أربيل (العراق) – يجد رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، نفسه وحيدا بعدما تخلى عنه الكثير من حلفائه وهو يواجه تداعيات الاستفتاء على الاستقلال الذي أصر على إجرائه، متجاهلا اعتراضات داخلية وخارجية بالجملة.
وشنت أحزاب وشخصيات سياسية بارزة في إقليم كردستان هجوما حادا على البارزاني، متهمة إياه بخداعها في ما يتعلق بنواياه من وراء إجراء استفتاء الخامس والعشرين من الشهر الماضي، وذهابه منفردا نحو تشكيل “مجلس القيادة السياسية الكردستانية – العراق”، للتفاوض مع بغداد.
وقالت هيرو إبراهيم أحمد، عقيلة جلال الطالباني رئيس الجمهورية السابق الذي توفي بالأمس، وزعيم الاتحاد الوطني الكردستاني ثاني أكبر أحزاب الإقليم، إن الشعب الكردي “يدفع ضريبة هذا العناد في الوقت الحاضر، فبدل أن نراجع أنفسنا ونقيم الظرف الحالي بصورة واقعية ودقيقة، تقرر تشكيل مجلس دون العودة إلى قيادة الأحزاب والأطراف السياسية الكردستانية لغرض تقييمها وإقرارها”.
وأضافت أن “القرار بتشكيل مجلس للتفاوض مع بغداد يماثل القرار الذي اتخذ في 7/6/2017 والذي حدد يوم الخامس والعشرين من سبتمبر موعدا لإجراء الاستفتاء دون إجراء أي تقييم لنتائجه ودون الرجوع إلى قيادات الأحزاب”.
ولم تكد أربيل، عاصمة الإقليم الكردي في العراق ومعقل حزب البارزاني، تستوعب صدمة تصريحات عقيلة الطالباني، حتى أصدرت حركة التغيير، التي تملك ثاني أكبر كتلة في برلمان إقليم كردستان، بيانا شديد اللهجة ذكرت فيه أن الاستفتاء “شق صفوف شعبنا وتسبب في خيبة أمل وامتعاض دول المنطقة وأصدقائنا. وأصبح ذريعة بيد بعض الأشخاص والجهات الشوفينية ليقفوا ضد المطالب الشرعية لمواطني كردستان”.
واتهمت الحركة “السلطة الفاشلة في إقليم كردستان” بخلق “أزمة سياسية أخرى مع الحكومة الفيدرالية ودول المنطقة والمجتمع الدولي وهي إثارة مسألة الاستفتاء في وقت غير مناسب”.
واعتبرت أن نتيجة الاستفتاء الكردي أصبحت “تهديدا جديا على حياة ومعيشة مواطني كردستان ومكتسباتهم”.
ويقول مراقبون إن هذه المواقف تؤشر على تمرّد مدينة السليمانية، معقل كل من الاتحاد والتغيير، على مشروع الانفصال الذي يقوده البارزاني.
ويضيف هؤلاء أن “القيادات السياسية في السليمانية ربما تسعى إلى تجنيب المدينة تداعيات الاستفتاء وأخطرها العقوبات الاقتصادية، التي قد تتسبب في تحريك الشارع الكردي”.
وفي بغداد تعرض الوجود الكردي في البرلمان الاتحادي إلى خطر كبير، عندما علقت رئاسة مجلس النواب عضوية جميع الأعضاء الأكراد الذين شاركوا في الاستفتاء.
وقبيل انعقاد جلسة هامة، ظهر الثلاثاء، عقد وفد يمثل التحالف الشيعي الحاكم اجتماعا مع رئيس مجلس النواب سليم الجبوري لمناقشة حضور النواب الأكراد إلى الجلسات.
ووفقا لمصدر نيابي تحدث لـ”العرب”، فقد أسفر الاجتماع عن جملة مقررات تلتزم رئاسة البرلمان بتنفيذها، منها “اعتبار كل نائب عن التحالف الكردستاني يحضر جلسات البرلمان مؤيدا لقرارات المجلس الأخيرة بشأن الاستفتاء ويؤمن بكل مضامين الدستور وغير معترف بنتائج الاستفتاء”، فضلا عن “إعداد قوائم خاصة بأسماء النواب المؤيدين للاستفتاء وأصحاب المواقف الواضحة منه لرفعها إلى القضاء من أجل سحب عضويتهم من المجلس والتي تعتبر الآن معلقة إلى حين بتّ القضاء في أمرهم”.
وترجمة لهذه المقررات انعقد البرلمان العراقي، الثلاثاء، من دون النواب الأكراد. وحضر نواب الاتحاد والتغيير إلى مبنى البرلمان، لكن الجدل بشأن مشاركتهم في الاستفتاء، حال دون دخولهم إلى قاعة الجلسات.
وأطلق ائتلاف دولة القانون، بزعامة نوري المالكي، حملة لجمع تواقيع بهدف تقديم طلب إلى رئاسة البرلمان ينص على منع النواب الكرد من حضور جلسات مجلس النواب، قبل أن يعلنوا موقفهم من الاستفتاء.
وصوت مجلس النواب على “الالتزام بمضامين خطاب المرجعية الرشيدة، ومطالبة الحكومة باتخاذ جميع الإجراءات لتنفيذ مضامين خطاب المرجعية والتأكيد على الحكومة بتنفيذ قرار مجلس النواب المتضمن إجراءاته ضد الاستفتاء”.
وكشفت رئاسة البرلمان نيتها مخاطبة “المحكمة الاتحادية بشأن النواب المصوتين في الاستفتاء”، داعية “اللجنتين القانونية وشؤون الأعضاء إلى تزويد المجلس بأسماء من ثبتت مشاركتهم في الاستفتاء لتعليق عضويتهم في المجلس″.
ويقول مراقبون إن “التحالف الشيعي النيابي، مدعوما من رئاسة مجلس النواب، ربما يضيع فرصة الاستفادة من الانقسام الكردي بشأن الاستفتاء، عبر التعامل مع النواب الأكراد بوصفهم كتلة واحدة تؤيد الاستفتاء”.
العرب اللندنية