بروكسل- حسمت محكمة الاستئناف البلجيكية الجدل حول تصنيف حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية، بأن رفضت تصنيف عملياته كأعمال إرهابية، وهي الخطوة التي أثارت غضب أنقرة وأثبتت أن سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القائمة على العدائية أكسبت بلاده المزيد من الأعداء في أوروبا.
وقضت محكمة الاستئناف في بلجيكا، بعدم ملاحقة 36 شخصا من حزب العمال الكردستاني بينهم قياديون ومؤسسات تابعة للمنظمة، بموجب قوانين مكافحة الإرهاب بالبلاد، وذلك بعد أن تقدمت كل من الدولة التركية والمدعي العام البلجيكي بطلب استئناف لقرار سابق حول القضية.
وأكدت المحكمة عدم إمكانية وصف حزب العمال الكردستاني بالمنظمة الإرهابية في مخالفة لتصنيف كل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي للمنظمة الكردية.
واعتبرت محكمة الاستئناف البلجيكية أن هناك “صراعاً مسلحاً” في تركيا وأن حزب العمال الكردستاني هو طرف فيه، “وعلى هذا الأساس لا يمكن اعتباره منظمة إرهابية”، مضيفة أن المؤسسات والجمعيات الكردية العاملة في بلجيكا لا يمكن أن تُعامل في إطار قانون محاربة الإرهاب.
وجاء هذا القرار، بعد الاستماع في 9 مايو الماضي إلى إفادات بعض”القادة” الأكراد في البلاد، الذي رأى أن “حزب العمال هو طرف في صراع داخلي في تركيا، ولا يعمل على إرهاب السكان ولكنه يحارب من أجل حقوق الأكراد”، وفق نص القرار.
وشنت تركيا هجوما على بلجيكا ووصفتها بـ”الحلقة الأضعف في الحرب على الإرهاب”. وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان لها إن “هذا القرار هو مثال جديد على الدعم الذي يقدم إلى المجموعات الإرهابية التي تعرّض الأمن في تركيا للخطر”.
واعتبر متابعون للشأن التركي أن أنقرة تدفع ضريبة سياسات أردوغان في تحدي أوروبا واستهداف زعاماتها بخطاب معاد تجاوز به التقاليد الدبلوماسية، والسعي لتحريض المواطنين من أصول تركية على دولهم خاصة في ألمانيا كردة فعل على رفض المستشارة أنجيلا ميركل الرضوخ لشروطه وبينها إجراء حملات انتخابية على أراضيها لفائدة الاستفتاء الذي تحول بفضله إلى حاكم بصلاحيات غير محدودة.
وتدهورت العلاقات بين تركيا وأوروبا إلى مستوى متدن خلال حملة الاستفتاء عندما منعت دول بالاتحاد الأوروبي، من بينها ألمانيا وهولندا، وزراء أتراكا من تنظيم لقاءات جماهيرية لترويج التعديلات الدستورية.
ووصف أردوغان هذه التحركات بأنها “أفعال نازية”، وقال إن تركيا قد تعيد النظر في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي بعد سنوات طويلة من سعيها للانضمام إليه.
ويقول مراقبون إن طموحات أردوغان السلطانية تدفعه للمجاهرة بكره أوروبا واعتبارها “أرض حرب” على منوال خطب السلاطين العثمانيين القدماء.
وأعلنت ميركل السبت أنها تعتزم زيادة الضغط الاقتصادي على تركيا للإفراج عن ألمان معتقلين هناك. وقالت في تصريحات لصحيفة “باساور نويه بريسه” إنه “سيتعين علينا الاستمرار في خفض تعاوننا الاقتصادي مع تركيا ومراجعة المشروعات”.
وذكرت ميركل أنه من المشين أن يتم اعتقال عدد من المواطنين الألمان في السجون التركية، وقالت “نقدم الرعاية القنصلية للمعتقلين بقدر استطاعتنا، لكن تركيا تصعّب للأسف هذا الأمر في بعض الحالات”.
ويوجد نحو عشرة ألمان معتقلين لأسباب سياسية في تركيا، من بينهم الصحافي دينيز يوجيل والمترجمة ميسالي تولو والناشط الحقوقي بيتر شتويتنر. ويواجه هؤلاء اتهامات بدعم إرهابيين في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني.
ولا يستبعد المتابعون أن تراجع الدول الأوروبية تصنيفها لعمليات حزب العمال الكردستاني مستقبلا أسوة ببلجيكا.
وبدأ قادة العمال الكردستاني باللجوء لبلجيكا منذ 1990، ويعيش فيها العديد من رموز الحزب بينهم ما يسمّى بقادة المنظمة في أوروبا ومنهم رمزي قارطال وزبير أيدار. ومنحتهم السلطات البلجيكية حق اللجوء رسميا رغم وجود “نشرة حمراء” تركية بحقهم.
وتسمح بلجيكا لأنصار الحزب بحمل صور زعيم المنظمة عبدالله أوجلان في المظاهرات، وترخص لقياداته إجراء مظاهرة في بروكسل بمشاركة سياسيين بلجيكيين أيضا.
وما يثير حنق الأتراك أن بلجيكا رفضت تصنيف جماعة فتح الله غولن كمنظمة إرهابية برغم مساعي أنقرة المتعددة، وعلى العكس تنظر بروكسل إلى الجماعة باعتدال. وتستمر المنظمة بأنشطتها تحت اسم “اتحاد الجمعيات الناشطة في بلجيكا” والذي يضم حوالي 60 جمعية.
العرب اللندنية