيعية التفاهمات، لم يفعل الروس شيئاً. بل على العكس، استخدموا قوتهم الجوية لتوفير غطاء جوي للسوريين والميليشيات الشيعية لأنها وسّعت نطاق انتشارها في البلاد. هل يمكن أن يكون الوضع مختلفاً هذه المرة؟ هل يمكن أن يكون بوتين مهتماً بالالتزام باتفاق وقف إطلاق النار هذا، وفرضه فعلياً على نظامٍ يعلن أنه يسعى إلى «استعادة كل شبرٍ» من البلاد؟
ربما، فقد يكون بوتين مهتماً بخفض تكاليف روسيا في سوريا؛ لأن روسيا ستشهد انتخاباتٍ رئاسية العام المقبل ولا يحتاج الرئيس الروسي إلى ارتفاعِ سعر مشاركة بلاده في سوريا. وعلاوة على ذلك، فقد حقق كل ما يريد، (وأكثر) مما كان يأمل، عندما قرر التدخل في سوريا. فروسيا لديها اليوم قاعدة جوية في سوريا، وهو الأمر الذي لم يستطع حتى الاتحاد السوفياتي تحقيقه. وتوسع روسيا منشآتها البحرية في طرطوس وتحولها إلى قاعدة أكثر فاعلية. وقد أنشأت مظلة للدفاع الجوي في سوريا تمتد إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. وقد أثبت بوتين أن روسيا هي الحكم في الصراع في سوريا ودورها في المنطقة يتزايد. واليوم، عندما يتعلق الأمر بالأمن تحتاج كل دولة إلى التواصل مع موسكو وزيارتها، وإذا لاحظنا من يسافر من الشرق الأوسط لزيارة بوتين نرى أنها الدول الرائدة. وفي الواقع، يبدو أنهم يذهبون إلى موسكو أكثر من قدومهم إلى العاصمة واشنطن.
ونظرياً، قد يكون لبوتين مصلحة بتحقيق الاستقرار وإنهاء الصراع في سوريا واحتواء حربٍ دائرة قد تؤدي إلى استنزاف الخزانات الروسية ووقوع عددٍ أكبر من الضحايا. والمشكلة في هذه المرحلة هي أن نظام الأسد مع قوات «حزب الله» ووكلاء الميليشيات الشيعية الإيرانية الأخرى، لا يعززون سيطرتهم فحسب، بل يوسعونها لتصل إلى ضواحي دمشق ومحافظة إدلب وشرق سوريا على الطريق السريع بين دمشق وبغداد. وهم يلبون رغبة إيران في إنشاء جسرٍ بري من إيران عبر العراق وسوريا إلى لبنان، ووقف إطلاق النار في مناطق التصعيد الروسية يخدم غرضها في الوقت الراهن. ولكن ماذا يحدث عند اكتمال التعزيز والتوسع؟ هل سيقوم الأسد وشركاؤه – سادته الإيرانيون بتحويل انتباههم إلى السيطرة على الحدود السورية مع الأردن وإسرائيل؟ ونظراً إلى رغبة إيران في توسيع نفوذها في المنطقة، فمن المؤكد أنها ستسعى إلى تحقيق ذلك.
وقد أعرب الإسرائيليون علناً معارضتهم لوقف إطلاق النار لأنهم يرون أنه يضفي الشرعية على وجود الميليشيات الإيرانية- الشيعية في سوريا، وربما بالقرب من حدودهم. وقد أوضح الإسرائيليون أنهم لن يسمحوا لإيران بفتح جبهة ثانية ضدهم في سوريا. وقد يردع هذا الإيرانيين. على الأقل، سيختبرون ويدققون لمعرفة مدى خطورة الإسرائيليين. وللأسف، فإن احتمال ردعهم عن محاولة تموضع قواتهم على طول الحدود الأردنية أقل من ذلك بكثير لأنهم مقتنعون بأن هذا الموقع سيؤمّن لهم الوسائل الكفيلة بإلغاء استقرار المملكة الهاشمية وتهديد دول الخليج من اتجاه آخر.
وخلافاً لما هو عليه الحال مع إسرائيل، من المفترض أن يُبقي اتفاق وقف إطلاق النار النظام السوري والإيرانيين على بُعد 40 كيلومتراً من الحدود الأردنية. وذلك يعتمد على إيقاف الروس للسوريين والإيرانيين إلا إذا قرروا تمديد الصراع وزيادة تكاليفهم.
ويمكن لإدارة ترمب أن توضح أن لهذا القرار تكلفة عليهم أن يدفعوها. وإذا كانت الإدارة مستعدة لتقول إن الولايات المتحدة ستفرض مناطق وقف إطلاق النار والمناطق العازلة إذا لم يفرضها الروس فسينتبه بوتين. فذلك لن يشير فقط إلى أن الولايات المتحدة ستكون حكماً للأحداث في سوريا، وهو ما يسعى بوتين إلى تجنبه، بل سيعني أيضاً أننا سنعمل على معاقبة النظام السوري على تجاوزاته.
وكان أحد أهداف بوتين إظهار أن الروس يقفون إلى جانب أصدقائهم ويحمونهم. ولن يرغب في حماية المزيد من الجهود السورية للتوسع إذا كان هذا الأمر سيكلف الروس، ومن المرجح أيضاً أن يكون مرهقاً من عودة التمرد بعدما بدا أنه احتواه. ومن الطرق التي يمكن للولايات المتحدة أن تعاقب بها النظام هي استئناف إرسال المساعدات الفتاكة للجماعات السورية المعارضة. وقد يبدو ذلك مستبعداً جداً بعد إنهاء إرسال إدارة ترمب لهذه المساعدة، ولكن إذا بدا أن الروس يتراجعون عن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، فقد يكون ذلك خياراً أمام الإدارة الأميركية.
والمفارقة بالنسبة لإدارة ترمب هي أنها إذا أرادت هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» وضمان عدم ظهوره مرة أخرى، فيجب ألا يكون هناك فراغ بعد هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» في الرقة وبقية المناطق الواقعة تحت سيطرتها في سوريا. وفي الوقت الراهن، يتوقع الإيرانيون مثل هذا الفراغ ويتموضعون لملئه. وإذا قاموا بذلك، فيمكننا أن نتوقع نوع الطائفية واستبعاد السنة الذي سيفرضونه والذي تسبب في ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية» في الأساس.
تحتاج الإدارة الأميركية إلى التركيز على منع حصول هذا الفراغ من خلال ضمان عدم استمرار إيران والميليشيات الشيعية في توسيع وجودهم في سوريا. يجب على الرئيس ترمب أن ينقل إلى بوتين أن التعاون في سوريا يعتمد على عدم توسيع نظام الأسد والميليشيات الشيعية وجودهم ونطاق سيطرتهم. وأننا سنعاقب على انتهاكات اتفاقيات وقف إطلاق النار إذا لم يفعل الروس ذلك، وفي حين أننا لن نسعى إلى دحر النظام والميليشيات الشيعية، فإننا لن نتساهل مع وجودها وسيطرتها على مناطق أخرى في سوريا.
ويبدو واضحاً تردُّد الرئيس ترمب ووزير الدفاع جيمس ماتيس في المشاركة بشكلٍ أعمق في سوريا، ولكن ما لم يكونا مستعدين للحيلولة دون مزيدٍ من التوسع للقوات الإيرانية وقوات الأسد بعد هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»، فإنهم قد يشهدون حالة عدم استقرار أكبر في المنطقة وعودة ظهور التجسيد التالي لتنظيم «داعش». وإذا أرادوا تجنب تحقق مثل هذا السيناريو فسيحتاجون إلى وضع حدود الآن والتأكد من فهم بوتين لها.
دنيس روس
معهد واشنطن