لندن – صار الآن من الصعب تفسير العمليات التي ينفذها تنظيم داعش بأنها عمليات من تنفيذ “ذئاب منفردة” في مسعى للتقليل من خطر التنظيم، والإيحاء بعدم وجود عقل مدبر له في أوروبا. وحين تتوزع العمليات في أيام محدودة بين إسبانيا وفنلندا وألمانيا وروسيا يصبح السؤال: كيف يمكن أن تتداعى تلك الذئاب لتنفيذ عملياتها وتحقيق أهداف سياسية وإعلامية دون وجود تخطيط مسبق.
ويعتقد مراقبون أن أوروبا مطالبة بأن تعيد حساباتها في تحليل أخبار التنظيم المتشدد الذي يسارع آليا إلى تبني العمليات المتباعدة ليوحي بتمدده، وأن ما يبدو من عمليات متباعدة في الأماكن والأوقات قد يكون تكنيك استنزاف وليس دليل ضعف.
وفي تصريحات لوكالة “أسوشيتيد برس”، قالت بيكا هيلتونين، المسؤولة بالاستخبارات الفنلندية إن “أجهزة الأمن تبحث احتمالية وجود علاقة بين المشتبه به الرئيسي بواقعة الطعن وتنظيم داعش”.
وتبنّى داعش اعتداءين دمويين في إسبانيا بالإضافة إلى اعتداء بالسكين في مدينة سورجوت الروسية.
وما يثير التساؤلات، أيضا، أن التنظيم لم تعد تعوزه الحيلة لاستقطاب الشباب لتنفيذ عمليات من هذا الحجم.
وصارت المعادلة حاليا مغايرة تماما عمّا قبل حين كان الشبان يحلمون بالهجرة بحثا عن العمل، وإعجابا بأفكار الغرب وسلوك شبابه. الآن صار الشبان سواء الذين يهاجرون عن طريق قوارب الموت، أو ممن ولدوا في الغرب يسقطون في حبال التشدد.
وأعادت الاعتداءات الأخيرة هذه المفارقة إلى الواجهة وسط تساؤلات عن سهولة استقطاب داعش والتنظيمات المتشددة الأخرى فيما يكونون محصنين أكثر ببلدانهم الأصلية مثل المغرب.
وفيما يوصف المغرب بأنه نموذج للاعتدال والوسطية، ويرسل أئمة ومرشدين لأوروبا وأفريقيا ليرسّخوا هذه القيم، فإن شبانا من أصول مغربية تورطوا في تنفيذ تلك الاعتداءات، ما يؤشر إلى أن الأمر يتجاوز تماما البلدان الأصلية، وأن التسامح الذي تتعاطى به أوروبا مع جماعات ومنظمات متشددة يسمح لها بأن تعمل بحرية لخلق جيل من المتشددين يهدد أمن الغرب والعالم.
وأقرّت دول عربية عدة قوانين صارمة لمكافحة الإرهاب. وتقوم قوات الأمن في هذه الدول بحملات مستمرة للإيقاع بخلايا متشددة يتم استقطابها على الأكثر عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي جبال الأطلس المتوسط في المغرب، فوجئت قرية ملوية الهادئة بعد الإعلان عن الاشتباه بتورط الأخوين إدريس وموسى أوكبير اللذين يتحدرّان منها، في الاعتداءين اللذين أوقعا الخميس 14 قتيلا وحوالي 120 جريحا في إسبانيا.
وعلى بعد أمتار من منزل عائلة أوكبير المتواضع المبنيّ من الحجارة والطين، نصبت خيمة لاستقبال حفل زفاف كان مقررا منذ فترة طويلة، لكن الأمسية تحولت إلى سهرة حزينة.
وقال عبدالرحيم الذي يبلغ من العمر حوالي أربعين عاما، وهو أحد أعمام الأخوين أوكبير إن “الحزن والألم حلاّ محل الفرح”.
أما سعيد أوكبير والد الأخوين الذي كان يحيط به أفراد من العائلة والجيران والأصدقاء، فقد قال لوكالة فرانس برس والدموع تملأ عينيه “نحن تحت تأثير الصدمة ومنهارون تماما”. وأضاف أن “الشرطة الإسبانية اتصلت الجمعة بوالدته الموجودة في إسبانيا لإخبارها بأنّ موسى قد مات”.
وقال أحد سكان ملوية “نحن أناس بسطاء ومسالمون، لا نعرف التطرف ولا الإرهاب”.
وقال والدهما “لم يبد عليهما أي شيء يدل على تطرفهما. كانا يعيشان مثل كل الشبان من عمرهما ويرتديان ملابس مثلهم”.
وأضاف أن “موسى كان فتى لطيفا لا يؤذي أحدا. كان يفترض أن يحصل على البكالوريا العام المقبل”. وتابع أن موسى “بدأ في الفترة الأخيرة يصلّي (…) لكن الأمر لم يتجاوز ذلك”. إلا أنه أكد في الوقت نفسه أن ابنه “كان يافعا لم ينضج بعد وقد يكون خضع لتأثير ما”.
وأكد عمّ الشابين أن موسى “كان هادئا ومبتسما دائما. لم يكن يدخّن ولا يشرب الكحول”، مؤكدا أن “كل المنطقة صدمت”.
العرب اللندنية