استهدفت الحملة المستمرة التي يشنها الرئيس الصيني “شي جين بينغ” لمكافحة الفساد، 16 ضباطا رفيع المستوى، فضلا عن الآلاف من موظفي الخدمة المدنية، إذ انصب اهتمامه على جيش التحرير الشعبي(PLA) منذ أن أصبح رئيسا للجنة العسكرية المركزية في عام 2012 ، ليتم التأكيد على أهمية هذا الجيش كلاعب سياسي. ومع ذلك، فلدى الصين نظام فعال للرقابة المدنية على الجيش، والذي يعمل على عكس ما هو متعارف عليه في الغرب، ليس لأن القوات المسلحة بعيدة عن السياسة، بل على العكس من ذلك، لأنها مسيسة تماما.
ومع أكثر من مليوني موظفي في الخدمة الفعلية، فان جيش التحرير الشعبي الصيني هو أكبر جيش في العالم، حيث بدأت جهود تحديثه في عام 1985 مع تخفيضات متتالية في عدد الموظفين وإنشاء جامعة الدفاع الوطني، لتعزيز الاحتراف والمركزية، بما لا يؤثر على ادواره في دعم جدول الأعمال السياسي للحزب الشيوعي، التي يهيمن على المؤسسة العسكرية في جميع المستويات.
ويرتبط جيش التحرير الشعبى الصينى بإحكام مع الحكومات على مستوى المحافظات، وتتمركز قواته في جميع أنحاء البلاد. رغم أن هذا قد يعرقل التنسيق الداخلي بين جيش التحرير الشعبى الصينى في زمن الحرب، والحزب على استعداد لدفع هذا الثمن من أجل ضمان الولاء السياسي للجيش. وفي المستقبل المنظور فان النظام لن يتغير: وتفضل قيادة الرئيس شي تعزيز العلاقات بين الحزب وجيش التحرير الشعبى الصينى إلى أبعد الحدود.
احترافية تحت سيطرة الحزب
على مستوى النخبة، يرتبط الجيش والحزب من خلال اثنين من الوكالات: اللجنة العسكرية المركزية، التي تتألف من عشرة جنرالات وبرئاسة الرئيس “شي جين بينغ”. ولجنة الأمن القومي، التي انشائها “شي” في عام 2013 لتولي مسؤولية السياسات. وبالمقارنة مع هذه الهيئات، فان وزارة الدفاع تبدو مثل صدفة فارغة، تتعامل مع المسائل الاحتفالية ليس الا. ولدى الدائرة السياسية العامة، التي تقع تحت إشراف اللجنة العسكرية المركزية وظيفة مزدوجة: إدارة الموارد البشرية داخل المؤسسة العسكرية (تعزيز وتخفيض والجنود) والإشراف على شبكة من المفوضين السياسيين، الذين تماثل مسؤولياتهم، مهام الضباط التنفيذيين في الجيش الأمريكي.
والمفوضون هم ضباط من الجيش تخصصوا في “العمل السياسي” مثل تلقين المجندين وتصميم برامج تحفيزية لهم. وهم مسؤولون عن العلاقات الخارجية للوحدات العسكرية، ويتولون التنسيق بين الكوادر على مستوى الحزب في المحافظات المختلفة، ونظائرهم من الاجانب.
وفي عام 2004، اوضح جين تاو، ثم الرئيس ورئيس اللجنة العسكرية المركزية، الكيفية التي يطبقها الجيش على مستوى أيديولوجية “التنمية العلمية”. حيث تم ابتعاث افراد من جيش التحرير الشعبى الصينى من جديد، لضمان حكم الحزب الشيوعي في الداخل وتعزيز مصالح الصين في الخارج.
ويحافظ النظام الصيني على روابط وثيقة مع القوات من خلال لجان الحزب، والتي تعد هيئات لصنع القرار في كل وحدة. وتشكل هذه “القيادة الجماعية” العلامة الفارقة للحزب. ولضمان سيطرة الحزب على المناصب القيادية داخل جيش التحرير الشعبى الصينى، فانه يتم الجمع بين ضباط الوحدات في هذا الهيكل الجماعي، وهي قاعدة غير مكتوبة، علاوة على ذلك، فان عضوية الحزب تسمح بتأمين الترقية في الجيش الصيني.
ومن الضرورة بمكان فهم الآلية السياسية التي يعمل بها جيش التحرير الشعبى الصينى، وعملية التنقلات العسكرية في داخل الجيش الشعبي. وعلى سبيل المثال اهتم الرئيس “شي” منذ عام 2000 بمواصلة تعزيز هذا المجال من خلال التعاون في الأكاديميات العسكرية. ويتعامل الملحقون العسكريون الأجانب بانتظام مع ضباط جيش التحرير الشعبى الصينى، الذين هم أيضا أعضاء في الحزب.
الاندماج المحلي
يتسم جيش التحرير الشعبى الصينى بحجمه الهائل، على الرغم من الجهود المتعاقبة في تقليص عديده، ولتوضيح اسباب استغراق عملية التحديث وقتا طويلا. فجغرافيا، ينقسم جيش التحرير الشعبى الصينى إلى سبع مناطق عسكرية، ولكل منها قائد، ويقف على رأس الهرم المفوض السياسي الذي يتعامل مباشرة مع اللجنة العسكرية المركزية. ويعتقد العديد من الضباط الصينيين بأن هناك الكثير من المناطق العسكرية لتأكيد فاعلية القيادة المركزية، والمناقشات الاخيرة حول خفض عددها من 7 إلى 5 لم تؤد إلى أي تغيير.
وترجع اسباب مناهضة خفض عدد من المناطق العسكرية، إلى الاندماج المحلي القوي بين الحاميات العسكرية والحكومات المحلية. هذه الإدارات هي التي تسيطر على الموارد اللازمة للتدريب العسكري، فضلا عن الاتصال بالكوادر السياسية بشكل منتظم لضمان توفير الأموال.
ويبدو اتجاه قانون “التعليم الخاص” بالدفاع الوطني لعام 2005 إلى أبعد من ذلك، يراد به تقوية الروابط بين الحاميات في المقاطعات من جهة، والجامعات والمدارس المدنية والحزب، من جهة أخرى. وينص القانون، على سبيل المثال، أن ضباط جيش التحرير الشعبى الصينى والطلاب يجب ان ينخرطوا في دورات التعليم العسكرية، التي تقدم لطلاب المرحلة الجامعية في الجامعات المدنية .
ويفرد هذا القانون، الهادف الى ترسيخ تعليم الدفاع “مهام حملة المفوضين السياسيين” مع تنظيم الفعاليات مثل المعارض بالتنسيق مع لجان الحزب المحلية والحكومات، وتدريب كوادر الحزب في مسائل الدفاع. ولإجراء هذه الحملة، يعمل المفوضون العاملين في الحاميات بشكل وثيق مع وزارة الإدارة المدنية للحكومة المحلية.
ويشارك جيش التحرير الشعبى الصينى أيضا في البرامج الوطنية للتخفيف من حدة الفقر التي يديرها الحزب، حيث يمكن الوصول إلى موارد الدولة المالية وغيرها لتمويل المشاريع التنموية، في الحاميات الواقعة في المحافظات الريفية الفقيرة مثل انهوى ويوننان وهوبى، لتوفير دعم الحكومات على مستوى المحافظة ماليا ولوجستيا وتقديم برامج غذائية وتنموية. وفي المناطق المحرومة، فان المكتب السياسي لجيش التحرير الشعبى الصينى المحلي يشارك عادة في إصلاح الطرق، وتوفير الكهرباء وحتى الاشتراك في الانشطة التجارية من خلال المشاريع المشتركة مع المستثمرين الأجانب، رغم انها تقلصت إلى حد كبير منذ فترة ماو، ولكن بعضها لا يزال موجودا.
وأخيرا، فان محطة اخرى من التعاون المحلي بين السلطات المدنية والعسكرية تتعلق بالاغاثة من الكوارث. فمنذ الفيضانات نهر اليانغتسى عام 1998، تم تعزيز الآليات القانونية حول التعاون ابان عمليات الإغاثة من الكوارث الطبيعية، التي تنطوي على حشد اعداد كبيرة من القوات، تعمل بالكامل مع السلطات المحلية.
السلطة اللامركزية
ينقسم جيش التحرير الشعبى الصينى الى هيئات متعددة لصنع القرار. وبالتالي، لا يجري الجيش والقوات البحرية والقوات الجوية تنسيقا متكاملا مع بعضه بالمقارنة مع الجيوش الكبيرة الأخرى. بل ان الفشل في القيام بعمليات مشتركة هو نقطة الضعف الرئيسة لجيش التحرير الشعبي، الأمر الذي يبدو أن القوة تبع من الداخل بدلا من الخارج.
وفي وقت السلم، فان أقوى العلاقات القائمة ليست بين مختلف أذرع الجيش، ولكن بين المفوضين السياسيين والكوادر الحكومية. ومن يعمل في الحاميات له علاقات أوثق مع الحكومات المحلية ما يتعلق بتنظيم التدريب العسكري وهيكلة حياة المجتمع وما إلى ذلك – ومع القيادة العسكرية المركزية.
وعلى الرغم من ان هذه الانقسامات قد تضر بالكفاءة التشغيلية، الا انها تعزز موقف نظام الحزب الواحد، لجهة خلق اتصال دائم بين كوادر الحزب المحلية وضباط جيش التحرير الشعبى الصينى، وتعتبر ثقافة مؤسسية تؤكد على الالتزام بالدفاع الوطني على مستوى المسؤولين الحزبيين.
وبالتالي فان الجمع بين المصالح الحزبية والعقيدة العسكرية، يتم من خلال التدريب والحوافز المهنية للتعاون على مستوى الحكومة المحلية. ويتمثل الحزب في القيادة العسكرية من خلال اللجنة العسكرية المركزية، حيث تتشكل علاقة قوية على المستوى المحلي مما يضمن استمرار السيطرة على جيش التحرير الشعبى الصينى.
ونتيجة لطبيعته اللامركزية، يتعامل جيش التحرير الشعبى الصينى مع مختلف وكالات الدولة الصينية بشكل يومي. ففي بحر الصين الجنوبي، حيث وقعت سلسلة من الأزمات، وكانت البحرية التابعة لجيش التحرير الشعبى الصينى، واحدة من بين ثلاثة وكلاء تعاملوا مباشرة مع النزاعات الإقليمية.
ومنذ عام 2005، أرسلت إدارة مصايد الأسماك الصينية وإدارة علوم المحيطات الدولة أيضا السفن إلى المياه المتنازع عليها. وقد سمح لمجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة المنتشرة القيادة المركزية لمتابعة المطالب الإقليمية دون أن يجعل منها قضية عسكرية، وبالتالي تجنب مواجهة مباشرة مع الجيش الأمريكي، الذي يدعم معظم المطالبين الآخرين (فيتنام وماليزيا وبروناي وتايوان والفلبين ).
حفظ السلام – في أفريقيا وحولها
في اغلب عمليات انتشاره الدولية، أثبت جيش التحرير الشعبى الصينى الالتزام بالقضايا الأمنية غير التقليدية. وبدت عملياته الأكثر وضوحا منذ وقت مبكر من القرن الحادي والعشري تحت مظلة الأمم المتحدة، كجزء من قوات حفظ السلام. اليوم تعد الصين أكبر مساهم في قوات برنامج الأمم المتحدة لحفظ السلام بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. واستمرت في ارسال المزيد من قوات حفظ السلام في الوقت الذي تقلص فيه القوى الغربية تواجدها في هذه القوات كند على سبيل المثال، رغم احتفاظها بمعظم مراكز القيادة. وترتكز قوات حفظ السلام التابعة لجيش التحرير الشعبى الصينى في أفريقيا، حيث تتواجد سبعة من أصل عشرة بعثات صينية هناك.
وبالنظر إلى أن تسعة من ستة عشر عمليات حفظ السلام الحالية للأمم المتحدة (UNPKO) تقع في أفريقيا. فان الصين تطالب، بان يكون التزامها العسكري في أفريقيا هو جزء من سياسة المساعدات الدولية بين بلدان الجنوب. ومن الأمثلة على ذلك ففي ليبيريا: أقامت الصين علاقات دبلوماسية مع البلاد بعد وقت قصير من بدء بعثة الامم المتحدة في عام 2003، وزادت باطراد عدد الخوذات الزرقاء لها هناك منذ ذلك الحين.
كما تحركت الصين في منطقة أخرى من عمليات التدخل العسكري الدولي رفيع المستوى يدور حول عمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن. ووفرت هذه العمليات لحماية الممرات البحرية، فرصة لجيش التحرير الشعبى الصينى لاختبار معداته البحرية الجديدة في البحار الأجنبية. ومع ذلك، فقد أظهرت الصين أيضا الحدود على استعدادها لنشر قواتها تحت إطار متعدد الأطراف. وعلى الرغم من أن المعركة ضد القراصنة في خليج عدن هي قضية مشتركة بين الصين وحلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي، فانه لم تجر الحكومة الصينية عمليات مشتركة مع القوات البحرية الأخرى، رغم تدخل القوات البحرية لجيش التحرير الشعبى هناك بشكل منهجي مستقل.
الصين الغربية: التهديد الرئيس؟
الخطر الرئيس على الأمن القومي الصيني اليوم يبدو في اطاره المحلي. ويشكل المتمردون في غرب- اقليم شينجيانغ في الصين، حيث الجماعة الإسلامية في تركستان التهديد الأكثر إلحاحا بالنسبة للصين، وكان جيش التحرير الشعبى الصينى موجودا لمدة طويلة في هذه المحافظة، لا سيما من خلال قوة خاصة به تسمى “شينجيانغ للانتاج والبناء”. وتشارك هذه الوحدة في الأنشطة الاقتصادية بالاضافة الى مهامها في مراقبة الحدود، فانها تهتم ايضا بتحقيق الاستقرار الاجتماعي. ففي عام 2014، احتفل الحزب الشيوعي في الذكرى الـ60 لتشكيل القوة، والتأكيد على دورها في ضمان الاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية في هذه المنطقة النائية.
اما الشكل الوحيد للتحالف بين جيش التحرير الشعبى الصينى والقوات الاجنبية، هو “منظمة شنغهاي” للتعاون (SCO)، التي أنشئت في عام 2001، وتضم كلا من روسيا والصين وكازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وتركمانستان وطاجيكستان، والمنظمة ليست تحالفا ملزما، ومع ذلك، فان مدى التعاون بين الصين وأعضاء آخرين في المنظمة قد يمتد إلى تدريبات عسكرية مشتركة.
ولم تستخدم الصين “منظمة شانغهاى” للتعاون على رسم جمهوريات آسيا الوسطى لتكون في فلك روسيا، بل ان بكين زادت المبادلات التجارية مع كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وتركمانستان وطاجيكستان ثنائيا وليس داخل إطار المنظمة. ومع هذا لا تزال المنظمة أداة هامة للتعاون من خلالها تمكنت الصين من إنشاء نفوذ لها في المنطقة. فالعلاقة السياسية العسكرية تعد الاكثر حسما وتأثيرا في هذا الصدد.
تشارك بوجه اخر
يعد الجيش الصيني اليوم هو فاعل سياسي ليس في حدوده الوطنية، ولكن أيضا في الخارج. وذلك بفضل زيادة في التعاون العسكري الدولي مع الأمريكيين والضباط الأوروبيين والأفارقة، الذين يقضون الآن المزيد من الوقت مع نظرائهم من جيش التحرير الشعبى الصينى، مع الملحقين العسكريين في بكين، أو في إطار حل النزاعات الدولية وعمليات لمكافحة القرصنة. وتتم جميع الاتصالات من خلال الدائرة السياسية العامة لجيش التحرير الشعبي.
واليوم تتداخل “البعثات الجديدة” لجيش التحرير الشعبي، التي حددها هو جين تاو إلى حد كبير مع هذا النوع من العمليات التي تتشارك فيها مع الجيوش الأوروبية في الخارج. وفي الواقع، فان عقيدة جيش التحرير الشعبى الصينى تؤكد الآن على أهمية العمليات غير القتالية، مثل حفظ السلام والمساعدات الإنسانية للقوات الصينية لاكتساب الخبرة التشغيلية.
وتبقى مشكلة واحدة امام جيش التحرير الشعبى الصينى: على الرغم من أنها تركز على اعتبارات الأمن غير التقليدية على حد سواء في الداخل والخارج، تتمثل في الفشل في رفع مستوى هيكل قيادتها، كما افضت الآليات المعقدة التي تربط الجيش بالحزب الحاكم، محليا ومركزيا، لجهة تعدد مراكز السلطة، وبالتالي إطالة أي عملية لصنع القرار.
جولييت جينيفاز؛ لمعهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية (EUISS)
http://www.isn.ethz.ch/Digital-Library/Articles/Detail/?lng=en&id=189132
ترجمة مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية