لا وظائف شاغرة اليوم للشباب اليمني سوى التجنيد للاستحقاقات الحربية التي لم تولد بعد.
تجنيد للشباب اليمني في صنعاء، وكذلك تجنيد في عدن، وبأعداد مأساوية مهولة جدًا؛ وهو ما يعني القضاء التام على حياة البطالة الشبابية في أقرب فرصة عراك سياسية شاغرة يقرع طبولها حمقى وتجار الكوارث اليمنية هنا أو هناك.
لازلت أتذكر ابن قريتي.. الفتى اليتيم، الذي باع خروف والدته وذهب إلى وظيفة التجنيد، وخطواته الوطنية تسابق لهفته لارتداء بزة مستقبله العسكري.
وفي المعسكر، رمى له القائد العسكري بالبزة العسكرية وهو يقول له: أمسك كفنك وشرفك العسكري.
تذكر عندها الفتى القروي روايات الحروب العبثية وجنائز الجنود التي تستقبلها القرى المجاورة، جنازة شهيد بعد أخرى.
تذكر أيضًا والدته العجوز التي ودعته إلى مشارف القرية بالدموع، ليغادر بعدها بوابة المعسكر حافي القدمين بأقصى سرعة ممكنة للحياة، وهو ينظر إلى الخلف؛ خوفًا لو يتبعه القائد العسكري بكفن الفداء العسكري!
تلبية نداء الوطن واجب على كل أبنائه دون استثناء، متى ما استدعى الوطن ذلك، وأن تكون جنديًا في جيش بلدك؛ فأنت اخترت طريق الرجولة والتضحية والفداء الوطني الحقيقي.
ولكن، أن يكون عدد الشهداء في بلادك، التي لا حرب لها مع أي عدو خارجي، يوازي عدد شهداء الحرب العالمية الأولى والثانية والثالثة؛ فإن الأمر هنا بحاجة إلى القليل من التأمل الوطني والألم الإنساني.
على مر التاريخ اليمني، كانت اليمن مقبرة للغزاة؛ الذاهب إليها لايعود، هكذا قالت إحدى القصائد التركية عن أرض اليمن. وبعد تحرر اليمن من الغزاة والطغاة بمئات السنوات الثورية، صارت اليمن مقبرة لأبنائها، لشبابها الذين لاذنب لهم في كل خبر موت جديد تتداوله نشرات الأخبار العالمية كخبر عاجل، سوى أنهم ولدوا في أرض غنية باللصوص وتجار الموت، اسمها “اليمن”.
السمكة إذا غادرت البحر تموت، وبعض الكائنات في اليمن إذا غادرت بيئة الحماقة والتخلف والفوضى إلى دولة النظام والقانون العام تشعر بالاختناق والموت، ولهذا؛ تجدها دائمة البحث عن معارك وحروب وتحرشات حتى وإن كانت تلك التحرشات ضد جيش وأمن واستقرار وهيبة الوطن!
مؤلم بالنسبة لنا، نحن معشر اليمنيين الباحثين عن وطن لا صوت يعلو فيه عن صوت النظام والقانون والعدل والمساواة، معشر الباحثين عن ظل دولة مدنية تحمينا من جنون البقر وطيش قوانين الغابة ونحن نرى طائفة القبيلة والسلاح تتمدد على حساب طائفة الوطن والحلم، وطائفتي العبث والفوضى تتمددان على حساب طائفة النظام والقانون العام، وطائفة الزامل وداعي الموت يتمددان على حساب طائفة الغناء والرقص والحياة، وطائفة المناورات العسكرية تتمدد على حساب طائفة المناورات الرياضية.
مؤلم أكثر، ونحن الذين لا سلاح لنا سوى الأقلام والأحلام، نلتزم بقانون حمل السلاح، ومن يمتلك السلاح من الدبابة حتى راجمات الصواريخ يريد أن يرشدنا ويعلمنا مفاهيم الدولة المدنية وقوانين المواطنة المتساوية.
الحروب باهظة التكاليف، وتحتاج إلى رأس مال قوي وميزانية فلوس “زي الرز”، هذا ما قالته التقارير المالية لكل الحروب والكوارث التي ابتليت بها بعض شعوب العالم، ليس “فقط” في شراء الذخائر والأسلحة الحربية باهظة الثمن، ولكن لأن كل رحلة حرب حتى وإن كانت حربًا لبضع ساعات ما بين حارة صغيرة وأخرى داخل أسوار الوطن الواحد تؤدي إلى استنزاف كل مقدرات وطاقات وإنجازات البلاد وتدمير كل البنية التحية للأمل الوطني والفوقية، فما بالك بإنفلونزا حروب تتقافز كالجراد من بقعة إنسانية إلى أخرى، ومن سنة منهكة الجسد والروح إلى سنة أخرى، وفي بلد لا يمتلك لا بنية تحتية جيدة ولا فوقية ويستدين ويستجدي المعونات الاقتصادية من الخارج، كاليمن.
لو جمعت كل ميزانيات وأوقات الحروب والكوارث البشرية اليمنية- اليمنية لبناء وتنمية اليمن؛ لكانت اليمن اليوم ماليزيا أخرى، ولكن الضمير الذي لم يكترث لحطب الحروب من شهداء وأرامل وأيتام ونازحين من بني الإنسانية؛ لن يكترث لإحصائيات الخسائر الاقتصادية والاستثمارية التي لا أحد يدفع ثمن فاتورتها باهظة التكاليف سوى طائفة اليمنيين الفقراء وفخامة الوطن الجريح وأنشودة وهبناك الدم الغالي وهل يغلي عليك دمي.
مروان السامعي-التقرير