فازت المستشارة أنغيلا مركل بولاية رابعة لتتساوى مع هيلموت كول محقق الوحدة الألمانية. خاضت مركل الانتخابات بعد أن تعرضت لانتقادات حادة حين فتحت أبواب ألمانيا لمليون مهاجر: (أهلاً بكم) واعتبرت ذلك متوافقاً مع الدستور الألماني الذي ينص على احترام «كرامة الإنسان»، بل ذهبت إلى القول إنه لو تكررت الأزمة فسوف تتصرف كما تصرفت عام 2015. غير أن غيوم أزمة اللاجئين لن تحجب أن مركل خفضت معدل البطالة، وجعلت ألمانيا القاطرة الاقتصادية والسياسية للاتحاد الأوروبي.
وقبل شهور عدة مِن الانتخابات الأخيرة كانت لمركل مواقف شجاعة رجَّحت فيها الاعتبارات القيمية على السياسية. ففي وقت كان حزبها يخوض الانتخابات البلدية، وكانت تعلم أن بلادها تضم ثلاثة ملايين تركي من حق نصفهم التصويت، إلا أنها تصدت لوزراء أتراك جاؤوا للترويج لأردوغان وحزبه بين أتراك ألمانيا، بل واصلت انتقادها سياسات الرئيس التركي ضد الحريات وحقوق الإنسان، وأعلنت في مناظراتها الانتخابية أنها ستطالب بوقف مفاوضات الاتحاد الأوروبي مع تركيا حول انضمامها إليه.
وفي الأسابيع الأولى لولاية دونالد ترامب انتقدت تشكيكه في المؤسسات الأوروبية، ودعت أوروبا إلى الاعتماد على نفسها وبناء قوتها الذاتية، وأخيراً انتقدت إعلان ترامب أنه «سيدمر كوريا الشمالية»، واعتبرت أن هذا سيعيق مفاوضات لتفادي مواجهات عسكرية «مدمرة».
ويصح القول ان سجل مركل في ولاياتها الثلاث يضعها في مصاف مستشارين ألمان عظام منذ نهاية الحرب الثانية، ابتداء من كونراد أديناور (1949-1963) الذي نهض بألمانيا من هزيمة وحطام الحرب الثانية، وبنى اقتصاداً مزدهراً كان الأساس لما سيعرف بـ «المعجزة الاقتصادية الألمانية»، كما أنه بالتعاون مع فرنسا، مهَّد للوحدة الاقتصادية التي كانت النواة للسوق الأوروبية المشتركة ثم الوحدة الأوروبية، حتى هيلموت كول (1982-1998) محقق حلم الوحدة الألمانية، والذي تحمل عبء اندماج ألمانيا الشرقية اقتصادياً واجتماعياً مع ألمانيا الغربية. غير أن مكان مركل بين هؤلاء المستشارين سيتحدد فى ولايتها الرابعة التي لن تكون سهلة وستواجه فيها تحديات صعبة بخاصة في الشأن الداخلي. فقد تراجع الحزب المسيحي الديموقراطي في الانتخابات الأخيرة في شكل لم يحدث منذ 1949، فضلاً عن الفوز الذي حققه القوميون ودخولهم البرلمان للمرة الأولى، بل تشكيلهم القوة الثالثة فيه، من حيث عدد الأعضاء، وهو ما جعل منافسها مارتن شولتز يتهمها بأن سياساتها تعتبر المسؤولة عن ذلك. وهو ما اعتبرته مركل «تحدياً كبيراً» سيتطلب العمل من أجل استعادة الناخبين الذين صوَّتوا لحزب «البديل من أجل ألمانيا»، ما يتطلب التجاوب مع مخاوفهم، وربما تصحيح سياسات سابقة.
وخارجياً، ستكون أولوية مركل حماية الوحدة الأوروبية والحفاظ على تماسكها، فضلاً عن معضلة التعامل مع دونالد ترامب بخاصة حول قضايا التغير المناخي وكوريا الشمالية.
أما مع العالم العربي، فإن سياسة مركل ستتحكم فيها علاقات ومصالح ألمانيا الاقتصادية والتجارية، واهتماماتها بقضايا الإرهاب، والهجرة غير الشرعية.
السيد أمين شلبي
صحيفة الحياة اللندنية