باريس – يتفاقم الجدل في فرنسا حول مشروع القانون الذي يناقشه البرلمان لرفع حالة الطوارئ وتحصين قوانين مكافحة الإرهاب. وتحذر أوساط داخل منظمة الأمم المتحدة من التداعيات التمييزية التي يمكن أن تسببها هذه القوانين والتي تعتبرها هذه الأوساط ستستهدف تمييزا يطال المسلمين في فرنسا كما يطال سجل حقوق الإنسان في هذا البلد.
ويسعى مشروع القانون الذي يقترحه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى وضع حد لحالة الطوارئ التي تعيشها البلاد منذ عامين، من خلال تحويل الإجراءات الاستثنائية الطارئة إلى قوانين دائمة في مجال مكافحة الإرهاب. والظاهر أن أمرا كهذا يهدد روحية قوانين الحريات في فرنسا ما يرفع من مستويات الجدل داخل الدوائر السياسية والحقوقية في البلاد.
ويجهد وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولومب في الدفاع عن القوانين الجديدة معتبرا أنها تعود إلى “الحاجة لـقانون يحمي المواطنين الفرنسيين من الإرهاب واعتماد سياسات تكون فعالة ولا تلزم الحكومة بالبحث عن قوانين جديدة مع كل عملية إرهابية”.
والظاهر أن حجج وزير الداخلية ليست مقنعة وهو ما يسبب جدلا كبيرا داخل البرلمان الفرنسي. فقد ارتفعت الأصوات المعترضة من اليمين واليسار والمجتمع المدني، إضافة إلى تدخل الأمم المتحدة للإدلاء بدلوها في هذا الشأن.
وتعتبر فينويالاني أولان عن منظمة الأمم المتحدة أن القوانين تحتوي على ما قد يسبب انتهاكا مباشرا للقوانين المتعلقة بالحريات والأمن وحرية التجمع وحرية ممارسة المعتقد.
ويحذر ميشال فورست، وهو مقرر آخر تابع للأمم المتحدة، من أن القوانين التي تناقشها الجمعية العامة الفرنسية قد تذهب إلى فرض حالة طوارئ دائمة من خلال منح رجال الشرطة سلطات خاصة دون الرجوع إلى مراقبة القضاة والنظام القضائي.
ويرى فورست أن القانون الجديد يستهدف ما يمكن اعتبارهم “مشبوهين”، بما في ذلك المسلمون. ويضيف “أن الأمم المتحدة تراقب فرنسا في هذا المضمار لما يملكه أي تغير قانوني داخل هذا البلد من تداعيات دولية”، معتبرا أن “ما يحصل في فرنسا وما تقرره فرنسا لا يمكن اعتباره هامشيا، وأننا نريد لفرنسا أن تكون الأفضل، وبالتالي نسعى إلى الضغط كي لا توحي ممارساتها القانونية الجديدة بتغيرات سيئة تعتمدها دول أخرى”.
وفي رسالة وجهتها الأمم المتحدة إلى فرنسا بشأن قوانينها الجديدة المضادة للإرهاب، اعتبرت المنظمة أن هذه القوانين تعتمد على “تعريف واسع للإرهاب” على نحو يؤدي إلى بث أجواء خوف من شأنها إباحة “استخدام سلطات الطوارئ بطرق اعتباطية”.
وتعيش فرنسا في ظل فرض حالة الطوارئ منذ أن قام إرهابيو داعش بارتكاب هجمات في باريس طالت أهدافا مختلفة في نوفمبر 2015، ما أدى إلى مقتل 130 شخصا.
القانون الجديد يستخدم سلطات الطوارئ بطرق اعتباطية بالاعتماد على تعريف واسع للإرهاب
والجدل البرلماني حول القانون هو مناسبة للمعارضة لتعبر بشراسة عن موقفها ضد ماكرون وحكومته. وأكثر من عبروا عن هذه المعارضة نواب اليسار المتشدد بزعامة المرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلونشون، الذي يسعى لسحب منبر المعارضة من زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان وتنصيب نفسه ندا أوّلَ لماكرون وفريق حكمه.
وتذكّر سلطات الشرطة الاستثنائية في فرنسا بفترة الطوارئ التي عاشتها البلاد في خمسينات القرن الماضي أثناء حرب الجزائر.
وتسمح هذه السلطات الخاصة للشرطة بالقيام بعمليات تفتيش دون الحصول على إذن من السلطات القضائية وبالقيام باعتقالات تتجاوز المهل القانونية المعتمدة، كما أنها تتيح تقييد حرية التجمع.
ويقول مراقبون فرنسيون إن الرئيس ماكرون الذي انتخب إثر معركة حادة ضد زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان يسعى لإيجاد سبيل لتخليص البلاد من حالة الطوارئ الراهنة. ويضيف هؤلاء أن هذه القوانين تروم إخراج البلاد من حالة الطوارئ دون أن يؤدي ذلك إلى إضعاف الموقف الفرنسي القانوني في مسألة مكافحة الإرهاب.
ويذكر الفرنسيون أنه في يوليو من العام الماضي وحين كان الفرنسيون يحتفلون بيومهم الوطني أعلن الرئيس الفرنسي آنذاك فرنسوا هولاند عن نيته إنهاء حالة الطوارئ. وقد قام أحد الإرهابيين في نفس اليوم باستخدام شاحنة لدهس جموع الناس في إحدى أشهر الجادات البحرية في مدينة نيس.
وأدى الأمر مذّاك إلى تجديد حالة الطوارئ عدة مرات رغم الجدل البرلماني الذي دار حول نجاعة إجرءاتها في ردع الإرهاب.
العرب اللندنية