ماذا بعد خطاب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، والذي حدد فيه كثيرًا من الأمور التي لم تعد في طاقته ولا يملك القوة على الأرض لتنفيذها، ولا توجد مؤسسة عسكرية أو أجهزة أمنية تفرض على الحوثيين الانسحاب من صنعاء والمناطق التي بسطوا سيطرتهم عليها، أو مواجهة القوات التابعة للرئيس المخلوع علي صالح الذي يعد ابنه للرئاسة والدفع به في الانتخابات الرئاسية؟ وماذا يملك “هادي” في عدن سوى لجان شعبية ليس لديها العدة ولا العتاد؟
الرئيس اليمني طالب بأمور كثيرة في خطابه، “من أجل تسيير إدارة الدولة وخدمة شعبنا في جميع المحافظات”، على حد قوله، ولكن جاء رد الحوثيين بالرفض وتوجيه الاتهامات له، وقال قيادي في جماعة الحوثيين، إن “عبد ربه منصور هادي فاقد للشرعية، ولا يحق له توجيه خطابات إلى الشعب اليمني”، وأشار “علي القحوم”، عضو المكتب السياسي للجماعة، أن هادي “فَقَدَ شرعيته وأن خطابه لا يعني الشعب اليمني، لا من قريب ولا من بعيد”، واتهم “القحوم” الرئيسَ اليمني بـ”تنفيذ مؤامرة أمريكية سعودية ويتشارك مع تنظيم القاعدة و”داعش” في استهداف قوات الأمن الخاصة التي تحمي مؤسسات الدولة، كما حدث في عدن ولحج”، وجدد القحوم التأكيد على أن “هادي بات خارج المشهد، وخطابه مجرد تضليل للناس بأنه ما يزال في استطاعته فرض شرعيته المفقودة على الشعب اليمني بدعم أمريكي سعودي”، واستغرب القيادي الحوثي “إنكار هادي لاتفاق السلم والشراكة الذي وقعته المكونات السياسية في 21 سبتمبر/ أيلول”، معتبرًا ذلك انقلابًا على الاتفاقات السابقة وتجاهلًا لـ”الثورة الشعبية والإرادة اليمنية”، في إشارة إلى عدم تطرق الرئيس هادي لاتفاق السلم والشراكة الموقع بين القوى السياسية والحوثيين في سبتمبر/أيلول الماضي.
أما حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يتزعمه الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، فقد حمل الرئيس عبد ربه منصور هادي، واللجان الشعبية، مسؤولية ذبح 45 جنديًا في محافظة لحج، جنوبي البلاد، وقال بيان مشترك عن أحزاب التحالف الوطني في اليمن، نشره الموقع الإلكتروني لحزب المؤتمر: “تابعنا بقلق ما شهدته محافظة لحج من أعمال إجرامية ووحشية تمثلت بذبح 29 جنديًا بطريقة وحشية من قبل مسلحين إرهابيين متطرفين، وكذا اقتحام مستشفى ابن خلدون وذبح نحو 16 جنديًا آخرين بذات الطريقة الوحشية”، وأدان البيان هذه العملية، ووصفها بـ”الجرائم الوحشية التي لا تمت بصلة لديننا الإسلامي الحنيف ولا أخلاقنا وقيمنا اليمنية في التعايش والتسامح”، مؤكدًا “أن هذه الأعمال تستهدف الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي وأمن واستقرار اليمن”.
وحمّل البيان “عبد ربه منصور هادي واللجان الشعبية (موالية لهادي)، التي يقودها كامل المسؤولية عن هذه الجرائم”، محذرين “من مخاطر هذه الأعمال على وحدة الوطن وأمنه واستقراره”، واعتبر البيان هذه الحادثة “محاولة من القوى التي تقف خلفها لجر البلاد إلى أتون الحرب والفوضى والعنف والطائفية والمناطقية البغيضة”، واصفًا تلك القوى بأنها “تصب الزيت على النار وتؤجج الكراهية والحقد بين أبناء الشعب الواحد، وتمارس كل يوم أفعالًا تؤكد جنوحها نحو العنف، والقتل، واقتحام مؤسسات الدولة، ونهب ممتلكاتها بطريقة لم تعد أهدافها ومراميها الخبيثة تخفى على أحد”.
جاء ذلك ردًا على أول كلمة متلفزة للرئيس هادي، منذ مغادرته إلى عدن، والتي دعا فيها إلى انسحاب العناصر المسلحة من كافة المقار الحكومية، وأن يرتفع علم اليمن في مران (مسقط رأس عبد الملك الحوثي زعيم الحوثيين)، بدلًا عن العلم الإيراني، وقال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، إن “انتقالنا إلى عدن (جنوب) جاء لجعلها عاصمة مؤقتة، وليس للانفصال كما روج له الانقلابيون، ومن أجل تسيير إدارة الدولة وخدمة شعبنا في جميع المحافظات”.
وأضاف هادي: “أشعر بالمعاناة لدى الشعب اليمني، وأدرك رغبتكم في الأمن والاستقرار، ومن واجبي العمل على تحقيق تطلعاتكم المشروعة في بناء المستقبل المشرق، والاتفاق على ما يرضاه شعبنا”، ودعا القوى السياسية اليمنية إلى “الالتزام بما اتفق عليه اليمنيون في المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، ووضع برنامج زمني محدد وواضح لتنفيذها”، مشيرًا إلى أن “استمرار هذا الوضع يؤدي إلى كارثة اقتصادية وأمنية تفقد المواطن قدرته على العيش”.
كما أكد هادي في خطابه على ضرورة “انسحاب العناصر المسلحة واللجان المفروضة من قبل الميليشيا المسلحة (الحوثية) من كافة الوزارات والمقار الحكومية”، وكذا “سحب كافة العناصر المسلحة من صنعاء والمدن الأخرى”، وطالب هادي بـ”إعادة كافة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة التي تم الاستيلاء عليها ونهبها من المعسكرات إلى المؤسسة العسكرية”، والعمل على تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، والعودة عن كافة الإجراءات التي تمت منذ 21 سبتمبر (أيلول الماضي، تاريخ سيطرة الحوثيين على صنعاء)”.
وأعرب هادي عن إدانته لتفجيرات الجمعة، في مسجدين بصنعاء، وعزى أسر الضحايا، وهو الهجوم الذي أسفر عن استهداف مسجدين يرتادهما حوثيون، وخلف عشرات القتلى والجرحى، وتبناه لاحقًا تنظيم “داعش” في بيان منسوب له، وقال الرئيس اليمني إن “مرتكبي هذه الأعمال تجردوا من كل القيم الإنسانية ولا تربطهم أي صلة بالدين الإسلامي”، داعيًا لـ”مواصلة العمل في محاربة الإرهاب”، وتابع أن “قيام الطائرات الحربية بشن غارة جوية (استهدفت سكن الرئيس بعدن اليومين الماضيين) عدوان همجي أرعن يقف الشعب اليمني سدًا منيعًا أمامه، ولن تثنينا عن تحمل المسؤولية”.
وأشار هادي إلى أن “استمرار الوضع الحالي في البلاد سيؤدي إلى كارثة اقتصادية وسياسية”، وقال الرئيس هادي: “لابد أن يرتفع علم الجمهورية اليمنية في مران (مسقط رأس عبد الملك الحوثي زعيم جماعة الحوثيين)، بدلًا عن العلم الإيراني، وإن التجربة الاثني عشرية (مذهب إيران الرسمي) الإيرانية مرفوضة من الشعب اليمني”.
وخاطب زعيم الحوثيين قائلًا: “كفى مغالطات يا عبد الملك الحوثي أنت ومن يخطط لك”، ودعا اليمنيين لـ”استلهام الحكمة والحفاظ على الوحدة الوطنية واستشعار خطورة المرحلة بعيدًا عن الحزبية، والنظر في الحوار الذي دعونا له في الرياض من أجل تصحيح مسار العملية السياسية وعودتها إلى الطريق الصحيح”، ودعا الرئيس اليمني الجيش إلى “التمسك بالشرعية الدستورية والانضباط والجاهزية، والتمسك بالثوابت الوطنية متمثلة بالجمهورية والوحدة والديمقراطية”، وطالبه “بالنأي بنفسه عن الصراعات السياسية والطائفية والحزبية”.
وتابع هادي: “أعدكم بالعمل ما استطعت لإصلاح مكامن الخلل في المؤسستين الأمنية والعسكرية”، وأبدى هادي في ختام خطابه تطلعه للعودة للعاصمة صنعاء، التي وصفها بالعزيزة، قائلًا: “أتطلع للعودة إلى العزيزة صنعاء، بعد زوال الأسباب التي دفعت بي إلى تركها”.
متابعة – التقرير